عام على مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة: ما العمل؟
كتب ناصيف حتي في “النهار”:
مرّ عام واسبوع على انعقاد #مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة (28 آب 2021) الذي استضافه #العراق. وشاركت في المؤتمر، الى الدولة المضيفة، تسع دول هي مصر، الاردن، قطر وفرنسا، على مستوى القادة، الكويت والامارات العربية على مستوى رؤساء الوزراء، والسعودية وايران وتركيا على مستوى وزراء الخارجية، الى جانب امناء المنظمات الاقليمية الثلاث المعنية. وللتذكير لعبت فرنسا، الدولة الوحيدة المشاركة من خارج الاقليم، دورا اساسيا بالتعاون مع الدولة المضيفة خصوصا في التحفيز لعقد هذا الموتمر .
كثر اعتبروا ان هذا المؤتمر يُفترض ان يشكل انطلاقة لمسار حواري تعاوني متعدد الطرف، ضمن صيغ وسرعات مختلفة بين اطرافه. مسار يؤسس في مرحلة لاحقة لانشاء مؤتمر للامن والتعاون في المنطقة، شبيه بمسار هلسنكي الذي انشىء خلال الحرب الباردة وضم طرفَي الصراع بغية تنظيم العلاقات في ما بينهما وادارة الخلافات واحتوائها، وهو المسار الذي نتج عنه مؤتمر الامن والتعاون في اوروبا. ومن نافل القول ان انشاء منتدى او مؤتمر من هذا النوع يبقى مفتوحا امام مشاركة دول اخرى ، وبشكل تدريجي، تحظى مشاركتها بالطبع بموافقة الدول الاعضاء .
وللتذكير أيضا، عكس انعقاد هذا المؤتمر الدور الذي كان العراق قد بدأ القيام به قبل المؤتمر واستمر بهذا الدور: دور المضيف للقاءات ايرانية مع اطراف عربية بشكل ثنائي والمسهل وجسر التواصل والحوار بين هذه الاطراف التي اتسمت علاقاتها سابقا بالتوتر أو القطيعة، وذلك بغية خفض التوتر بداية ثم تسهيل عملية تطبيع العلاقات بشكل تدريجي في ما بينها .
تشهد المنطقة اليوم جملة من التطورات تستدعي العودة الى “إحياء” اهداف هذا المؤتمر واعادة اطلاق مساره. من هذه التطورات مفاوضات ربع الساعة الاخير المستمرة في الملف النووي الذي يريد انقاذه الطرفان المعنيان بالمفاوضات، عبر الوسيط الاوروبي. هذه المفاوضات تلقي بظلها ايا تكن النتائج على احياء مسار بغداد، اذ ان هنالك حالة من الترقب التي تنتج عنها سيناريوات مختلفة.
من هذه التطورات ايضا الازمة في العراق التي هددت بحصول حرب اهلية جرى تفاديها من خلال وجود توافق حد ادنى بين الاطراف المؤثرة بالشأن العراقي حول مخاطر انفجار الوضع على مصالح الجميع في الداخل والخارج، وبالتالي على ضرورة العمل للتوصل الى تسوية سياسية سلمية للازمة الداخلية. والجدير بالذكر ان البعض تحدث عن مخاوف من “لبننة” الصراع في العراق والبعض الآخر تحدث عن ضرورة “لبننة” الحل.
من هذه التطورات ايضا تعزيز عملية تطبيع العلاقات التركية، ولو بدرجات مختلفة، مع الاطراف العربية التي كانت على خلاف معها، الامر الذي يفتح الباب لمزيد من التعاون المتعدد البُعد والهدف. كما يظهر ازدياد الاهتمام بالتوصل الى تسوية سياسية سلمية للازمة المنهكة والمكلفة للجميع في اليمن، وخصوصا لأهله. الازمة السورية ايضا اخذت تشهد تغيّرات في ما يتعلق بمواقف عدد من الاطراف الاقليمية المعنية: تغيرات بأحجام وسرعات مختلفة .
خلاصة الامر ان المنطقة تشهد سيولة سياسية كبيرة وان هنالك ازديادا للتداخل والترابط بين مختلف ازمات المنطقة، ليس في مسبباتها الاساسية ولكن في مسارها وتطورها وتأثيرها وتأثرها في ما بينها .
اضف الى ذلك تداعيات الازمة الاوكرانية بحروبها المختلفة على المنطقة، سواء في مجال الغذاء او الطاقة او التوترات بين الاطراف الدولية المؤثرة في المنطقة. كلها عناصر تستدعي اعادة احياء مسار بغداد الذي توقف بعد انطلاقه من خلال التحضير لعقد الاجتماع الثاني لمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة ودعوة اطراف عربية ودولية لم تشارك من قبل للمشاركة في المؤتمر المقبل. مؤتمر يعمل على بلورة مجموعة مبادىء وقواعد ناظمة لمسار بغداد الذي يجب ان ينطلق من الاجتماع المقبل. مسار يتضمن أشكالا ومستويات مختلفة من اللقاءات الدورية بين اطرافه لبلورة آليات لاحتواء الخلافات وتسويتها على قاعدة احترام المبادىء والقواعد الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول وتنظمها. مسار يفترض ان يؤدي الى انشاء منتدى (مؤتمر) للامن والتعاون في المنطقة. يستدعي ذلك كله بالطبع العمل الجاد من كافة الاطراف المؤثرة، على تسوية الازمة الراهنة في العراق، ليعود الى ممارسة الدور المطلوب منه في هذا المجال.