طاولة مفاوضات على ركام غزة
كتب مرزوق الحربي, في “الأنباء” :
طاولة مستطيلة وعلى طرفيها كرسيان وخلفها ركام مباني غزة المهدمة وخلف الطاولة العشرات من عناصر حماس. هذا المشهد البسيط لطاولة المفاوضات التي أقامتها حماس للتفاوض حول إطلاق الأسرى ربما يكون المشهد بسيطا جدا ولكنه يحمل دلالات عميقة ومؤثرة، فها هي حماس تلزم العدو الصهيوني ممثلة بالصليب الأحمر على الجلوس للتفاوض وإطلاق أسراه بطريقة قانونية ووفق شروطها والتعامل بعملية إطلاق الأسرى وفق ما تريده حماس وما تمليه.. جلست حماس ممثلة عن الفصائل الفلسطينية كلاعب أساسي في العملية التفاوضية ولم تكن لاعبا ثانويا كما كان ينظر لها سابقا.
يقابل ذلك وعلى مدى سنوات طويلة مؤتمرات تقام بفنادق وقصور وتمتلئ القاعات بالديبلوماسيين وتهدف لنصرة القضية الفلسطينية وتلقى الكلمات والبيانات وينتهي المؤتمر ببيان شجب واستنكار وتنديد وتهديد شديد اللهجة والمطالبة باللجوء للأمم المتحدة.. لقطة مكررة لهذا المشهد عشناها على مدى عشرات السنين لم تحرر شبرا واحدا من أرض فلسطين.
«حماس» طبقت مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» ومقولة: «النصر صبر ساعة»، وأدركت ان المعركة مكانها ساحات المعارك وليس قاعات المؤتمرات فأعدت لها عدتها وجهزت لها جهازها واليوم تقطف بعض ثمار ذلك. ما نراه اليوم لم يبدأ من طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 وما نشاهده اليوم هو قصة انطلقت مع انطلاقة حركة حماس في عام 1987 مع الانتفاضة الأولى والتي سميت حينها بانتفاضة أطفال الحجارة، كان جنود الانتفاضة أطفال فلسطين وسلاحهم الحجارة ومع انها سميت بأطفال الحجارة لغلبة استخدام الحجارة من الأطفال إلا ان هناك جهود ثورية وديبلوماسية وضغط شعبي رافق الانتفاضة وانتهت بالاعتراف الصهيوني – الأميركي بالحق الفلسطيني.
أطفال الحجارة من حماس الذين عاشوا طفولتهم وصباهم ونضجهم في معارك مع العدو الصهيوني عبر الحركات الاحتجاجية والعمليات الجهادية وسجون الاحتلال أصبحوا اليوم قادتها، والحجارة تحولت إلى صواريخ وقاذفات تصل لعمق تل أبيب. اليوم تجلس حماس على طاولة المفاوضات وتفرض شروطها.. اليوم حماس انتصرت بالمعركة وتدرك تماما أن الطريق الذي اتخذته طويل ومؤلم وتكلفته عالية ولكنه بالنهاية هو طريق تحقيق الهدف والوصول للغاية الكبرى وهي تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر وهذا ما أعلنته مرارا وتكرارا عبر بياناتها وعبر ناطقها الرسمي أبوعبيدة.
مشهد انتصارات غزة المتتالية والتي نشاهدها كل يوم يقابلها حالة انهزامية وصدمة داخل المجتمع الصهيوني من قوة الحاضنة الشعبية الغزاوية والتي لازالت تهتف باسم حماس، ومن قوة حماس التي خرجت من الأنفاق بكامل عدتها وعتادها وبالروح التفاؤلية التي تعلو وجوه الناس وهم يرجعون لشمال غزة، وبدخول المساعدات، وبالعمل على إزالة الأنقاض.
نعم هناك خسائر بشرية من شهداء وجرحى وتدمير للبنية التحتية وتهجير، ولهذا المشهد أمثلة عديد في ديننا وتاريخنا الإسلامي، فعندما تعرّض الصحابة للهزيمة في غزوة أُحد، أنزل الله فيهم قرآن، حيث قال: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما)، والعدو الصهيوني يتألم اليوم من الخسائر البشرية والمادية ولو لم يتألم لما لجأ للمفاوضات، ولكننا نرجو من الله ما لا يرجوه الصهاينة.
ولا يوجد في المعارك رابح وخاسر والكل في الحرب يعتبر خاسرا بدرجة معينة.. ولكن الفرق بيننا وبين العدو الصهيوني أن قتلانا في الجنة بإذن الله وقتلاهم بالنار.