فلسطينية تواجه معاناة «الغزيين» باللوحات والمنحوتات
الأناضول: بطريقة عشوائية، علقت الفنانة التشكيلية شيرين عبد الكريم، لوحاتها الفنية، التي سيطرت عليها مشاعر الحزن والتراجيديا، على جدار صغير، في مؤسسة «مُحترف شبابيك» في قطاع غزة.
اللوحات المرسومة على أوراق مٌصفرة، باللون الأسود، جسدت معاناة الأطفال والنساء والشباب، في غزة، جراء الحصار المفروض على القطاع، وبسبب العادات والتقاليد المعمول بها في المجتمع الفلسطيني.
وخصصت شيرين، جزءا من أعمالها الفنية، لتسليط الضوء على المعاناة الخاصة التي تعيشها المرأة، جراء القيود المجتمعية.
وفي إطار سعيها لإيصال صوت المرأة للمجتمع والعالم، حاولت عبد الكريم تجسيد هذه المعاناة عبر أعمال نحتية لمجسمات منحوتة وقوالب شفافة، تأخذ وضعيات درامية مأساوية، كما قالت.
وأضافت شيرين، أن هذه الأعمال الفنية، بمختلف أشكالها، تعكس قصصا واقعة، استلهمتها من رُوَاتها الأصليين.
وترى الفنانة التشكيلية أن نشر هذه القصص وتوضيح أوجه المعاناة، لأكبر شريحة من الناس، يساهم في منع انتشارها، أو تكرارها.
بداية الفن
شيرين، هي مهندسة معمارية، تخرجت من «الجامعة الإسلامية» في غزة قبل نحو 3 سنوات، وعملت في المجال الفني، الذي بدأته كهواية.
خلال طفولتها، كانت ترسم بشكل بسيط، بعض اللوحات التوضيحية، كجزء من الأنشطة المدرسية الخاصة بها، ولم تفكر يوما أنها قد تحترف هذا الفن.
وتقول الفنانة، إنها طورت موهبتها بالرسم، خلال فترة دراسة تخصص الهندسة المعمارية، الذي يتلاقى بالكثير من الجوانب، مع الفن التشكيلي، الذي تصفه بـ»الوجه الثاني للعمارة».
وتضيف أن هذا التخصص ساهم في «تقريبها من الناس، وساعدها بالتعرف على أحلامهم وطموحاتهم، فيما يتعلق ببناء منزلهم المُستقبلي والتحديات التي يواجهونها، فضلا عن الاستماع لبعض الجوانب من معاناتهم».
وكان هذا التخصص العلمي، سببا في بداية الخطوات الفعلية بمجال الفن التشكيلي، بالنسبة لعبد الكريم، بعد أن لمست المعاناة التي يعيشها الناس.
مشروع « 5 قربان»
منذ بداية مشوارها في الفن التشكيلي، نجحت شيرين في تدشين عدد من المشاريع الفنية، من بينها مشروع أطلقت عليه اسم «قربان».
اهتم المشروع بتجسيد العنف المُمارس مجتمعيا وأسريا ضد المرأة الفلسطينية، وعكس قصصا لشخصيات واقعية.
المشروع هو عمل فني في الفضاء العام، يخرج عن الأعمال الفنية الروتينية المَحصورة في المعارض الداخلية، إلى الشارع، كي يتذوق المواطن هذا الفن ويشعر بما يُجسده، حسب عبد الكريم.
وأوضحت الفنانة، أن المشروع يٌخرج صوت المرأة من بين الجدران، إلى الشارع.
وتضيف: «لدى الشارع أولويات وهو رغيف الخبز، والمعاناة في ظل حالة الفقر والظروف الاقتصادية، لكن لا بد له أن يشعر بالمعاناة والظلم الواقع على المرأة».
وعبّرت عن معاناة المرأة عبر منحوتات، تقول إنها تقوم برحلة في بيئات مختلفة من قطاع غزة.
وزادت: «هذه المنحوتات تارة تكون في حديقة عامة، تارة أخرى تكون في جامعة، أو على رصيف، أو داخل مؤسسة حكومية أو أهلية، يجب أن يصل الصوت للجميع».
وذكرت أنها طوّرت هذه الفكرة لتصل إلى تصميم قوالب لهذه المنحوتات، بهدف معايشة الزائر للقصص التي تعبر عنها.
واستطردت: «بدأت بالتعبير عن المعاناة بقوالب، تأخذ وضعية المنحوتات التي تجسد المعاناة، بحيث تصبح للإنسان قدرة على الدخول في هذا القالب، ومعايشة المعاناة، الأمر الذي يعني مزيدا من الإحساس بها».
وأفادت بأنها واجهت «صعوبة في توفير المواد الكيميائية التي تصنع منها هذه القوالب، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة لأكثر من 15 عاما».
وتقول إنها حاولت توفير بعض المواد المستخدمة لصناعة هذه القوالب، «خاصة الريزن (كيميائية) إلا أن إسرائيل تمنع دخولها إلى غزة لدواعٍ أمنية» على حد قولها.
الفنانة الفلسطينية، لم تستلم لعدم وجود «الريزن» وصممت على تطويع المادة المفقودة، لصناعة القوالب، «كونها الأكثر قدرة على إيصال الشعور» حسبها.
هذا الإصرار جاء وسط سيل من نصائح الفنانين باستبدال المادة الممنوعة من دخول غزة، بأي مادة أخرى كعجينة الجبس مثلا، لكنها رفضت.
وأجرت شيرين عددا من المحاولات، تخللها الكثير من الإخفاق، لتركيب مادة شفافة، شبيهة لـ»الريزن» ومكونة من 13 مادة كيميائية.
تسببت أحيانا هذه المحاولات في احتراق المطبخ، جراء تركيب كميات خاطئة من مواد كيميائية، لكنها واصلت المشوار، حتى نجحت في الوصول إلى المقادير الصحيحة لتكوين المادة. وتقول الفنانة، إن بعض المواد الكيميائية التي استخدمتها في صناعة المادة الشفافة، أيضا لم تكن موجودة في غزة، واضطرت لاستبدالها بمواد أُخرى تؤدي الوظيفة نفسها.
حمل آخر مشاريع شيرين الفنية، اسم «من ثقب الإبرة» وهو يوازن حالة التناقض في غزة من الفرح والمعاناة، كما أنه عبارة عن رؤية عكسية لكل هذه المعاناة التي نعيشها، كما قالت.
وتضيف: «تناولت قصصا في هذا المشروع لأشخاص نجوا من ثقب الإبرة، وأشخاص ما زالوا عالقين به، وآخرين يحاولون النجاة».
وبينت أنها أجرت العشرات من «الحوارات مع نساء وأطفال وشباب» لافتة إلى أن بداية هذا المشروع كانت تجسيدا لحوارات أجرتها مع معارفها.
واستكملت قائلة: «كنت أحاول أن أكون قريبة من الناس أكثر، وأعمل على توصيل معاناتهم بطريقة فنية، تسهل معايشة هذه المعاناة، وتساهم في منع تكرارها».
وعن أبرز قصص المعاناة التي كان لها وقعا شديدا على شيرين، قالت «معاناة المرأة، التي تُمثل الجزء الأضعف في المجتمع هي التي تترك دائما أثر كبير».
وأردفت: «المرأة تواجه قيودا مجتمعية، وأسرية، وقيود التقاليد والأعراف، دائما توضع في قالب بالكاد تحاول النجاة منه (…) فضلا عن تعرضها للعنف والتحرش أو الاغتصاب».
وأشارت إلى أنها جسدت قصصا لنساء ناجحات، أيضا بما يصنع نوع من التوازن، في الطرح الفني. وسلطت الضوء، على المعاناة التي يعيشها الأطفال بغزة، سواء العنف الأسري أو العمالة وترك مقاعد الدراسة، في سن مُبكرة.
وذكرت أنها جسدت أعمالا تراجيدية لأطفال لديهم طموح وأفق واسع، ويرغبون في استكمال دراستهم، لكنهم يعجزون عن ذلك قسرا تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة.
وعن مخرجات هذا المشروع، تقول الفنانة الفلسطينية، إن «النتائج الأولية كانت عبارة عن اسكتشات فنية، للقصص التي اختارتها».
فيديو
شعرت شيرين، بضرورة وصول هذه القصص والمعاناة لشريحة أكبر من الناس، كي يكونوا مُطلعين عليها وقادرين على فهمها، وأن لا يقتصر هذا الأمر على الفنانين أو المهتمين بالفن.
لذا لجأت إلى الفن الرقمي، الذي استفادت فيه من تخصصها بالهندسة المعمارية، فعملت على مجموعة من البيئات لمحاكاة هذه القصص.
وأردفت: «هذه البيئات أصحبت مخرجات نهائية، يستطيع الناس من خلالها معايشة الإحساس والشعور، خاصة وأنني عملت على تجميعها بفيديو (VR) وعرضها عن طريق نظارات خاصة».
وفيديو (VR)هو مصطلح يُطلق على مقاطع الفيديو الافتراضية أو المُتخيلة التي تُجسد بيئات يمكن محاكاتها مادياً في بعض الأماكن بالعالم الحقيقي.
ومن بين مقاطع الفيديو، صممت الفنانة شيرين، قصة لأحد الأطفال يُدعى «أحمد» اضطر لبيع الكعك في مدينة غزة، رغم طموحه للدراسة وأحلامه الكبيرة.
جسّدت شيرين تلك القصة من خلال مقطع فيديو، كانت نهايته تشمل غرق الألعاب والكتب الدراسية وأحلام أحمد في حوض كبير للسباحة، بينما تنجو من هذا الغرق وتطفو قطعة واحدة من الكعك.