سياسة برلين الشرق أوسطية على نار الحرب بين إيران وإسرائيل

كتب بيتر هيله, وكريستوف هاسلباخ, في DW:
المواجهة المحتدمة الدائرة بين إسرائيل وإيران تمثّل تصعيداً جديداً في صراع الشرق الأوسط، الأمر الذي يضع ألمانيا الآن أمام اختبار صعب في سياستها الخارجية.
من المعروف أنَّ سياسة ألمانيا في الشرق الأوسط تقوم بشكل أساسي على توازنات دقيقة. واليوم وضعت المواجهة بين إيران وإسرائيل علاقات ألمانيا مع إسرائيل تحت مزيد من الضغط.
وأمن إسرائيل يعد بالنسبة لألمانيا جزءًا من “مصلحتها الوطنية العليا”، كما وصفته المستشارة السابقة أنغيلا ميركل. والفكرة الأساسية هي أنَّ ألمانيا لديها مسؤولية خاصة تجاه أمن إسرائيل بسبب تاريخها في قتل ملايين اليهود خلال الحقبة النازية. وخليفة ميركل المستشار السابق أولاف شولتس، أكد على هذه “المصلحة الوطنية العليا” بعد قيام حركة حماس الإسلاموية المتطرفة بمذبحة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 في إسرائيل.
ولكن زيادة قسوة الإجراءات الإسرائيلية باستمرار في قطاع غزة، رداً على هجوم حماس، باتت تُصعّب على الحكومة الألمانية في برلين تحديد موقفها. وفي هذا الصدد قال قبل نحو أسبوعين المستشار الحالي فريدريش ميرتس: “بصراحة، لم أعد أفهم ما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ولأي هدف”. وأضاف أنَّ إلحاق مثل هذا الضرر بالسكان المدنيين لم يعد من الممكن تبريره بمحاربة إرهاب حماس. ولكن انتقاداته لم تسفر عن أية عواقب؛ فشحنات الأسلحة الألمانية ما تزال مستمرة إلى إسرائيل.
ميرتس: إسرائيل تقوم بـ”المهمة القذرة نيابة عنا جميعا”
ومن جانبها تدافع إسرائيل عن هجماتها الأخيرة على إيران بقولها إنَّ إيران تمثّل “تهديداً وجودياً ومباشراً لإسرائيل”. وتحدّث وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن “ضربة استباقية”، مدعياً أنَّ إيران كانت على وشك تطوير قنبلة نووية وأنَّ إسرائيل أرادت منع ذلك.
والحكومة الألمانية تشارك إسرائيل مخاوفها بشكل أساسي. وفي هذا الصدد أكد في بيان صحفي صباح اليوم التالي للهجوم المستشار فريدريش ميرتس على “حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها وأمن مواطنيها”. وقال إنَّه تحدّث في اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإنَّ نتنياهو أطلعه على العمليات العسكرية وأهدافها.
وأضاف أنَّ “الحكومة الألمانية أعربت مراراً وتكراراً منذ عدة سنين عن قلقها من برنامج إيران النووي المتطور. (…) وهذا البرنامج النووي ينتهك أحكام معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ويشكّل تهديداً خطيراً للمنطقة كلها، وخاصة لدولة إسرائيل”. ويجب أن يبقى الهدف هو “ألا تطوّر إيران أسلحة نووية”.
والثلاثاء (17 حزيران/يونيو 2025) أبدى المستشار الألماني فريدريش ميرتس على هامش مشاركته في قمة مجموعة السبع في كندا، تأييد برلين القوي للضربات الواسعة التي تشنها إسرائيل على إيران منذ الجمعة. وقال ميرتس “هذه مهمة قذرة تؤديها إسرائيل نيابة عنا جميعا. نحن أيضاً ضحايا هذا النظام (في إيران). هذا النظام… جلب الموت والدمار للعالم”، وذلك في مقابلة مع قناة “زي دي اف” الألمانية.
أوروبا على “مقاعد المتفرجين”
ويقول هانز ياكوب شيندلر، خبير الشرق الأوسط في المنظمة الدولية مشروع مكافحة التطرف، إنَّ رد فعل الحكومة الألمانية كان متوقعاً. وألمانيا تلعب دوراً ثانوياً فقط في صراع الشرق الأوسط ولا تستطيع التوسُّط بشكل فعال. “المفاوضات الأمريكية المباشرة مع الإيرانيين هي الحاسمة”، كما قال شيندلر في حوار مع DW ويضيف: “صيغة التفاوض السابقة – أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع الإيرانيين – لم تعد جزءًا من معادلة اليوم. وللأسف، الأوروبيون أصبحوا الآن في هذا النزاع متفرجين لا لاعبين”.
ولا يعتقد الخبير هانز ياكوب شندلر أنَّ التصعيد الحالي سيغير شيئاً في المبادئ التوجيهية لسياسة ألمانيا تجاه إسرائيل: “نحن لسنا أية دولة أخرى؛ بل نحن ألمانيا بتاريخها الموصوم بالهولوكوست. وبناءً على ذلك لا يوجد أمام ألمانيا على الإطلاق أي خيار أدبي وأخلاقي آخر إلا التضامن مع إسرائيل. ولكن هذا لا يعني أنَّ ألمانيا يجب أن ترضى بشكل تلقائي بكل عملية يقوم بها الجيش الإسرائيلي وبكل قرار تتخذه الحكومة الإسرائيلية”، ويخلص الخبير إلى أن “الحكومة الألمانية الجديدة مستعدة أكثر بكثير لانتقاد إسرائيل من الحكومة الألمانية السابقة”.
بين “مصلحة وطنية” و”تضامن قسري”
بعد عمليات القوات المسلحة الإسرائيلية في غزة ارتفعت في الآونة الأخيرة الأصوات الناقدة لحكومة نتنياهو، وحتى في داخل الحكومة الائتلافية الألمانية المكونة من الحزبين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي المحافظين والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ويبدو أنَّ بعض أعضاء الحكومة الألمانية يخشون من أن يتم استغلالهم من قبل إسرائيل. وفي هذا الصدد قال في نهاية أيار/مايو وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إنَّ ألمانيا لن تسمح بالضغط عليها من قبل إسرائيل. ولن نسمح بأن “نوضع في وضع يجبرنا على تضامن قسري، لا يمكن أن يكون موجودًا بهذا الشكل”.
وعلق الوزير فاديفول على الرد الإيراني على إسرائيل خلال زيارته القاهرة. وقال سياسي الحزب المسيحي الديمقراطي: “نحن ندين بشدة الهجوم الإيراني العشوائي على الأراضي الإسرائيلية. تهاجم إيران إسرائيل حاليًا بمئات الطائرات المسيرة. وتوجد تقارير حول سقوط مصابين. وهذه التطورات أكثر من مثيرة للقلق”.
مسؤولية ألمانيا تجاه إسرائيل
وبعد الهجوم الإسرائيلي، قال في إذاعة دويتشلاند فونك خبير السياسة الخارجية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رولف موتسينيش إنَّ إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن هذا الحق يرتبط بوجود خطر مباشر وتهديد وجودي. ومن المؤكد أنَّ مجلس الأمن الدولي سيناقش إن كان بإمكان إسرائيل استخدام هذا الحق، بحسب تعبير موتسينيش، الذي شدد في الوقت نفسه على خطورة البرنامج النووي الإيراني.
ويثير السؤال إنَّ كان الهجوم الإسرائيلي مشروعاً بموجب القانون الدولي الكثير من الجدل. ويشير خبراء القانون الدول إلى أنَّ القيام بضربة استباقية لا يمكن تبريره إلا في ظل شروط ضيقة للغاية – مثلًا عند وجود تهديد وشيك لا يمكن تجنّبه بطريقة أخرى.
وحول الهجوم الإسرائيلي قال يان فان أكين، رئيس حزب اليسار، في حوار مع DW: “هذا ليس دفاعاً عن النفس، بل هجوم مخالف للقانون الدولي”. وأضاف أنَّ “الدول يمكنها بالطبع الدفاع عن نفسها ضد الهجمات. ولكن هنا لم يكن يوجد تهديد بالتعرض لهجوم بأسلحة نووية. بل على العكس: فنحن نعلم من خلال وجود المفتشين الدوليين في إيران أنَّ إيران لا تمتلك في الوقت الحالي على الإطلاق أي يورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90 بالمئة، الضرورية لصنع قنبلة”. وأضاف أكين أنَّ الهجوم أنهى عمليات التفتيش. ولذلك فإنَّ إيران ستكون الآن قادرة على صنع القنبلة بشكل أسرع “مما لو واصلنا الاعتماد على الدبلوماسية الذكية”.
ويتوقع فان أكين من الحكومة الألمانية الانضمام إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي. ويقول إنَّ “هذا انتهاك للقانون الدولي ويجب إدانته”. ويضيف أنَّ الحكومة الألمانية يجب عليها الآن أن تبذل كل ما في وسعها من أجل عدم توقف المفاوضات حول اتفاق نووي جديد مع إيران. وألمانيا لديها “مسؤولية خاصة جداً تجاه إسرائيل، وأمنها وحقها في الوجود. وهذا لن ينتهي ثابت ومستمر، ولكن يجب ألا يمنعنا من انتقاد الحرب المخالفة للقانون الدولي في غزة أو ضد إيران، ومن اتخاذ خطوات مناسبة مثل الاعتراف بدولة فلسطين ووقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل”.
أمن المؤسسات اليهودية في ألمانيا
وفي هذه الأثناء يرى بعض السياسيين الألمان في ضوء التصعيد بين إسرائيل وإيران خطرًا يهدد الوضع الأمني في ألمانيا أيضًا. ولذلك أعلن وزير الداخلية الاتحادي ألكسندر دوبرينتعن التنسيق مع وزراء داخلية الولايات الاتحادية لتعزيز الإجراءات الأمنية من أجل حماية المؤسسات اليهودية والإسرائيلية في ألمانيا. وقال إنَّ هذا يعني أنَّنا مستعدون في حال تطور الوضع في الشرق الأوسط إلى تهديد محتمل في ألمانيا. وكذلك أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنَّ إسرائيل ستغلق جميع قنصلياتها وسفاراتها حول العالم.