شكراً جنوب إفريقيا
كتب عامر طهبوب في صحيفة الدستور:
ما الذي أتى به إلى المنطقة، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي المصغر أنتوني بلينكن؟ ما جديده غير إعادة تسويق إسرائيل في المحيط العربي، والعمل على زيادة إدماجها، وكأن المشكلة الأساسية في الصراع هو عدم اندماج إسرائيل، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي قتل نحو ثلاثين ألفاً في قطاع غزة حتى الآن، ودمر كل غزة، وجرف زيتونها، وطرقها، ومقابرها، ومساجدها، ومدارسها، وحرق بيوتها، وكل مظاهر الحياة فيها، وكل مقومات البقاء، وعلى الرغم من أن غزة تعاني من كارثة مجاعة، وعطش، وانعدام مأوى آمن، إلا أن بلينكن يرى أن إسرائيل لا ترتكب مجازر ضد الإنسانية في غزة، وأن اتهامها بارتكاب إبادة جماعية، لا أساس له، وهو لا يعزي إلا وائل الدحدوح، وكأن أسرة «أبو حمزة»، هي الوحيدة التي أصابها القصف.
لا جديد في الولايات المتحدة؛ نبيذ حديث الصنع، في قارورة قديمة، لا شئ سوى أنها فقدت بالكامل كل مصداقيتها، وكل إنسانيتها، وكل أخلاقها، وأصبح تمثال الحرية رمزاً لاضطهاد الشعوب المستضعفة، وعنواناً للكذب والغطرسة، ومن المؤسف أن يتم الحديث عن غزة، وكأنها منطقة لاستثمار من يرغب في استثمار أمواله، ومن يرغب في توسيع نفوذه، وكأن إعادة إعمار غزة هي المشكلة، لكن لا أحد ينظر إلى مشهد تساقط المئات من الأطفال والنساء بفعل قصف الطائرات، وبكل وقاحة يتم الحديث عن خفض التصعيد، وبذل كل جهد ممكن لتجنب استهداف المدنيين، كأن مائة قتيل وقتيلة في اليوم، أكثر مناسبة في حرب مسعورة مجنونة كهذه من خمسمائة.
اليوم تمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، واليوم تبدأ مجابهة جنوب إفريقيا للكيان المحتل في فلسطين، لمساءلته ومحاكمته على مجازر الحرب والإبادة في غزة، وتحمل جنوب إفريقيا من الدلائل، والمستندات، والسرديات، والصور، ما يكفي لاتهام إسرائيل، والدعوى صلبة وقوية، ويلتف حولها محامون من دول مختلفة، وإذا تمت الإدانة، فإن الخزي والعار سيصيب واشنطن كما ينال من إسرائيل وقادتها العسكريين والسياسيين، ووجب الشكر لجنوب إفريقيا، الصديقة الوفية، وشقيقة الحرية السمراء، وشريكة النضال، والكفاح في معارك الاستبداد، والفصل العنصري، والعبودية، والحرية، والانعتاق من قيد المحتل؛ شكراً جنوب إفريقيا.