أبرزرأي

عودة اللاجئين السوريين: مسرحية هزلية

كتب غسان حجار في صحيفة “النهار”: رغم كل الجهود الرسمية المبذولة في ملف عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم، والعروض المبهرة التي ترافق عودة العشرات منهم، طوعاً وفق ما يريد المجتمع الدولي، فإن الحل يبدو بعيداً جداً، وتداعيات الملف شائكة الى حد كبير، وتهدد بانفجار أزمات متعددة، ديموغرافية، واجتماعية، واقتصادية.

المجتمع الدولي يضغط على لبنان لتنفيذ خطوات مكلفة يضعها في خانة حقوق الانسان. لكن هذه الحقوق لا تُطبَّق على المنادين بها في بلادهم، إذ إن التضامن والتكافل مع اللاجئين، يستدعي من الدول الغربية، وأيضاً العربية، أن تفتح لهم باب الهجرة، لضمان مستقبلهم الآمن والمُشرق في بلاد تدّعي احترام حقوق الانسان الاساسية، في العيش أولاً، وفي الحياة الحرة الكريمة ثانياً، وبظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية مقبولة، إن لم تكن جيدة. وهذه الأمور جميعها غير مضمونة للاجئين في لبنان، وايضا اذا عادوا الى بلادهم، لا لأسباب سياسية أو ضغوط من النظام السوري فقط، وانما لعدم توافر ظروف العيش في مناطق كثيرة خرّبتها الحروب. وبالتالي فإن عيشهم في لبنان يبقى أفضل لهم، وأكثر هناء وراحة، خصوصاً أن الفوضى العارمة في البلاد، لا تقيّدهم إلا في ما ندر. ومع هذا تصبح العودة الطوعية ضرباً من الخيال وتجرجر ذيولها كما نشاهد في حلقاتها المتسلسلة.

أرقام العائدين تدعو الى الخجل، وتدفع الى عدم إضاعة الوقت والجهد، إذ إن الأرقام أخيراً لم تبلغ الألف على دفعتين، حتى ان معبر المصنع شهد في المرة الاخيرة عودة عشرة لاجئين فقط، في ظل تأهب الوزارات المعنية واستنفار الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخصوصاً الأمن العام، على كل المعابر البقاعية والشمالية.

في عِلم الأرقام، تؤكد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسجيل 196,266 طفلاً سوريّاً من أبوين لاجئَين في مدة عشر سنين، أي منذ بدء الحرب السورية العام 2011 الى 2021. وهذا الرقم مقسًماً على عشر سنين، يفيد بأن الولادات السورية التي سُجلت في لبنان بلغت 19600 ولد كل سنة، بمعدل 1633 مولوداً كل شهر. مع العلم أن هذا الرقم الرسمي لا يشمل كثيرين من غير المسجلين، آباء وأبناء، وهم يقيمون بصورة غير شرعية، أو أولئك الذين يقيمون أصلاً في لبنان بشكل شرعي، ويسجلون أبناءهم مباشرة في السفارة السورية، من دون المرور بمفوضية شؤون اللاجئين، ما يجعل الرقم الحقيقي أكبر من العدد المعلن عنه. وعليه، فإن العائدين طوعاً وعلى دفعات، يبقى عددهم أقل من عدد الولادات في شهر واحد. بمعنى آخر ان عملية العودة على هذا النحو عبثية وفولكلورية، لأن الولادات الشهرية أكثر منهم، ولأنه في امكان المغادرين العودة ثانية الى لبنان، اذا لم تتوافر لهم المساعدات ومتطلبات العيش في بلدهم.

وإذا افترضنا ان لبنان (افتراضاً) غير مقصّر في معالجة هذا الملف، لناحية التواصل مع سوريا، والتفاهم مع المنظمات الدولية، فإن مستوى المعالجات وسرعتها، تبقى دون المطلوب لتوفير حل حقيقي. ولا يمكن انتظار الحلول الكبيرة، الاقليمية والدولية، لإطلاق عجلة العودة، اذ ثمة فارق كبير بين القضية الفلسطينية، واللاجئين السوريين.

وكان الأمن العام اللبناني أعلن في وقت سابق أن 70% من اللاجئين الى لبنان يؤيدون النظام السوري، ما يستدعي “إعادة”، لا “عودة”، فورية لهؤلاء، ولو اضطر لبنان الى اتخاذ اجراءات زجرية في هذا المجال، لأن الخطر المستقبلي أكبر بكثير من التغنّي بأواصر الأخوّة والتعاون.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى