فجر الشرق الأوسط الجديد لا يزال بعيدا

نتنياهو يرى أن الطريق أصبح ممهداً لبدء حقبة جديدة في الشرق الأوسط بعد أن تم تحقيق أهداف كثيرة. فهل هو محق في تفاؤله، أم لاتزال هناك عقبات؟ دانييل دي بيتريس – Newsweek
إذا استمعتَ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا، فقد تظن أن الشرق الأوسط على أعتاب حقبة جديدة أكثر سلما. وسبب هذا التفاؤل هو الضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل لإيران والتي أسفرت عن إضعاف شوكة الأخيرة في المنطقة. ويضيف نتنياهو أن لدى إسرائيل الآن فرصة ذهبية لتغيير المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط لصالحها.
وقال نتنياهو في البيت الأبيض هذا الأسبوع: “أعتقد أننا نستطيع تحقيق سلام بيننا وبين الشرق الأوسط بأكمله بقيادة الرئيس ترامب، ومن خلال العمل معًا، أعتقد أننا نستطيع إرساء سلام شامل للغاية يشمل جميع جيراننا”.
في الواقع من الصعب عدم الموافقة على بعض تفاؤل نتنياهو؛ حيث تعرضت القوة العسكرية التقليدية لإيران، لانتكاسة كبيرة خلال 12 يومًا من تحليق الطائرات الإسرائيلية. وقد تعامل سلاح الجو الإسرائيلي مع نظام الدفاع الجوي الإيراني بسهولة، لدرجة أن الطيارين الإسرائيليين حققوا تفوقًا جويًا فوق البلاد ومهدوا الطريق لقاذفات القنابل الأمريكية من طراز B-2 لإسقاط حمولاتها على منشأتين نوويتين رئيسيتين لإيران في نطنز وفوردو. وفي غضون ذلك أُصيب محور المقاومة بالفوضى بعد عام كامل من الغارات الجوية والعمليات البرية والاستخباراتية التي قضت على أبرز قياداته.
وهناك أيضاً بعض التحركات الدبلوماسية في المنطقة، ولا يخدم أي منها إيران جيدا. ففي لبنان، يتوسط توم باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا، بين إسرائيل وحزب الله والحكومة اللبنانية في محاولةٍ لإرساء نظام سلام جديد بين الأطراف الثلاثة. ووفقًا لباراك، كان رد الحكومة اللبنانية على ورقة موقف واشنطن “مذهلًا”، مما يشير إلى اعتقاد إدارة ترامب بوجود فرصة واقعية للتوصل أخيرًا إلى اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان.
ولا تزال المحادثات بين إسرائيل وسوريا جارية، وهو أمر كان بعيدا عن التصور في عهد بشار الأسد الذي أدّت شراكته مع إيران وإصراره على تسليم إسرائيل مرتفعات الجولان لدمشق مقابل التطبيع إلى إحباط أيّ انفراجٍ في العلاقات. لكن الأسد الآن في موسكو، ودمشق تحكمها حكومة مختلفة تمامًا، مهتمةٌ بتطبيع العلاقات مع خصوم سوريا التقليديين. وهذا لا يشمل الولايات المتحدة فحسب – فقد ألغت إدارة ترامب بعض العقوبات الأمريكية طويلة الأمد المفروضة على سوريا الشهر الماضي – بل يشمل أيضا إسرائيل، التي انخرط مسؤولوها في محادثات سرية مع إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع منذ أشهر.
لكن مجرد تحريك بعض قطع اللغز لا يعني أن اللعبة ستنتهي عند هذا الحد. فمثلا لا تزال المحادثات الإسرائيلية اللبنانية معقدة بسبب عدة عوامل. فرغم وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبرالماضي بين إسرائيل وحزب الله، يواصل الجيش الإسرائيلي قصف مواقع حزب الله داخل جنوب لبنان بشكل شبه أسبوعي. وتجادل الحكومة الإسرائيلية بأنها تُعاقب حزب الله على انتهاكاته لوقف إطلاق النار، الذي يُلزم الجماعة المسلحة اللبنانية بالانسحاب شمال نهر الليطاني وتسليم مخزوناتها من الأسلحة للجيش اللبناني.
أما حزب الله، فلديه تفسير مختلف، إذ يزعم أنه لن ينزع سلاحه طالما أن إسرائيل تُلقي قنابلها على الأراضي اللبنانية وتحتفظ بخمسة مواقع مراقبة منفصلة داخل الأراضي اللبنانية. أما الرئيس اللبناني جوزيف عون، فرغم أنه ليس من مُحبي حزب الله، إلا أنه لا يريد أن يُنظر إليه على أنه يتعرض للضرب من قِبَل الإسرائيليين، ولديه حافز سياسي داخلي لعدم الرضوخ للمفاوضات.
وكذلك لن تكون المحادثات الإسرائيلية السورية سهلة أيضًا. فرغم رؤية نتنياهو لطي صفحة الماضي تمامًا، فمن المرجح أن تُفضي هذه المحادثات الجارية إلى وضع الدولتين الجارين بروتوكولاتٍ عسكريةً لمنع الاشتباك ووضع حواجز أمنية على طول حدودهما المشتركة. وقد يكون أحمد الشرع منفتحًا على استكشاف علاقة جديدة، لكن فكرة إضفاء طابع رسمي عليها مع بقاء مرتفعات الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة أمرٌ يصعب تصوره.
في الواقع، سيكون ذلك قطيعةً جذريةً مع سياسة سوريا السابقة، وسيُوقعه في مشاكل مع العناصر الأكثر تحفظًا في قاعدته السياسية. وقبل شهرين فقط، شنّت إسرائيل غارةً جويةً قرب القصر الرئاسي السوري في حيلةٍ لتحذير الحكومة السورية الجديدة من مهاجمة المناطق التي يغلب عليها الدروز.
لا شيء من هذا يفسر حتى الحرب الدائرة في غزة، التي لا تزال تمثل عبئًا ثقيلًا على إسرائيل، وتجعل من الصعب للغاية على أي دولة في المنطقة، سواءً كانت السعودية أو سوريا، إصلاح علاقاتها مع القدس حتى لو رغبت في ذلك.
وإذا بدا كل هذا متشائمًا، فهو كذلك بالفعل. فالشرق الأوسط يتحرك ببطء، فلا تستغربوا إن لم يتحقق الفجر الجديد الذي يتحدث عنه الجميع.