رأي

المانيفيستو الانتخابي للمعارضة التركية: كفى!

كتبت رانا أبي جمعة ل”لميادين نت” المقال التالي:

“كفى! الكلمة للأمة”. بهذه الكلمات المعدودات، خاض الحزب الديمقراطي بزعامة جلال بايار وعدنان مندريس الانتخابات النيابية في مطلع خمسينيات القرن الماضي معلناً الفوز، ومنهياً حقبة حكم الحزب الواحد، الذي كان آنذاك حزب الشعب الجمهوري، الذي امتد حكمه لنحو 3 عقود من الزمن (27 عاماً) منذ إعلان الجمهورية التركية عام 1923.

عاد ذلك الفوز إلى الواجهة اليوم مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تقريب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 14 أيار/مايو المقبل، وهو اليوم الذي حصل فيه الحزب الديمقراطي، وفق القانون الأكثري، على 416 نائباً، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على 69 نائباً فقط.

 لم يأتِ تحديد التاريخ اعتباطياً، فقد أريد له أن يكون دعاية انتخابية رمزية من شأنها أن تخدم الرئيس إردوغان وحزبه، وهو الذي قال صراحة: “سنقول كفى مرة أخرى، كما قالها الرئيس الراحل عدنان مندريس قبل 73 عاماً”. 

وفي معرض تصوير الانتخابات كأنها مسألة وجودية، وهي ليست كذلك بطبيعة الحال، على الرغم من أهميتها، تُشهر الكف المرفوعة الممثلة بـ”كفى” في الجهة المقابلة، أي المعارضة. 

اليوم، وبعد طول انتظار، خرجت خريطة الطّريق لـ”طاولة الستّة” (المؤلفة من حزب الشعب الجمهوري، والجيد، والديمقراطية والتقدم، والمستقبل، والسعادة، والديمقراطي) إلى العلن. مذكّرة التفاهم للسياسات المشتركة كانت آخر ما أعلنته المعارضة. وقد يصلح وصفها بالشاملة، إذ إنها تتطرق إلى النظام السياسي والقضاء والاقتصاد والدفاع والأمن والسياسات الخارجية والهجرة. 

في نظرة سريعة إلى نقاط المذكرة الـ2300 (وهي بمنزلة أهداف ومشاريع وسياسات صيغت في كتاب من 244 صفحة)، يتضح الرفض القاطع لإدارة البلاد وفق المرحلة السابقة، ونتلمس التالي: 

–         كفى لنظام الرجل الواحد الّذي ترسّخ مع دخول النظام الرئاسي حيز التنفيذ عام 2018! ونعم لنظام برلماني معزز للوصول إلى نظام قوي ليبرالي وديمقراطي عادل، حيث الفصل بين السلطات: “هيئة تشريعية فعالة وتشاركية، وسلطة تنفيذية مستقرة وشفافة وخاضعة للمساءلة، وقضاء مستقل وحيادي”. (ص 13) 

–         كفى ولايات متتالية! ونعم لرئيس ينتخب 7 سنوات فقط، على أن يكون رئيساً للأمة بأكملها، وليس رئيساً لحزب سياسي، مع وعد بإعادة مقر الرئاسة إلى قصر تشانكايا في العاصمة أنقرة، وفتح جميع القصور الرئاسية أمام المواطنين، وتقليل عدد الطائرات الرئاسية، عبر بيعها وشراء أخرى جديدة ضمن أسطول طائرات مكافحة الحرائق! (ص:14، 18، 30، 79). 

–         كفى حظراً للأحزاب السياسية بعيداً من موافقة البرلمان! ونعم لخفض العتبة الانتخابية إلى 3% لضمان تمثيل أوسع للجمهور! (ص 14).

–         كفى للفساد! ونعم لهيئة تحقيق في البرلمان! (ص: 16) نعم لخفض التضخم في مدة لا تتجاوز عامين، ولإعادة الهيبة والاستقرار إلى الليرة التركية! (ص: 17).

–         كفى لمواصلة مشروع قناة إسطنبول المثير للجدل بالنسبة إلى المعارضة، على أن يتم تحويل موارده لمصلحة مشاريع الري الزراعية في جنوب شرق الأناضول وشرق الأناضول وسهل قونية وشرق البحر الأسود! (ص: 18، 25). 

–         كفى قمعاً للصحافة وحقوق الإنسان! ونعم للكفاح الاجتماعي لمنع العنف ضد المرأة! (ص: 37).

–         كفى للتدخلات والتوجهات الأيديولوجية في السياسات الخارجية! ونعم لشعار “السلام في الوطن، السلام في العالم”، حيث الانحياز إلى اجتراح حلول لا أزمات، مع احترام استقلال أراضي دول الشرق الأوسط وسيادتها ووحدتها! (ص: 39، 40).

–         كفى للمناكفات مع الدول الأوروبية! ونعم للعمل على استكمال عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في إطار الحوار والعدالة والمساواة! ونعم لمواصلة المساهمة في حلف شمال الأطلسي على أساس عقلاني ووفق المصلحة الوطنية! (ص: 39، 40).

–         كفى منحاً للجنسية التركية في مقابل المال! ونعم لمراجعة اتفاقيات اللاجئين لعامي 2014 و2016، ولعودة السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة إلى بلدهم في أقرب وقت ممكن، وإلى مكان آمن! (ص: 39، 42).

بعد الاطلاع على “مذكرة التفاهم” التي يمكن وضعها في مواجهة “رؤية قرن تركيا” التي أطلقها الرئيس إردوغان في احتفالية حاشدة كخطّة طريق للأعوام المئة المقبلة (29 تشرين الأول/أكتوبر 2022)، يبقى أن ننتظر تسمية مرشح المعارضة للرئاسة في 13 شباط/فبراير، لعلّه يوضح آليات تنفيذ النقاط المذكورة والواعدة، فإصلاح ما تم إفساده على مدار 20 عاماً، بحسب زعم المعارضة، لم يعد على مستوى القيادة، إنما وصل إلى الكوادر العاملة في المؤسَّسات كافة. 

أما السؤال المطروح اليوم في حال خسارة الرئيس إردوغان الانتخابات: كيف سيتم الشروع في إصلاح ما فسد من أعلى الهرم إلى أسفله!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي “رأي سياسي ” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصراً

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى