باسم المرعبي – ناشر موقع “رأي سياسي” :
في خضم الحرب الإسرائيلية التي تشن على لبنان ، ونزوح اكثر من مليونين لبناني عن مدنهم وقراهم ، بدأ العديد من الدول العربية والإسلامية والأجنبية ارسال مساعدات إنسانية متنوعة إلى لبنان بغية توزيعها على المتضررين من هذا العدوان ، حتى أن دولا مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة أقامت جسرا جويا لهذه الغاية ، وبالفعل وصل إلى لبنان ألآف الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية، وتسلمتها جمعيات من المجتمع المدني، وهيئة الطوارئ المنبثقة عن مجلس الوزراء، وكما في مراحل سابقة بدأت تطرح الكثير من الأسئلة وعلامات الإستفهام حول مصير هذه المساعدات والخوف من أن تتعرض للسرقات إسوة في مراحل ومحطات متشابهة سابقة كون أنه لا يوجد جهات محددة تقوم بالتوزيع، كما أنه لا يوجد رقابة معينة على عمليات التوزيع، ولذا نرى أن هناك مناطق يتواجد فيها مئات النازحين لا تحصل على هذه المساعدات وان البعض كذلك يحصل على القليل الذي لا يكاد يذكر أمام حجم الكارثة التي طالت مئات الآلاف من اللبنانين وغير اللبنانيين ، وقد بدأت الأصوات المعترضة على هذا الموضوع تبرز إلى العلن سيما وأن التوزيع يكاد محصور في أماكن الإيواء المستحدثة وفي المدارس ، فيما هناك الآلاف ممن يتواجد عند أقارب أو اصدقاء أو استأجروا بيوتا مع بداية العدوان ولم يعد في مقدورهم دفع بدل الإيجار المرتفع بسبب عمليات الإستغلال التي تعرضوا لها لا يحصلون على اي مساعدة، وان دل ذلك على شيء فإنه يدل على التقصير الفاضح الذي يحصل من كل النواحي إن كان من الدولة التي لم تسارع إلى وضع خطة عمل شاملة لمواجهة التحديات الناجمة عن العدوان، او من الجهات التابعة للمجتمع المدني أو المنظمات الدولية، وهو ما حول أوضاع الكثير من النازحين إلى وضع مأساوي ، فيما يحصل بعض المحضين على كل ما يحتاجون.
ويبدو أن مسألة المساعدات الغذائية ستكون سهلة أمام هول الكارثة القادمة نتيجة فصل الشتاء الذي أصبح على الأبواب حيث يوجد نقص كبير في موضوع التدفئة ، حيث أن هناك الكثير من النازحين هربوا من جحيم العدوان الإسرائيلي إلى مناطق جبلية عالية وسكنوا إما في بيوت مستأجرة أو في المدارس ومراكز إيواء ، وهم اليوم يفتقدون لأبسط مقومات العيش لمواجهة البرد والشتاء ، ناهيك عن الأعداد الكبيرة من النازحين اللبنانيين والسوريين وغيرهم ممن لا زالوا في الخيم او يفترشون الأرصفة كما هو حاصل اليوم على واجهة بيروت البحرية حيث يوجد العشرات من الخيم هناك. هذا النقص في مسألة التدفئة سيولد مشكلة كبيرة ما لم تسارع الجهات المعنية في الدولة ومعها المنظمات والجمعيات الأهلية إلى معالجة هذا الوضع المأساوي من خلال توزيع المزيد من الحرامات وأجهزة التدفئة التي يقال أنه وصل الكثير منها ولا يوزع الا القليل.
أمام هذا الواقع الكارثي لا بد من الدعوة إلى الإفراج عن كل المساعدات التي تقدمها الدول مشكورة وعدم تخزينها في مخازن بغاية ،”تشبيحها” من بعض النافذين كما كان يحصل في مراحل سابقة وهذا لا يتم إلا من خلال رقابة صارمة من جهات موثوقة تعمل بكل شفافية ووضوح بعيدا عن الإستنسابية والمناطقية في عمليات توزيع المساعدات خصوصا على المناطق البعيدة مثل عكار إلى تحتضن عشرات الآلاف من الضيوف ويكاد فيها توزيع المساعدات لا يذكر وكذلك في مناطق مختلفة وعلى وجه الخصوص الجبلية منها.
كما أن هناك مشكلة قادمة تتعلق بموضوع السكن ، فهناك الألآف ممن فقدوا منازلهم وهناك قرى وأحياء مسحت عن الخارطة ، ما هي الخطة التي وضعتها الحكومة لمواجهة هذه الأزمة التي ستنشأ فور توقف الحرب سيما وأنه من الصعب أن يبقى النازحون في المدارس أو الأماكن التي لجأوا اليها. لا شك أن هذا الأمر سيكون صعبا جدا ما لم توضع له خطة عمل شاملة لمواجهة التحديات المقبلة، ومن بين الخطوات العملية التي من الممكن أن تقوم بها الدولة جلب بيوت السكن الجاهزة لتوزيعها على أكبر قدر ممكن ممن فقدوا منازلهم ، لأن الوضع مختلف كليا عما جرى في عدوان تموز العام 2006 لجهة حجم الدمار الشامل في أكثر من مكان.
إننا بالفعل أمام وضع كارثي يهدد بحصول فوضى عارمة ما لم تسارع الجهات المعنية إلى وضع خارطة طريق واضحة المعالم للمواجهة سيما وأن دولا كثير أبدت استعدادها للمشاركة في مساعدة لبنان على غرار ما حصل في مؤتمر باريس في الرابع والعشرين من هذا الشهر حيث خصص للبنان 800 مليون دولار يؤمل أن يعرف كيف سيصار الى صرفهم لا أن يكون مصيرهم مصير مساعدات أقرت في مؤتمرات مماثلة ، ولم يدفع منها من ” الجمل أذنه” على حد التعبير الشعبي.
أختم لأقول: فالتوزع المساعدات بعدل وإنصاف على المستحقين، ولا تدعوها تذهب الى مخازن النافذين ومستغلي الأزمات.