شظايا الحرب تجرح الشيكل وتؤلم اقتصاد إسرائيل.
هجوم حركة “حماس” المفاجئ الذي سرعان ما تدهور إلى حرب خطرة، لم تمس هيبة المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية وتلحق الضرر الكبير بها فحسب، بل خلفت أضراراً بالغة في الاقتصاد الإسرائيلي الذي كان يعاني أصلاً انهياراً نتيجة خطة “الإصلاح القضائي” وهرب المستثمرين إلى الخارج.
ضرب الهجوم الفلسطيني منطقة تعتبر مركزاً لأهم المصانع والشركات الاقتصادية التي لم تستعد بالمطلق لأي حال طوارئ بل فتحت أبوابها لوضعية ازدهار في أعقاب تقييمات الأجهزة الأمنية بأن جبهة غزة هادئة، فيما الخطر لتصعيد أمني أكثر في الشمال تجاه لبنان، وهو وضع استدعى انتقال عدد من الشركات والمقاولات والعمال إلى الجنوب لضمان العمل في منطقة مستقرة في حال اندلعت الحرب مع لبنان.
في اليوم الرابع من الحرب لم يتمكن أي مسؤول أو خبير عسكري من تقدير مدى الأضرار الاقتصادية لهذه الحرب في الجنوب بل في مجمل مناطق إسرائيل، بعد الإعلان عن حال الطوارئ في كل البلاد.
لكن المؤشرات خلال هذه الأيام تتحدث عن انهيار الشيكل الإسرائيلي مقابل العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الذي لم يصل منذ أعوام طويلة إلى هذا الارتفاع، بما يعطي صورة أولية عن مدى الانهيار الذي تشهده إسرائيل.
وواصل الشيكل مسار الهبوط الحاد أمام الدولار الأميركي بـ2.5 في المئة وتجاوز سعر الصرف 3.95 شيكل للدولار، على رغم تدخل البنك المركزي الإسرائيلي الذي دعم سوق الصرف بضخ 30 مليار دولار بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، لكن من دون جدوى، في وقت ادعى مسؤولون بالبنك أن الأمر يتطلب أياماً ليعكس مدى فاعلية خطة كهذه في سوق الصرف.
وقال رئيس قسم الأسواق في بنك إسرائيل غولان بينيتا إنه “وفق ما تبين من خلال تعامل الأسواق الخارجية وصل سعر صرف الدولار إلى 4.3 شيكل للدولار وهو أمر يؤكد ضرورة زيادة الاهتمام بالسوق المحلية بغية التخفيف، قدر الإمكان، من الوضع الذي من المتوقع أن يزداد سوءاً بسبب تدهور الأوضاع وينعكس بشكل كبير داخلياً”.
ونقلت صحيفة “غلوبوس” الاقتصادية عن الرئيس التنفيذي لمجموعة “بريكو” يوسي فريمان قوله إن الوضع سيدفع الشيكل إلى مزيد من الانخفاض مع تدهور الوضع الأمني في مقابل رفع الدولار واليورو.
وأضاف فريمان أنه “إزاء وضع كهذا على بنك إسرائيل عدم الاكتفاء بالمبلغ الذي ضخ في السوق المحلية، بل عليه أن يضخ مزيداً من المال في الأقل لحين استقرار سعر الصرف أمام الدولار الذي سيشهد تراجعاً قوياً وسريعاً، وفق ما يتبين من الأوضاع التي تشهدها إسرائيل”.
وأوضحت الصحيفة أنه “إضافة إلى الأضرار التي لحقت بموازنة إسرائيل، لا تتفاعل الأسواق عموماً بشكل إيجابي مع الحرب، وحتى الآن هناك قلق من أن الاقتصاد سينهار وأن بورصة تل أبيب ستنخفض قيمتها، ومن المتوقع أن تعكس أسواق رأس المال والدولار خلال الأيام المقبلة الزيادة في مستوى الأخطار على الاقتصاد الإسرائيلي”.
زيادة العجز
في سياق متصل، يقول كبير الاقتصاديين في بنك “مزراحي” رونين مناحيم إن خطورة الوضع تلحق الضرر الكبير بالاقتصاد، خصوصاً مستوى العجز، مضيفاً “لقد نما العجز في إسرائيل أخيراً حتى من دون الحرب المستمرة وأدى التباطؤ الاقتصادي العالمي وزيادة الإنفاق الحكومي وانخفاض الإيرادات إلى رفع كبار المسؤولين في وزارة المالية هدف عجز الموازنة في العام المقبل، وبالتأكيد الحرب الحالية ستزيد النفقات أكثر”.
وتابع أن تأثير تفاقم الأزمة واحتدام الوضع الأمني وصعوباته سيزداد في الاقتصاد بصورة مباشرة وغير مباشرة، إذ سينخفض النشاط الاقتصادي للشركات الإسرائيلية في ظل الحرب، مما يؤدي إلى تراجع مباشر في أسهمها، وعلاوة على ذلك تتجنب التوقعات العالمية الاستثمار في الشركات الإسرائيلية، مما يقلل من توجه المستثمرين الأجانب إلى السوق المحلية”.
يشار إلى أنه على رغم تأكيد اقتصاديين وخبراء عدم إمكان توقع قيمة الخسائر لهذه الحرب، إلا أن حسابات أولية تبين أن كلفة كل أسبوع للحرب تتجاوز 400 مليون دولار.
انهيار الصناعات الحربية
في حديث إلى “اندبندنت عربية”، قال الباحث الاقتصادي وائل كريم إن “ما نشهده من تراجع كبير للشيكل أمام العملات الأجنبية هو مؤشر واضح إلى أزمة ثقة كبيرة، فالبورصة تشهد انخفاضاً حاداً منذ اليوم الأول من هجوم حماس، وما زلنا في معدلات تراجع نابع أيضاً من هبوط الاستثمارات الخارجية وحال الذعر والهلع والبلبلة لدى المستثمرين المحليين”.
ورأى أنه لا يمكن تحديد حجم الخسائر ولكنها تظل كبيرة، موضحاً أن “مدى قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تخطي تلك الأزمة، يتعلق أساساً بالسؤال حول مدة الحرب وإن كانت ستبقى مقتصرة على الجبهة الجنوبية وماذا سيحصل مع 150 ألف إسرائيلي نزحوا من الجنوب، وهؤلاء لا يختلف اثنان على أنهم لن يعودوا لمنطقة الجنوب، مما يعد ضربة لتل أبيب”.
وتابع، “هناك أيضاً أسرى وقتلى ومصابون ودمار مبانٍ وبيوت وممتلكات، والتوقف عن العمل والتوجه إلى جنود الاحتياط وغيرها من الجوانب التي تكلف موازنة إسرائيل مبالغ من الصعب حصرها، في الأقل، حتى نهاية الحرب”.
إلى ذلك، اعتبر كريم أن صفقات الأسلحة التي توقعها تل أبيب مع عواصم عدة ستشكل ضربة اقتصادية قاسية لإسرائيل، مضيفاً “هناك دول دخلت في المرحلة الأولى من التفاوض لشراء أسلحة إسرائيلية وكانت هناك دول تنتظر توقيع اتفاقات، خصوصاً ما يتعلق بالمجسات الإلكترونية ومنظومة القبة الحديدية والرادارات والأمن السيبراني وغيرها”.
وكانت إسرائيل، وفق كريم، تراهن على الصناعات الحربية لشركاتها الخاصة لأنها الأفضل والأكثر دقة وتطوراً ثم جاءت حركة “حماس” لتهدم الجدار وتخترق المعسكرات وتبطل مفعول معدات وأجهزة إلكترونية، مما أتاح لهم الدخول إلى إسرائيل والعودة لغزة مع عدد كبير من الأسرى من دون أن يكشف أمرهم، وهذا في حد ذاته سيضر بصورة خطرة بالصفقات العسكرية المتعلقة بمعدات مختلفة كانت تروج لها تل أبيب، فسيعتبر الخارج أن المنظومة العسكرية الإسرائيلية ليست كما يروجون لها بل إنها ضعيفة بشكل كبير.
مصانع ينقصها العمال
حتى كتابة هذه السطور وبحسب الأوامر التي أصدرتها الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فإن الجنوب بات منطقة حرب والمصانع فيها مغلقة وتعاني نقصاً كبيراً في الأيدي العاملة لأسباب عدة في مركزها الخوف من الحرب وسقوط الصواريخ الغزية على أماكن عملهم وهناك النسبة الأعلى توجهت إلى الحرب كجنود احتياط، فكل إسرائيلي احتياط ونظامي سيشارك في حرب غزة، وحتى اليوم الرابع تم استدعاء 360 ألف جندي.
حتى في الشمال والمركز الإسرائيلي، حيث تشمل أوامر الجبهة الداخلية مؤسسات التعليم والثقافة بعدم الذهاب إلى العمل، تواجه المصانع نقصاً في العمال والمنتجات، بينها الضرورية للسكان وللجيش لاستخدامها خلال الحرب، فالمصانع التي لا تزال تمارس عملها كالمعتاد تعاني نقصاً كبيراً جداً في الأيدي العاملة التي توجهت إلى الاحتياط، في وقت يجب على هذه المصانع إنتاج أضعاف ما تنتجه خلال الأيام الاعتيادية لتعويض النقص بسبب مصانع الجنوب المغلقة.
أمام هذا الوضع والنقص الهائل في الأيدي العاملة أثارت الأوضاع الأمنية رعباً بين السكان من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، وزاد قلقهم وخوفهم بعد طلب المتحدث بلسان الجيش والجبهة الداخلية التزود بالطعام والماء والحاجات الضرورية لأيام بسبب الوضع الذي ينتظر إسرائيل في هذه الحرب.
بدا واضحاً أن رفوف المحال التجارية فرغت من الطعام وهناك نقص كبير في المواد الأساسية مثل الطحين والزيت والماء والنقص الأكبر في حليب الأطفال لأن معظم عمال المصانع في الجنوب وتلك الموجودة في المركز أو الشمال توجهوا إلى الاحتياط، وأمام هذا الوضع يضطر العمال الآخرون إلى العمل ساعات طويلة خلال اليومين المقبلين لتلبية الحاجات وتعويض ما فرغ من الرفوف.