“صيد في الماء العكر”.. كيف تستغل روسيا حرق القرآن في السويد؟
بأنامله يتفحص الناشط السويدي من أصول ليبية، حسام القماطي، هاتفه الذكي حيث ظهر له منشور طويل باللغة العربية حمل صاحبه اسم “محمد أحمد علي”. وفي ذلك، قال حسام “ينشر الحساب صوراً مضحكة ومنشورات تشجع على الغزو الروسي لأوكرانيا. إنه ليس الوحيد؛ إذ أن هناك العديد من الحسابات المماثلة”.
وفي مستهل حديثه مع DW، أخرج حسام صورة منشورة على حساب آخر تحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يقبل القرآن بالتزامن مع انتقاده حوادث حرق المصحف في السويد. وأضاف حسام: “هذه الصورة تعكس كل شيء حيث رافقها منشور كُتب عليه: “(هذا هو السبب في أننا كمسلمين ندعم موسكو)”، مؤكداً أن مثل هذه الرسائل “تؤثر في الرأي العام. ومن هنا فإن الأمر خطير ولا بد من التوقف عنده”.
رجل في قلب العاصفة
يرى حسام، وهو مستثمر في ستوكهولم، أنه يتعين على الحكومة السويدية الامتناع عن إصدار تصاريح لتنظيم مظاهرات يتخللها حرق للكتب المقدسة، مشيراً إلى أنه حضر حوادث تم خلالها حرق القرآن من أجل مناقشة الأمر للحد من حالة الغضب.
وأعرب حسام، الذي يصف نفسه بكونه مسلماً غير متدين، عن بالغ قلقه إزاء مغبة استغلال الروس والمتطرفين الإسلامويين واليمينيين المتطرفين من حوادث حرق القران بهدف إثارة الغضب وحتى العنف ضد السويد في بلدان العالم الإسلامي. ويخشى ألا تتوقف حالة الغضب على البلدان المسلمة بل تمتد إلى أبناء الجالية المسلمة في أوروبا، وتابع محذراً: “إنهم يستغلون هذه الأحداث لأنه بدونها لا يمكنهم دفع الناس إلى تفجير أنفسهم وسط الجموع في أوروبا”.
وإزاء ذلك، يدق مراقبون وأصوات داخل الحكومة السويدية ناقوس الخطر إزاء تزايد التهديدات الأمنية التي تواجها البلاد ومخاطر الدعاية الروسية. ويقول الخبير في وكالة الدفاع النفسي التابعة لوزارة الدفاع السويدية، ميكائيل أوستلوند: “لقد رأينا لأول مرة قيام روسيا باستخدام سرديات تركز على تصدير صورة زائفة عن السويد تصفها بكونها مناهضة للإسلام”.
وأضاف “الروس يكررون نفس السرديات التي نرصدها في بيئات ذات تطرف إسلاموي حيث يستخدمونها في قنواتهم الإعلامية الخاضعة لسيطرة الحكومة مثل قناة ‘روسيا اليوم’ وووكالة ‘سبوتنيك’ في مخاطبة الناطقين باللغة العربية”.
أسلوب الدعاية الروسية
وشدد أوستلوند على أن استغلال روسيا لحوادث حرق القرآن ليس وليد اللحظة، قائلاً: “في الماضي، أثارت وسائل إعلام خاضعة لسيطرة الكرملين شائعات زعمت أن عناصر الخدمات الاجتماعية السويدية تختطف أطفال مسلمين بشكل منهجي وتحاول دفعهم إلى اعتناق الديانة المسيحية”. وأضاف “هذه كانت أكبر حملة تضليل تتسم بالخبث ضد السويد على الإطلاق حيث وصلت إلى مئات الملايين من رواد منصات التواصل الاجتماعي”.
وفق مركز بيو للدراسات فإن المسلمين يشكلون نحو 8٪ من تعداد سكان السويد.
وقال ميكائيل أوستلوند إن هذا الأمر “يمثل تهديداً لوحدة المجتمع خاصة إذ اعتقد الناس أنه لا يمكنهم الحصول على مساعدات من السلطات، لكن سوف تنتصر الحقيقة في نهاية المطاف عندما يكون يجري نقاش حر، لكن ليس لدينا نقاش حر في الوقت الحالي. المتطرفون الإسلامويون يحاولون لي عنق الحقائق وتحويلها إلى أكاذيب للترويج لأجندتهم بين الناس”.
الجدير بالذكر أن حكومة السويد قد قالت إن وقائع حرق المصاحف في الآونة الأخيرة زادت من التهديدات التي تحدق بالبلاد مع تشديد ضوابط حرس الحدود بما يمنح الشرطة سلطة أوسع لاعتراض طريق أفراد وتفتيشهم. ويمنح قانون جديد، دخل حيز التنفيذ مع بداية أغسطس/ آب، الشرطة سلطات واسعة لإجراء عمليات تفتيش عند حدود البلاد وعلى مقربة منها تشمل التفتيش الجسدي وتعزيز المراقبة الإلكترونية، فيما قال وزير العدل السويدي، جونار سترومر، في مؤتمر صحفي: “الضوابط على الحدود هي إجراء يتيح لنا تحديد هوية القادمين إلى السويد الذين قد يمثلون تهديداً للأمن”.
ويُتوقع أن تمنح السلطات السويدية الشرطة تدابير أوسع لرفض تنظيم “فعاليات ومظاهرات عامة” قد يتم فيها تدنيس الرموز الدينية.
وفي مقابلة مع DW، قال وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم إن القرارات الأخيرة تأتي في إطار “إدراكنا للتهديد الأمني المتزايد نتيجة حرق القرآن”.
ويسعى الوزير السويدي في الوقت الحالي إلى دحض “أحد أكبر أشكال سوء الفهم” المتعلقة بالقانون السويدي، وعلى رأسها الزعم بأن الشرطة تسمح بحرق الكتب المقدسة. وفي ذلك، قال إن الشرطة “تمنح فقط إذن تنظيم المظاهرات. سوف أستمر في توضيح هذا الأمر لأنه يتعين علينا القضاء على حالة سوء الفهم حيال القوانين والتشريعات السويدية“.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين السويد وعدد من دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي توتراً في الأسابيع الماضية بعدما منحت الشرطة التصاريح بتنظيم فعاليات يتخللها تدنيس القرآن.
استراحة من التحريض
وخلال الأسبوع الماضي، حصلت الحكومة السويدية على فترة راحة بعض الشيء من حوادث حرق المصحف بعد أن سحب ناشط مناهض للإسلام طلبه بتنظيم فعالية عامة حيث كان من المتوقع أن يحرق القرآن مرة أخرى.
ولم يتسبب ما أقدم عليه اللاجئ العراقي سلوان موميكا من تدنيس للمصحف في حدوث فوضى وسط مدينة ستوكهولم فحسب، بل أثار أيضاً حوادث عنف ضد المصالح السويدية في الخارج بما في ذلك إضرام النار في السفارة السويدية في بغداد الشهر الماضي وطرد السفير السويدي وتعليق ترخيص عمل شركة “إريكسون” السويدية للاتصالات في البلاد.
ورغم حالة الغضب، إلا أن سيدة حاولت تنظيم مظاهرة صغيرة مناهضة للإسلام لم يحضرها أحد سوى عدد قليل من عناصر الشرطة واثنين من الصحفيين والناشط السياسي حسام القماطي الذي قام بإثارة الحديث معها حول سبب رغبتها في حرق القران.
وفي مقابلة مع DW، أضاف حسام “لقد أخبرتها أن ما سوف تفعله الآن يأتي في إطار خطاب كراهية وليس من قبيل حرية تعبير!”
وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أجرته هيئة الإذاعة العامة السويدية SVT أن غالبية المواطنين أشاروا إلى أنهم على استعداد للوصول الى حل توافقي حيال مفهوم حرية التعبير، فيما قال 53٪ من السكان إنه يجب تجريم حرق أي نص ديني.
المصدر: DW.