أبرزرأي

شروط جديدة وعقبات: هل اقتربت الجولة الثانية من حرب إيران وإسرائيل؟

كتبت هدى رؤوف في صحيفة إندبندنت عربية.

حتى الآن لا جديد في ما يخص تطور العلاقات بين واشنطن وطهران، القضية الرئيسة للطرفين هي التوصل إلى اتفاق في شأن البرنامج النووي، لكن للوصول مرة أخرى لمرحلة المفاوضات بين الطرفين هناك شروط أميركية وخطوط حمراء إيرانية تعدها مصالح وطنية ثابتة، وبينهما هناك الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تسابق الزمن متجهة نحو طهران.

في فترة ما يمكن أن نسميه بالمرحلة الأولى للمفاوضات بين طهران وواشنطن، التي استمرت خمس جولات انتهت بحرب الأيام الـ12 يوماً بين إيران وإسرائيل، كانت المطالب الأميركية هي التخصيب الصفري بينما طلبت إيران الاحتفاظ بحق التخصيب المحلس، أما في المرحلة الثانية من المفاوضات، التي لم تعقد إلى الآن وتنتظر موافقة الطرفين، فتتركز الشروط الأميركية على مطالب جديدة هي التخصيب الصفري لليورانيوم وتفكيك شبكة الميليشيات الإقليمية وقبول قيود على برنامجها الصاروخي.

علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني صرح قبل بضعة أشهر بأن الولايات المتحدة ترغب في خفض مدى صواريخ إيران إلى أقل من 500 كيلومتر كشرط مسبق للمفاوضات النووية، وصرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ أيام بأن الإيرانيين يعيدون بناء برنامجهم الصاروخي بسرعة، لكن سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يعيدوا إحياء برنامجهم النووي، وإذا حاولوا إعادة بنائه وإحيائه من دون اتفاق، فسندمره مجدداً، كما يمكننا تعطيل صواريخ إيران بسرعة كبيرة.

أي إن ترمب قد يهاجم أو يسمح لإسرائيل بمهاجمة إيران حتى لأسباب تتعلق بالبرنامج الصاروخي وليس النووي فحسب، فقد أعلن ترمب أنه إذا أرادت إيران الحفاظ على برنامجها الصاروخي من دون التعرض للهجوم، فعليها التفاوض في شأن أبعاده، وإلا ستتعرض لهجوم استباقي.

خلال الوقت ذاته تتزايد التقارير التي تتحدث عن أن إيران تعيد بناء ترسانتها الصاروخية بسرعة بعد حرب الأيام الـ12 بينها وإسرائيل، وتعتزم امتلاك القدرة على إطلاق ألفي صاروخ خلال وقت واحد في أية مواجهات مستقبلية محتملة، وهو ما يعده بعض مقدمة لهجوم إسرائيلي آخر على إيران.

يمكن القول إن هذه المتطلبات إذا تحققت فإنها ستكون أساس ما يمكن تسميته اتفاقاً أكبر وأقوى وأشمل بين إيران وواشنطن، لكن النقطة الرئيسة هنا أن كل من هذه الشروط الأميركية تشكل أساس عقيدة الدفاع الاستراتيجية الإيرانية القائمة على الدفاع المتقدم، والتي تعني الاعتماد على القدرات العسكرية غير التقليدية كالصواريخ والقدرات النووية، فضلاً عن شبكة من الوكلاء تمكنها من نقل أية معركة خارج أراضي إيران إلى أراضي منافسيها وخصومها.

تعي إيران أن توقيت الجولة الثانية من مواجهة عسكرية مع إسرائيل يتوقف على مدى التقدم الحاصل بين طهران وواشنطن، لذا تسير في مسارات متوازية منها الوساطات، إذ تعتمد على وساطة الدول الإقليمية مثل السعودية وتعتمد على قدرة الرياض على إقناع دونالد ترمب بالمسار الدبلوماسي واحتواء إيران من دون المسار العسكري، في الوقت ذاته تعتمد على تحسين علاقتها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر اليابان.

من المعروف تدهور العلاقة بين الوكالة وإيران حيث اتهمتها طهران بإعطاء المبرر لإسرائيل لمهاجمتها، وعدت أن المراقبين الدوليين جزء من التجسس الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني، وعدت إيران أن اتفاق القاهرة مع الوكالة انتهى بتفعيل آلية “سناباك” وأن على الوكالة البحث عن إطار جديد للتفتيش للمنشآت التي دُمرت من خلال الضربة الأميركية في يونيو (حزيران) الماضي.

وفي حين يظل رفائيل غروسي يصرح بأن إيران تخزن معظم احتياطاتها من اليورانيوم المخصب في منشآت نووية معروفة لا يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إليها. وتطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى جميع المنشآت النووية الإيرانية، سواء دمرت أم لا تزال قيد التشغيل، تستمر إيران في محاولات كسب الوقت لأنها لا تريد الإفصاح عن مصير اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة ويبلغ نحو 440 كيلوغراماً وتعد مصيره المجهول ورقة ضغط في يديها لن تضحى بها، لا سيما أنها معرضة في أية لحظة لهجوم إسرائيلي ومن ثم قد يكون تحسن العلاقة بين إيران والوكالة والإفصاح عن مصير اليورانيوم المخصب رهناً بالوصول لاتفاق مع واشنطن وضمان عدم مهاجمة إسرائيل لإيران.

إن إيران في موقف حرج وخياراتها مقيدة، لكنها تستمر في مهارة تشبيك الملفات وجعل كل نقطة تعتمد على مسار النقطة الأخرى، وستظل في ذلك الموقف الذي يتسم بعدم اليقين طالما ترمب وحليفه نتنياهو في الحكم.

على جانب آخر تحاول إيران الاستفادة من علاقتها بروسيا، ففي ختام زيارته لروسيا، كتب وزير الخارجية عباس عراقجي على حسابه في “إكس”، “استناداً إلى معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا، اتفقت وزارتا خارجية البلدين على خريطة طريق مدتها ثلاثة أعوام لتنظيم وتعزيز التعاون والتنسيق الثنائي إلى مستوى أعلى، سيتيح التعاون الوثيق بين موسكو وطهران اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية ضد العقوبات الغربية غير القانونية، وتعزيز الاستقرار الإقليمي ودفع مشاريع البنية التحتية قدماً، ومنع الإجراءات غير القانونية في مجلس الأمن.

لكن إيران تحاول ضمن المسارات المتعددة التي تسلكها أن توظف علاقتها بروسيا، سواء داخل مجلس الأمن فروسيا والصين من الدول التي لن تطبق العقوبات الأممية على طهران، أو الاستفادة من علاقة روسيا بإسرائيل، لكن بصورة أوسع تحاول طهران وموسكو الالتفات على العقوبات الغربية والأميركية المفروضة عليهما.

كانت الحرب الإسرائيلية مكلفة لإيران، سواء من الناحية الاقتصادية أو البنية التحتية الهجومية والدفاعية أو تزامن تلك التداعيات مع الأوضاع الداخلية المتدهورة اقتصادياً واجتماعياً ومناخياً. وعلى رغم محاولة إيران الحفاظ على التوافق والتماسك الداخلي التي تجلت خلال الحرب الإسرائيلية، إذ ما اعتبره المرشد الإيراني إعادة إنتاج الهوية الجماعية وتوليد القوة الصلبة والناعمة مع كل تهديد تمر به بلاده، لكن لا يزال هناك جدل داخلي يتعلق بكيفية مواجهة الوضع غير المؤكد لإيران في المنطقة، وهل يجب على النظام الإيراني أن يغير من سياساته الداخلية والخارجية حتى تحقق إيران مصالحها الوطنية، وأولاها بقاء إيران وبقاء النظام.

هناك أصوات من داخل إيران تعد أن الحرب الإسرائيلية مغايرة لما مرت به إيران من قبل، ومنها حرب الخليج الأولى مع العراق والتي امتدت ثمانية أعوام، أما الحرب الإسرائيلية الآن فهي حرب ترتبط بتغيير سياسة إيران الخارجية المرتكزة على قدراتها الصاروخية وشبكة الوكلاء الإقليميين والبرنامج النووي، ومن ثم هل ستغير إيران من سياستها الخارجية تجنباً لتلك الحرب؟

كانت الحرب الإيرانية العراقية بين دولتين متكافئتين، أما حرب الـ12 يوماً فكانت بين إيران وقوة إقليمية وأخرى عظمى.

ومن ثم، كيف تتعاطى إيران مع الشروط الأميركية؟ هل ستكون بصدد خلاف رئيسي أو ما يسمى في العلوم السياسية بالـDeadlock حيث الوصول لنقطة خلافية يستحيل معها أية حلول. فعلى الأخص أثبتت الصواريخ الإيرانية قدرتها على الردع بالتالي لن تتخلى إيران عن تلك القدرات والتي تعدها متعلقة بالأمن القومي، إذ قدرتها على تهديد أمن الطاقة والملاحة والبنية التحتية في المنطقة حال نشبت حرب إسرائيلية أميركية، ومن جهة أخرى لن تقبل إسرائيل باستمرار تلك القدرات التي شكلت تهديداً لأمنها، ومن ثم فإن إيران ليست في وضع لا يمكن حله حتى بقبول تعليق التخصيب.

ومن ثم، فالسؤال هنا هل ستظل إيران تحرك الوساطات الإقليمية والدولية من أجل صيغة بناء الثقة مع واشنطن، أي إزالة المخاوف مقابل رفع العقوبات؟ أم إنها ستقوم بتغيير جذري في السياسة الخارجية وليس مجرد مرونة موقتة أو خطوات تكتيكية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى