رأي

سورية من رهانات العزلة الدولية الى الانفتاح الاستراتيجي..

جاء في مقال للدكتورة حسناء نصر الحسين في صحيفة “رأي اليوم”:

يزور الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الجمهورية العربية السورية في مرحلة بالغة الأهمية تعيشها المنطقة والعالم ، وهذه الزيارة التي أتت بعد ثلاثة عشر عاما لآخر زيارة لرئيس إيراني إلى دمشق بما تحمله من دلالات ورسائل تختم عشرية الدم والنار لتحتفل بالنصر وهذا ما أكده الرئيس الإيراني رئيسي من مرقد السيدة زينب عليها السلام .

زيارة وصفها البعض بالتاريخية وهي فعلا كذلك كونها أتت ضمن مجموعة متغيرات داخلية واقليمية ودولية اهمها انتصار سورية وإيران ومحورهما على كل المؤامرات الأمريكية الغربية الإسرائيلية التي لم تدخر جهدا باستخدام كل الوسائل والإمكانات لإسقاط هذا المحور وفك ارتباط سورية به ، ورأينا محاولات هذه الدول لضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الداخل بعد فشلها بضربها من خلال الملف النووي والعقوبات الاقتصادية الكبيرة .

وصلت أهداف هذه الزيارة وقبل أيام من وصول الرئيس الايراني الى دمشق حيث كانت حكومة الكيان الإسرائيلي ووسائل إعلامه اكثر المهتمين بهذه الزيارة ولم يخفي احدهم امتعاضه منها لتأتي تصريحات وسائل إعلام العدو لتؤكد على أن الرسائل الايرانية السورية وصلت حيث نقلت وسائل  إعلامه بأن هذه الزيارة للرئيس ابراهيم رئيسي أتت في توقيت مهم على المستوى الإقليمي ورسالتها هي أننا انتصرنا وتحالفنا الاستراتيجي لا يمكن كسره

كما أبدت الولايات المتحدة الأمريكية عن امتعاضها من هذه الزيارة وفهمها لأهدافها من خلال وزارة خارجيتها التي صرحت بأن توثيق العلاقات بين طهران ودمشق ينبغي ان تكون مبعث قلق للعالم .

وهذه التصريحات لكل من واشنطن والكيان الإسرائيلي تؤكد بأن هذه الزيارة أتت بثمارها وحققت أهدافها ، إلا انه غاب عن أذهان قادة واشنطن بأن هذه العلاقات بين طهران ودمشق عمرها عقود وهي علاقات متينة مبنية على الصدق والوفاء والخندق الواحد وهذا ما تفتقد اليه الحكومات الأمريكية في علاقاتها مع حلفائها وأصدقائها لذلك لن تسطع فهم هذه العلاقات التي فشلت في كسرها بل يوما بعد يوم تزداد قوة وعمقا .

وما الاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها بين الرئيسين التي عرفت بالتعاون الاستراتيجي الشامل البالغ عددها خمسة عشر اتفاقية الا بداية لمرحلة جديدة تتناسب مع تحديات الحقبة الجديدة المتمثلة بالواقع الاقتصادي واعادة الإعمار وهذا ما أكده الرئيس الايراني في مقابلة معه  مع الميادين عشية زيارته لسورية بأن ايران كما وقفت في مراحل الحرب بجانب الدولة السورية ستقف ايضا معها في ملف إعادة الاعمار وهذا ما اعاد تأكيده من دمشق .

محور المقاومة الذي تشكل سورية قلبه والخط الأمامي له وما حققه هذا المحور من انتصار على المخططات الأمريكية الغربية لمنطقة الشرق الأوسط برمتها وما فرضه هذا النصر أعاد خلط الأوراق من جديد لتبرز قوة هذا المحور على الساحة الاقليمية والدولية وهذا مابدا واضحا من خلال الشراكات الاستراتيجية للجمهورية الاسلامية الايرانية مع دول كبرى تعمل للوصول للعالمية مثل روسيا والصين ولا ننسى المصالحات الايرانية السعودية بوساطة صينية واثر هذه المصالحات على المنطقة ومستقبل النفوذ الأمريكي في المنطقة وتمهيد الطريق أمام المشاريع الصينية المنسجمة سياساتها مع تطلعات معظم الدول والشعوب التي عانت الكثير ودفعت اثمانا من دماء الأبرياء بسبب السياسات الاستعمارية الأمريكية .

ولابد من الاشارة الى المصالحات السورية العربية بما تشكل من اهمية كبيرة لصالح اعادة رسم الخرائط في منطقة الشرق الاوسط واعادة توزيع مراكز القوى بدبلوماسية المنتصر.

كل الرهانات الامريكية الغربية الهادفة لعزل الدولة السورية وحتى الجمهورية الاسلامية الايرانية عن محيطهما الجغرافي والقومي باءت بالفشل ونحن نرى مشهد العزل هذا في الكيان الاسرائيلي الذي يعض اصابعه غيظا من هذا النصر وهذا الانفتاح والتمدد لسورية وايران وهو الآن يعيش عزلة تليق بمحتل عن المحيط  الاجتماعي والجغرافي حتى على المستوى الداخلي فحكومة الكيان معزولة عن مستوطنيها فمشهد مطار دمشق يعج بالزوار أكثر ما يشكل ازعاجا لأمريكاواسرائيل .

وفي الختام من الواضح أن مخرجات عقد ونيف من الصمود والإيمان بالنصر أصبحت أكثر وضوحا فالدول لابد ان تقدم الفكر العقلاني في علاقاتها وان تفكر بجدية بما كسبت من العمل وراء العقل الأمريكي ولا بد من تحرير العقول وان تبحث كل دولة عن ما يجمعها من مصالح وتغليب لغة الحوار عن اللغة العدائية التي لم تخدم الا مصلحة امريكا والعودة الى العقلانية في العلاقات الدولية فالحروب لن تحقق مصالح طويلة الأمد للدول الغازية ، والشعوب اكثر ما تحتاجه للوفاق والأمن والاستقرار بين الدول لتستطيع ان تعيش بكرامة .

وهذه المصالحات والانفراجات في العلاقات بين سورية والاشقاء العرب شكل عامل ارتياح للشعب السوري وللشعوب العربية ايضا التي تؤمن بالوحدة العربية .

كما كان للمصالحة الايرانية السعودية نفس الأثر في نفوس الشعوب العربية والإسلامية وهذه خطوة لابد من الثناء عليها .

فنحن نعيش في عالم متغير لن يكون الحاكم الأوحد فيه مبادئ ترومان وعقيدة بايدن فمركز الثقل العالمي يتجه شرقا وعلى الدول ان لا تسير عكس عقارب الساعة كي تحافظ على مصالحها ويكون لها مكانتها ودورها في رسم خرائط العهد العالمي الجديد وهذا ما جهدت سورية للعمل لتحقيقه عندما قررت خوض معركة عنوانها اعادة التوازن للنظام الدولي وتحملت تكلفة هذه المعركة الدولية مع شركائها الاقليميين والدوليين فيحق للدولة السورية والجمهورية الاسلامية الاحتفال بالنصر ، لكن هل ستحمل الأيام القادمة صورة تجمع الرئيس الأسد والرئيس رئيسي وسماحة السيد حسن نصر الله سؤال كبير تجيبنا عنه الأيام القادمة .

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى