غضب الشباب يتصاعد بتونس.. فهل يتكرر سيناريو “ثورة الياسمين”؟
كتب جنيفر هولايس, في “DW”:
في أجواء سياسية محتقنة، خرج بعض شباب تونس إلى الشوارع للاحتجاج على حملات قمع المعارضين، وسط شعور بخيبة أمل وميل إلى العزوف عن المشاركة السياسية والرغبة في الهجرة. فهل باتت تونس أمام سيناريوهات شبيهة بعامي 2019 و2011.
فشلت الطالبة العشرينية التونسية مي العبيدي، في كتم غضبها قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول. فقد قررت مي الانضمام إلى تجمع “الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات”، الذي يضع تحت لوائه منظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية، حيث يرمي إلى تسليط الضوء على ما يعتبرونه حملات قمع يقوم بها الرئيس قيس سعيد.
وفي مظاهرة هي الأكبر منذ سنوات، وفق إعلام محلي، خرج الآلاف من الشباب إلى شوارع العاصمة تونس.
وخلال مشاركتها في مظاهرة الجمعة الماضية (13 سبتمبر/ايلول 2024)، قالت مي في مقابلة مع DW “لقد جئنا هنا للمطالبة بعرس انتخابي مثلما عشنا ذلك في 2019″، في إشارة إلى المظاهرات، التي خرجت آنذاك للمطالبة بالتغير بعد فشل تسع حكومات في معالجة المشاكل الاقتصادية والبطالة والفساد في البلاد.
في انتخابات عام 2019، فاز أستاذ القانون السابق والمرشح المستقل آنذاك قيس سعيد بالانتخابات بعد حصوله على أغلبية بلغت 72 بالمئة من الأصوات. وعقب فوزه، تعهد سعيد بمعالجة الفساد وإصلاح البلاد وتوفير مستقبل أفضل للشباب.
بيد أنه عقب خمس سنوات من وصوله إلى الحكم، تنامى غضب الشباب التونسي ضد رئيسهم. وفي ذلك، قالت مي “معظم الشباب الذين صوتوا لصالح سعيد في عام 2019 يشعرون الآن بخيبة أمل شديدة. لقد انتخبوا رجلا قال إنه يؤمن بالشباب، لكن في النهاية وضع الشباب في السجن”.
قمع المعارضة
وعقب عامين على انتخابه، شرع قيس سعيد في تعزيز قبضته على السلطة؛ إذ كانت البداية عام 2021 مع تفكيك معظم المؤسسات الديمقراطية في البلاد، وسجن صحافيين ومحامين ومعارضين سياسيين.
وأدانت منظمات حقوقية حملات القمع التي اعتبرتها بمثابة وسيلة من قيس سعيد لتأمين حصوله على ولاية ثانية خلال الانتخابات المقبلة.
فعلى سبيل المثال، جرى استبعاد 14 مرشحا من أصل 17 مرشحا رغبوا في خوض الغمار الانتخابي. وفي نهاية المطاف، قبلت الهيئة الانتخابية بترشح مرشحين اثنين فقط لمنافسة سعيد.
ومع ذلك، قضت محكمة جندوبة بسجن العياشي الزمال المترشح لانتخابات الرئاسية، لمدة عام وثمانية أشهر بتهمة “افتعال وثائق، وتدليس تزكيات شعبية” قبل نحو 3 أسابيع من الانتخابات.
ونقلت رويترز عن عبد الستار المسعودي محامي زمال قوله إن “الحكم سياسي وغير عادل، ويهدف لضرب حظوظه (موكله) في السباق الرئاسي”، مضيفا أن زامل، وهو أصغر المرشحين سنا، سيظل يترشح للرئاسة. وأضاف “لا شيء يمكن أن ينهي ترشحه إلا الموت”.
تزامن هذا مع بيان صدر عن حزب النهضة الذي يشكل أكبر أحزاب المعارضة، أشار إلى أن أكثر من 90 من أعضائه جرى اعتقالهم، معتبرا موجة الاعتقالات بكونها “غير مسبوقة” وتمثل “انتهاكا لأبسط الحقوق التي يكفلها القانون “.
العزوف عن المشاركة والرغبة في مغادرة البلاد
لم يتفاجأ الناشط السياسي وسيم حمادي بان الشباب بدأ يفكر في مغادرة البلاد مع تصاعد التوتر السياسي وتنامي حملات القمع وسط تردي الوضع الاقتصاد مع بلوغ معدل البطالة قرابة 39 بالمئة بين الشباب.
وفي مقابلة مع DW، قال حمادي إن “المناخ السياسي لا يشجع فقط على الهجرة، وإنما العزوف عن الشأن العام والمشاركة في الحياة السياسية والمدنية. أنه مناخ يطغى عليه الخوف والترهيب”.
ولطالما كانت تونس واحدة من أكبر نقاط انطلاق المهاجرين غير النظامين الذين يقصدون أوروبا، لكن الأمر لم يعد يقتصر على المهاجرين الأفارقة ممن يحلمون بالوصول إلى السواحل الإيطالية.
وبحسب بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد ارتفعت نسبة التونسيين الذين وصلوا إلى إيطاليا بين يناير/ كانون الثاني ويوليو /تموز الماضي إلى 13 بالمئة من 8 بالمئة في الفترة ذاتها العام الماضي، لكن على وقع اتفاق الهجرة بين تونس والاتحاد الأوروبي، انخفض عدد الوافدين بشكل إجمالا العام الجاري بنسبة 66 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.
ومع ذلك، أفاد أحدث استطلاع قامت به “منظمة الباروميتر العربي” في أغسطس/آب الماضي بأن الرغبة في مغادرة تونس باتت الأعلى على الإطلاق؛ إذ قال 46 بالمئة ممن اُستطلع آراؤهم إنهم يفكرون في مغادرة البلاد.
وفي مقابلة مع DW، قال مايكل روبينز، مدير المنظمة، إن “الشباب التونسي بات قلقا حيال الوضع الاقتصادي والفساد. إنهم يخشون في المقام الأول من التضخم ونقص الوظائف”.
الاحتجاجات في تونس.. سيناريو 2011؟
وإزاء ذلك، طرح مراقبون تساؤلات حيال هل ستزداد وتيرة المظاهرات لتصل إلى الاحتجاجات التي شهدتها تونس عامي 2011 و2019؟
وفي تعليقه، قال رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن العملية الانتخابية برمتها قد تصبح في موضع شك بسبب تجاهل حكم صدر من المحكمة الإدارية التي تعد أعلى هيئة قضائية.
وكانت الهيئة العليا للانتخابات قد رفضت تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بشأن طعون الترشيح. وقالت الهيئة إن القائمة النهائية لمرشحي الانتخابية تشمل العياشي زمال وزهير المغزاوي والرئيس الحالي قيس سعيد مع استبعاد ثلاثة مرشحين آخرين أمرت المحكمة الإدارية بإعادتهم للسباق الانتخابي.
وفي مقابلة مع DW، قال رمضان بن عمر إن الانتخابات المقبلة والنتيجة المتوقعة بفوز قيس سعيد يمكن الطعن فيها ليس فقط من قبل المتظاهرين وإنما أيضا من قبل المحكمة. وأضاف “يريدون إدخالنا في مسائل شكلية وتقنية بحتة. أعطت المحكمة الإدارية كلمة فصل وهذا يجعل المسار برمته مهدد بالنسف في أية لحظة”.