كتب د. محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج.
انعكست أجواء الحماس والتفاؤل غير المسبوق التي سادت جلسات المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأمريكي الذي عقد في شيكاغو 19- 22 أغسطس/آب الجاري، على الحملة الانتخابية المستعرة بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس (59 عاماً) ومرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب (83 عاماً).
وقد عبر هذا الحماس عن نفسه مباشرة في نجاح حملة هاريس في جمع 540 مليون دولار تبرعات مالية على نحو ما أكدته مديرة الحملة جين أومالي ديلون في بيان قبل خطاب هاريس في ختام أعمال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي 22 أغسطس، بقولها: «تجاوزنا رسمياً مبلغ 500 مليون دولار»، كما أكدت أيضاً أن «المجموع يبلغ حالياً 540 مليون دولار»، لافتة إلى أنه رقم غير مسبوق في أي حملة في التاريخ الأمريكي.
انعكاسات تلك الأجواء لم تتوقف عند حدود ضخامة التبرعات التي حصلت وتحصل عليها حملة هاريس، بل امتدت أيضاً إلى استطلاعات الرأي العام وسط مؤشرات تكشف عن تقدم هاريس بسبع نقاط مئوية على منافسها الجمهوري دونالد ترامب (على المستوى الوطني)، وثلاث نقاط (على مستوى ولاية نورث كارولينا التي أجري فيها ذلك الاستطلاع).
هذا الزخم السريع الذي اكتسبته كامالا هاريس وما يمثله من تهديد قوي لفرص دونالد ترامب في الفوز بالانتخابات المقبلة، أخذ يُظهر انعكاسات مختلفة في اهتزاز الثقة لدى ترامب، على نحو ما جرى الكشف عنه من تردد لديه بشأن المناظرة التي عليه أن يخوضها أمام كامالا هاريس يوم العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل عبر شبكة «إيه بي سي»، كما هو متفق عليه بين الحملتين، فقد أخذ ترامب يصف هذه المناظرة بأنها «مقابلة سخيفة ومنحازة»، وتساءل قائلاً: «لماذا أقوم بالمناظرة ضد كامالا هاريس على هذه الشبكة؟».
ما يُظهر الثقة المتزايدة عند حملة مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، ما نشره مساعدها براين فالون على وسائل التواصل الاجتماعي، مفاده بأن ترامب «يجب أن يحترم التزامه» بالظهور في المناظرة، واستشهد بتقرير لموقع «بوليتيكو» بأن الحملتين وصلتا إلى طريق مسدود في شأن ما إذا كان يجب كتم الميكروفونات عندما لا يأخذ المرشحون أدوراهم في الكلام، موضحاً أن حملة هاريس تريد بقاء الميكروفونات في وضع التشغيل، بينما تريد حملة ترامب وقف تشغيلها، وقال فالون: «هاريس مستعدة لمناظرة ترامب مباشرة ودون رقابة».
هذا التقدم الذي أخذت تظهره حملة كامالا هاريس لا يعني الضمان الكامل لفوزها بالانتخابات في ظل محدد أساسي يحكم هذه الانتخابات التي تبين أنها تعتمد بصفة أساسية على تأسيس وتكتيل التحالفات المختلفة داخل المجتمع الأمريكي، والبروز القوي والمؤثر لتلك التحالفات على التصويت الانتخابي، مثل تحالف السود الأمريكيين، وتحالف اليهود، وظهور تحالف عربي ـ إسلامي قوي للمرة الأولى في مواجهته، ثم التحالفات الطبقية على أرضية السياسات الاقتصادية بين من يعول على الأغنياء (ترامب)، ومن يعول على الطبقة المتوسطة (هاريس).
من الواضح أن كلاً من المتنافسين ترامب وهاريس، يسعى جاهداً للحصول على دعم كتلة تصويت السود الأمريكيين في ظل مؤشرات كشفت عن تراجع في الدعم التقليدي لـ«تحالف الأمريكيين السود» للحزب الديمقراطي في ظل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن وحملته الانتخابية، ما حفز دونالد ترامب على انتهاز الفرصة لكسب دعم هذا التحالف لصالحه بتشكيل ما سمي «تحالف الأمريكيين السود من أجل ترامب».
لكن كامالا هاريس أخذت تركز على استعادة ثقة تحالف الأمريكيين السود بالحزب الديمقراطي، كما كان في السابق، وحالياً يزداد التنافس بين المرشحين على كسب دعم هذا التحالف، على النحو ذاته تسعى هاريس إلى كسب دعم الجمهوريين الرافضين لترشيح دونالد ترامب باسم الحزب الجمهوري، وشكّلت حملتها تحالفاً جديداً باسم «جمهوريون من أجل هاريس» في مسعى لكسب الناخبين الجمهوريين الرافضين لسياسات ترامب الذين دعموا منافسته السابقة نيكي هايلي.
تركز حملة هاريس بهذا الخصوص على ولايات أريزونا ونورث كارولينا وبنسلفانيا، وتحرص على التركيز على أولوية موضوع الوظائف والتشغيل في ما يعرف بـ«ولايات الصدأ» الثلاث: ميتشجان وبنسلفانيا ويسكونسن الصناعية التي تحمل مفتاح الوصول إلى البيت الأبيض بدلاً من الحديث عن الأسلحة.
هناك تحالف آخر أكثر أهمية يمكن تسميته بـ«التحالف الطبقي»، أي من الطبقات التي تستهدفها كل حملة من حملتي هاريس وترامب، وكذلك أي من السياسات الاقتصادية ستكون لها الأولوية في حالة فوز أي من المرشحين؛ حيث تركز أجندة هاريس على وضع الطبقة المتوسطة في المقام الأول بعكس أجندة ترامب التي تعوّل على الأغنياء والأثرياء، وتبني السياسات الاقتصادية التي تخدم مصالحهم أكثر من مصالح الآخرين.
ولعل هذا ما يفسر دوافعه للتقرب من كبار الأثرياء مثل إيلون ماسك الذي أعلن ترامب عزمه على ترشيحه في منصب وزاري يخدم إدارته، إذا ما حقق الفوز في السباق إلى البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
إضافة إلى هذه التحالفات، ظهرت مواجهة جديدة بين تحالف اليهود وتحالف العرب والمسلمين، ففي الوقت الذي يسعى فيه ترامب لإطلاق «تحالف أصوات اليهود من أجل ترامب»، برز الصوت الإسلامي وبقوة، للمرة الأولى، مقابل الصوت اليهودي كصوت مؤثر في بعض الولايات الحاسمة انتخابياً متحالفين مع الناخبين من أصل إفريقي ولاتيني.
ولا شك أن صراع هذه التحالفات وانحيازاتها الانتخابية في المرحلة الأخرى، ستلعب الدور الأهم في حسم نتيجة معركة الانتخابات، وتحدد هوية الفائز فيها.