سياسة ترامب الخارجية
كتب د.البدر الشاطري, في “البيان”:
يستعد الرئيس السابق والمرشح الحالي للحزب الجمهوري بالعودة إلى البيت الأبيض بقوة أكثر من المرة السابقة وبشكل ممنهج. في انتخابات 2016، كان الكثير من المحللين لا يتوقعون فوز ترامب. وفي الواقع كان هناك دلائل حينها على عدم إمكانية فوز ترامب.
وأظهرت نتائج الانتخابات صدق التوقعات، حيث لم يفز ترامب بأغلبية الأصوات، والتي ذهبت إلى خصمه الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بينما كسب ترامب بالمجمعات الانتخابية والتي تعد الحاسمة في الانتخابات.
وفي مقالة لمجلة الإيكونيميست الرصينة نشرت العام الماضي عنوانها «الإعداد الدقيق والقاسي لعودة ترامب لفترة ثانية»، ناقشت المجلة الإعداد الذي يجريه مركز البحوث في ولاية تكساس ويدعى معهد سياسة أمريكا أولاً.
وتأسس المركز من قبل موظفة سابقة في البيت الأبيض للتخطيط لتنفيذ برنامج صارم لأهداف ترامب والقوى المحافظة خلفه، والذين باتوا يتوجسون من انحراف المجتمع إلى ليبرالية منفلتة.
كانت المشكلة في الفترة الأولى أن ترامب لم يكن مستعداً من ناحية البرامج والقائمين على تنفيذ البرامج، إذا كانت موجودة أصلاً. ولا غرو أن كثيراً من المناصب ظلت شاغرة لعدم الاستعداد لاستقطاب موظفين يستطيعون أن يتكيفوا مع الرؤية الكونية للرئيس المنتخب في 2016.
أما الآن نقرأ عن برنامج واسع وعريض حول الفترة الثانية لترامب أصدرته المؤسسة السالفة الذكر. ولكن الأهم هو ما نشرته مؤسسة الهيرتج المحافظة. وهو برنامج ساهم فيه كتاب وباحثون عدة، وتناول كل القضايا الداخلية والخارجية تحت عنوان «التفويض للقيادة: التعهد المحافظ» ويقع في أكثر من 900 صفحة.
لم يصدر تأييد من قبل ترامب أو حملته الانتخابية للأفكار المطروحة، ولم يصدر نفي بالعلاقة مع البرنامج الصادر. ترك الباب موارباً. لمن يؤيد حملة ترامب، فإنه يرى البرنامج بجلاء.
أما المستقلون فقد يعجبهم البرنامج حتى إذا كان هناك تحفظ ببعض الجوانب، وحينها تستطيع الحملة أن تبتعد قليلاً أو كثيراً حسب حجم الاحتجاج، وتدعي أنه حماس مفرط من قبل مركز بحوث لحملة ترامب. ما يهم هنا هي الأفكار الواردة حول السياسة الخارجية التي من المحتمل أن يتبناها ترامب في الفترة المقبلة إذا ما فاز، وهو احتمال وارد وليس مؤكداً.
العنوان الأكبر لهذا التحول الكبير في السياسة الخارجية هو أمريكا أولاً، وأن السياسة الخارجية ستخدم المصالح العليا للولايات المتحدة. من نافل القول إنها كانت هكذا دائماً. لم تكن أمريكا شمعة لتحرق نفسها حتى تضيء للعالم.. لكن التعبير عن المصالح العليا كان مختلفاً لتعزيز الهيمنة والقوة الناعمة.
في الجزء المختص بالدفاع المشترك يستعرض التقرير القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن الوطني والسياسة الخارجية. ويقول التقرير إن وزارة الدفاع أصبحت ذات توجه يساري بدل أن تكون حصناً للاستعداد العسكري.. وأصبحت المؤسسة الدفاعية تسودها ثقافة متجنبة للمخاطرة.
لتحقيق السلام لا بد لنا أن نحققه من خلال القوة. ولا بد أن نقوي شبكة الدفاع الجوي ضد الصواريخ، ونبني سياسة قوية لمكافحة الإرهاب.. بيد أن علينا ألا ننخرط في حروب خارجية ليس لنا طائل منها.. ولكن يجب أن ندافع عن مصالحنا حيثما كانت. يتطرق التقرير للعمل الدبلوماسي والذي يرى أنه ذو أهمية كبيرة لحماية المصالح الأمريكية والحفاظ على تأثيرها الدولي.
الإشكالية للتقرير، أن الخارجية الأمريكية أصبحت مرتعاً لليساريين الذين لم ولن يتفقوا مع رئيس محافظ. ويضيف التقرير، إن الخارجية تؤمن أنها مؤسسة مستقلة وعليها اتباع سياسة مستقلة عن الرئيس المنتخب بما يخالف الدستور.
لمواجهة هذه الحالة السائدة في الخارجية، تتطلب قيادة قوية لتغير نهج هذه المؤسسة.. وإن الخارجية يجب أن تتوقف عن مناصرة الإجهاض أو المساواة العرقية أو حقوق المثلية، والتي لا تتوافق مع توجه القيادة السياسية المحافظة. وعلى الخارجية التركيز على القضايا المركزية المتعلقة بالأمن والحقوق الاقتصادية والإنسانية.
ويصب التقرير جام غضبه على الصين والسياسة المهادنة لها التي اتبعتها إدارة بايدن، ويدعو إلى مواجهة السياسة العدوانية للصين بالضغوط الخارجية. كما دعا حلفاء واشنطن لمساندة الولايات المتحدة في مواجهة الصين في آسيا، وعلى الآخرين من حلفاء واشنطن مواجهة روسيا في أوروبا وإيران في الشرق الأوسط.
بالنسبة للشرق الأوسط يدعو البيان إلى تعزيز سياسة ترامب لتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية بين الدول العربية وإسرائيل، ومواجهة البرنامج النووي الإيراني، وقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية، وحماية المضائق المائية، مثل: هرمز وقناة السويس.
وأخيراً، تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية لاحتواء التمدد الصيني في الشرق الأوسط. بيان قوي من مؤسسة محافظة قررت أن تمتطي النمر. وسنرى ما سيتحقق من بيانها العتيد.