فرنسا: مشروع قانون جديد حول الهجرة غير الشرعية سيطرح بعد العطلة الصيفية.

اختار الرئيس ايمانويل ماكرون أن يتحدث للفرنسيين من خلال قناتي التلفزة الرئيسيتين {فرانس 2 والقناة الأولى} ظهر الاثنين عن بعد 16 ألف كلم عن باريس وتحديدا من نوميا، عاصمة كاليدونيا الجديدة التي يزورها كما يزور خلال خمسة أيام، ممتلكات فرنسية أخرى في المحيط الهادي في ما يعد آخر مداخلاته الإعلامية التي تسبق الفرصة الصيفية للرئاسة والحكومة التي تبدأ مع نهاية الأسبوع الجاري.
كما كان متوقعا، تناول ماكرون المواضيع الأساسية التي تهم الفرنسيين بدءا من أعمال العنف والشغب التي اندلعت في البلاد بعد مقتل الشاب المراهق نائل المرزوقي في مدينة نانتيير صبيحة 27 يونيو (حزيران) على يدي شرطي دراج بمناسبة تدقيق مروري وصولا إلى مشروع قانون الهجرات الذي ستتم مناقشته في مجلسي الشيوخ والنواب عقب العطلة ومرورا بالتضخم وارتفاع الأسعار وانعكاساتها على الفئات الأكثر هشاشة والتعديل الوزاري الأخير… وباختصار، سعى ماكرون لرسم صورة التحديات التي تنتظر في الأسابيع والأشهر القادمة وما تنوي حكومة أليزابيت بورن التي ثبتها في وظيفتها القيام به.
حقيقة الأمر أن ماكرون لم يأت بجديد بل أكد المؤكد. ففي موضوع العنف والشغب، عد أن السلطات نجحت، من خلال نشر 45 ألف رجل أمن من شرطة ودرك ووحدات متخصصة في السيطرة على الوضع بعد أربع ليال فقط من العنف والشغب والحرائق والسرقات بعكس ما حصل إبان حراك السترات الصفراء أو ما حصل في عام 2005 في ظروف مشابهة لما عرفته البلاد نهاية يونيو وبداية يوليو (تموز)، وذلك من غير اتخاذ تدابير استثنائية مثل فرض حالة الطوارئ أو منع التجول.
ووفق ماكرون، فإن الحل يكمن في العودة إلى تطبيق القانون والنظام وهو ما ردده ثلاث مرات، عادا أن أحد الأسباب الرئيسية لما حصل هو تهافت السلطة على كافة المستويات بدءا بالمستوى العائلي. ودليله إلى ذلك أن من بين 1300 شخص مثلوا أمام القضاء لمشاركتهم في أعمال العنف والشغب والسرقات، ثمة 608 منهم من القاصرين، ما يدل، وفق ماكرون، على قصور عائلي وتداعي السلطة والتربية في الإطار العائلي. وقال ماكرون: «يحتاج بلدنا إلى ترميم السلطة على كافة المستويات إن في إطار العائلة أو المدرسة وعلى مستوى المنتخبين المحليين أو القوى الأمنية». ولذا، فإن الرئيس الفرنسي سيعمد إلى فتح هذا الملف بعد انتهاء الصيف ويريد أن «تتحمل العائلات مسؤولياتها كما يتعين علينا أن نواكب العائلات {التي تواجه صعوبات} وأن نستثمر في شريحة الشباب لتوفير كادر {ملائم} لها».
ولم يفت ماكرون التنديد بشبكات التواصل الاجتماعي التي استخدمت وسيلة للتعبئة ضد رجال الأمن وللتظاهر والاحتجاجات وتنظيم أعمال الشغب داعيا إلى تنظيم الفضاء الرقمي وفق قوانين الجمهورية. وأخيرا، وفي ملاحظة عابرة، أشار ماكرون إلى ضرورة التخلي عن السياسة القائمة منذ عقود والتي كانت نتيجتها «تركيز الصعوبات في الأماكن والأحياء نفسها» التي تعاني أصلا من صعوبات أي الأحياء الفقيرة التي يتجمع فيها المهاجرون وأبناؤهم والتي تحول بعضها إلى غيتوات حقيقية. وحتى اليوم، لم تنجح الخطط التي لجأت إليها الحكومات المتعاقبة في التغلب على هذه الصعوبة البنيوية التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة.
ليس بعيدا عن هذا الملف موضوع مشروع قانون الهجرات الذي تخطط له السلطات منذ العام الماضي. وأكد ماكرون أن الحكومة أعدت مشروعا «متكاملا ومتوازنا» وأن غرضها متعدد: خفض أعداد المهاجرين {غير الشرعيين} الذين يدخلون إلى فرنسا وملاحقة شبكات تهريب البشر والتمكن من دمج الرجال والنساء الذين يساهمون في تعزيز قوة بلادنا ويعملون في القطاعات التي تحتاج إليهم، مثل الزراعة وقطاع البناء والمطاعم.
وأكد الرئيس الفرنسي الحاجة لـ«حماية الحدود الخارجية» للاتحاد الأوروبي وإدخال تشريعات جديدة على القانون الفرنسي. وبما أن الحكومة لا تمتلك الأكثرية المطلقة في البرلمان لتمرير مشروع القانون، فإن ماكرون يراهن على تعاون بعض المعارضة وتحديدا نواب حزب «الجمهوريون» الذين يسعون لتقديم مشروع قانون منافس للمشروع الحكومي لكنه أكثر تشددا ويذهب بعيدا في محاربة الهجرات غير الشرعية لا بل خفض الهجرات الشرعية. ويتهم اليمين بجناحيه التقليدي والمتطرف الحكومة بـ«تشجيع» الهجرات من خلال نيتها تسوية أوضاع المهاجرين العاملين في قطاعات تحتاج إلى أذرع عاملة. واللافت للنظر أن فرنسا لم تشارك في الاجتماع الكبير الذي استضافته روما حول الموضوع نفسه ولم تفسر الأسباب التي حالت حقيقة دون مشاركتها.
وباختصار، فإن ماكرون يراهن على تعاون «المعارضات البناءة كافة». بيد أن قراءة الوضع السياسي في فرنسا لا تترك فسحة واسعة لتحقيق رغبته ما قد يلزم الحكومة إلى اللجوء إلى البند 49 ـ 3 من الدستور من أجل تمرير مشروعها. وبموجب هذا البند، فإن بمستطاع الحكومة أن تربط إقرار مشروع القانون بنيلها ثقة المجلس وإذا نجت من السقوط، فإن ذلك يعني قبول المشروع المذكور. وسبق للرئيس الفرنسي أن هدد بوضوح أن إسقاط الحكومة في البرلمان سيعني الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة لا ترغب بها أحزاب اليمين في الوقت الحاضر. وأكد ماكرون أن «لا أكثرية بديلة» في البرلمان، بمعنى أن المعارضة غير قادرة حسابيا وسياسيا على توفير مثل هذه الأكثرية، ما يترك الباب مفتوحا للحكومة لكي تفاوض وتساوم حول كل مشروع قانون يتم طرحه.
في مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان» نشرت صباح الأحد، قال فريدريك فو، مدير عام الشرطة الوطنية إن «مكان الشرطي ليس السجن» في إشارة إلى حبس شرطي في مدينة مرسيليا بسبب الدور المنسوب له في اللجوء إلى العنف ضد أحد المتظاهرين خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها المدينة المذكورة.
وطالب مدير عام الشرطة بالإفراج عن الشرطي السجين الذي وجهت له ولثلاثة من رفاقه تهمة الإفراط في استخدام العنف ولم يطلب مدعي عام مرسيليا الحبس إلا لواحد منهم فقط. وانتشرت في صفوف الشرطة موجة تضامن مع زميلهم المسجون. ورفض ماكرون الإجابة مباشرة عن سؤال وجه إليه بخصوص مسؤول الشرطة الكبير إلا أنه، بالمقابل، عد أن «لا أحد في الجمهورية فوق القانون» مؤكدا أن شرعية رجال الشرطة مستمدة من أنهم «مكلفون بحماية النظام الجمهوري وأنهم يطبقون القوانين التي تم التصويت عليها بطريقة ديمقراطية». بيد أن ماكرون حرص على الإشادة بما قام به رجال الأمن خلال ليالي العنف الأخيرة وأشار إلى إصابة 900 منهم بجروح.