رأي

علما الشعب: معاناة على كلّ الأصعدة وخوف من الحرب وما بعدها

كتبت إيفانا الخوري في “السياسة”

ما إن تبدأ السيارة بسلوك الطرقات المؤدية إلى قرى الشريط الحدودي حتى يعمّ الصمت والحذر، كلّ شيء يتغيّر في لحظة. 

تعيش القرى المتاخمة للحدود مع الأراضي المحتلّة حالة حرب حقيقية فيسود فيها الترقب الحذر معظم الأوقات إلّا في ساعات المناوشات المحتدمة التي ارتفعت وتيرتها مؤخرًا والتي لا يُعرف متى ستأخذ طابعًا أكثر عنفًا يحوّلها إلى حرب شاملة كبيرة. 

التنقل بين القرى الحدودية ممكن لكنه محفوف في المخاطر لأنّ أحدًا لا يمكنه توقع متى يتحوّل الهدوء إلى فترات صاخبة بأصوات القذائف. 

محطتنا كانت في علما الشعب حيث التقينا ميلاد عيد، رجل صامد في القرية التي بدأت تفرغ من سكانها على وقع التطورات العنيفة المتصاعدة. 

يقول لنا ميلاد عيد وصوت القذائف يقاطعه إنه لا يمكن توقع ما سيحصل فأحيانًا تكون الأمور هادئة ثمّ فجأة تشتعل وفي بعض اللّيالي ننام من دون سماع أي صوت وفي أخرى ترافقنا القذائف حتى الفجر. 

ولـ “السياسة” يؤكد: بالطبع نحن نخاف ونحن خائفون، سيما أننا لا نعرف أين سيقصف جيش العدو وأين تسقط القذائف، لافتًا إلى أنّ القصف طال خزان المياه الذي يغذي علما الشعب كما طال بعض المنازل.

خوف من الحرب وما بعدها

على خط النزوح، يبدو أنّ غالبية سكان هذه البلدة قرروا المغادرة تحسبًا لتطور الأوضاع أكثر سيما وأنّ منطقة الجنوب خصوصًا ولبنان عمومًا على فوهة بركان لا يُعرف متى ينفجر. 

وفي هذا السياق، يشير عيد إلى أنّ حوالي ٨٠٪ من أهالي علما الشعب قد نزحوا. وفي القرية ما بين ٧٠ إلى ١٠٠ شخص فقط مع العلم أنّ العدد يتأثر وفقًا لحجم التطورات الحدودية والوضع الأمني. 

غير أنّ انتقال أهالي البلدة إلى أخرى سيما هؤلاء الذين لديهم أطفال يشي بأزمة أخرى مستقبلًا غير الحرب وهو ما يوحي بأنّ علما الشعب قد تفرغ كثيرًا من سكانها في المدى الطويل. 

إذ يلفت عيد إلى أنّ الأهالي ولأنّ المدارس ما زالت مقفلة في الجنوب نظرًا للوضع قرروا النزوح إلى بيروت أو مناطق أخرى وهناك سجلوا أطفالهم في المدارس حتى يؤمنوا لهم حقهم بالتعليم وفرصة لمستقبل أفضل، لكنّ ذلك قد يعني أنّ الوضع في علما لن يعود إلى ما كان عليه بعد انتهاء الحرب. لأنّ حوالي ٢٠٪ من أهالي علما الشعب قد لا يعودون إلى البلدة، معقبًا: لذلك الخوف هو من الحرب وما بعدها. 

لا كهرباء والدولة منسحبة.. معاناة من نوع آخر تتصدى لها البدائل

يحتاج جميع من بقي صامدًا في منزله وأرضه إلى مقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء وغذاء وهو ما تفشل الدولة اللّبنانية في تأمينه نظرًا للإفلاس الحاصل والخزينة الخاوية. مع الإشارة إلى أنّ النازحين في المدارس يتذمرون أيضًا من مستوى الخدمات المقدمة والتي لا ترقى إلى حجم الحاجيات والمتطلبات الطبيعية. 

وحين تغيب الدولة تحلّ البدائل كما صار معروفًا حيث تتدخل الكنائس في علما الشعب وبعض الجمعيات لتأمين حصص غذائية وأكياس من الحبوب وسمك “التونة” والزيت أي الأساسيات، وفقًا لما يؤكده عيد. 

ويبدو فعليًا أنّ المبادرات الفردية وحدها تسمح لأهالي علما الشعب بالصمود في أرضهم فإلى جانب الحصص الغذائية يحتاج القاطنون هناك إلى الكهرباء. ووفقًا لعيد فقد بقي” أهالي البلدة من دون كهرباء ١٧ يومًا وبعد مناشدة وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض زودنا بالطاقة لأربعة أيام متتالية قبل أن تُقطع من جديد”، لافتًا إلى أنّ انقطاع الكهرباء يعني أنّ لا مياه. 

لكنّ الأهم يكمن في أنّ الخيرين والبلدية وبعض الجمعيات يحاولون تقديم ١٧ إلى ١٨ ساعة من الكهرباء عبر المولدات حتى يتمكن القاطنون من العيش في ظروف إنسانية عادية. 

أهالي علما الشعب خسروا البساتين.. نيران إسرائيل أكلت الأخضر

في الجولة على الأرض تبدو الخسائر فادحة على صعيد الأراضي الزراعية التي تعمّد العدو الإسرائيلي قصفها وإحراقها وقد تقدم لبنان الرسمي بشكوى أمام الأمم المتحدة في هذا الخصوص. لكنّ ذلك وحده لا يكفي لأنّ حجم الخسائر كبير وقد فقد أهالي علما الشعب مصدر دخل أساسي.

يقول لنا ميلاد عيد إنّ ٤٠ إلى ٥٠٪ من الأراضي الزراعية سيما في الجهة الشرقية والتي فيها أشجار من الأفوكا واللّوز والزيتون والحمضيات كلّها احترقت وصارت أرضًا جاردة.

لماذا نبقى؟

يبدو الصمود في منطقة محفوفة بالمخاطر إلى هذا الحدّ عملًا بطوليًا يحتاج الكثير من التضحيات سيما في ظلّ صعوبة تأمين الأساسيات ورفع الدولة اللّبنانية الراية البيضاء باكرًا في ما يخص تلبية حاجات الصامدين. فما الذي يدفع بشخص للبقاء في منزله ولمجاورة الاشتباكات والقذائف اليومية؟ 

يردّ ميلاد عيد بالقول: بالتأكيد نحن نعاني ونريد لصوتنا أن يصلّ، لكنّ جهودنا نحن والشباب الذين لم يغادروا تُثمر ونحن هنا حتى نخدم كبار السن الذين بقيوا والأهالي الذين صمدوا ولا يمكن أن نتركهم. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى