زيارة غير مكتملة: الشرع يطرح مطالبه

من الرياض مباشرة إلى أنقرة، وصل الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لإجراء لقاء مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي تتولّى بلاده إدارة الملف السوري، بتزامن مقصود مع زيارة يجريها وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى العاصمة التركية، لبحث ملفات عديدة على رأسها سوريا. وأكّد الشرع – الذي كان استقبل وزير الخارجية التركي في دمشق، فور وصوله إلى سدّة الحكم فيها، واحتفل معه على قمة جبل قاسيون بإسقاط نظام بشار الأسد -، خلال لقائه إردوغان، أن العلاقة السورية – التركية تحوّلت إلى «شراكة استراتيجية عميقة في كل المجالات»، في حين أعلن الرئيس التركي أن الفترة المقبلة ستشهد زيارات مكثّفة لوفود تركية إلى سوريا، داعياً البلدان العربية والإسلامية إلى دعم الإدارة الجديدة في سوريا. وأشار إلى أنه ناقش مع الشرع «الخطوات اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي في سوريا»، معتبراً أن هذه الزيارة «تاريخية».
ومنذ سقوط نظام الأسد، في الثامن من كانون الأول الماضي، زارت وفود تركية عديدة سوريا، آخرها وفد عسكري قام بالاطّلاع على بعض قواعد الجيش السوري المنحل، بالتزامن مع إطلاق برنامج «حل الفصائل وهيكلة الجيش السوري الجديد» بدعم تركي. ويأتي هذا وسط حديث عن توسّع عسكري تركي في الأراضي السورية، ضمن قاعدتين جويتين ستقامان في منطقة البادية السورية «للدفاع عن المجال الجوي السوري في حال وقوع أي هجمات مستقبلية»، بالإضافة إلى فتح الأجواء السورية أمام الحركة الجوية العسكرية التركية، حسبما ذكرت وكالة «رويترز»، التي أضافت أن أنقرة ستشرف على عمليات تدريب الجيش السوري، علماً أن تركيا تملك بالفعل عشرات القواعد العسكرية في الشمال السوري في إطار اتفاقية «خفض التصعيد» الموقّعة مع روسيا، ولم تقم بالانسحاب من سوريا بالرغم من سقوط النظام الذي سقطت معه الاتفاقية.
وإلى جانب الانخراط التركي المباشر في هيكلة الجيش السوري، تسعى تركيا للقبض على قطاع الطاقة، في إطار عمليات إعادة الإعمار المموّلة من قبل «صندوق التعافي المبكر» التابع للأمم المتحدة، والذي تتطلع الأخيرة إلى جمع تمويل خليجي له. ومن شأن هذا التمويل أن يعطي دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، دوراً وازناً في الملف السوري، إلى جانب كونها قوة إقليمية مؤثّرة، ما يفسّر بدء الشرع زياراته الخارجية بالسفر إلى السعودية، قبل لقاء إردوغان.
وفي تزامن يبدو مقصوداً، زار عبد العاطي، الذي أعربت بلاده عن قلقها من تحوّل سوريا إلى «بؤرة للإرهاب»، أنقرة، حيث أجرى لقاء مع نظيره التركي. وفي بيان مشترك عقب اللقاء، أكّد الوزيران دعم الشعب السوري واحترام سيادة ووحدة الأراضي السورية وسلامتها، وشدّدا على تدشين عملية سياسية شاملة لا تقصي طرفاً، وضرورة أن تكون سوريا مصدراً للاستقرار في المنطقة. كما أكّدا أهمية «ضمان عدم استخدام الأراضي السورية لتهديد أي دولة، ومكافحة الإرهاب، واستمرار علاقات حسن الجوار بين دول المنطقة»، بالإضافة إلى «إطلاق عملية سياسية شاملة تحقّق مصالح الشعب السوري، مع التأكيد على ضرورة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم بشكل طوعي وكريم». وفي تصريحات نشرتها وسائل إعلام مصرية، كرّر عبد العاطي، خلال اللقاء، أن «الشرط الأساسي للاستقرار في سوريا يتمثّل بتطهير البلاد من الإرهاب»، معتبراً أن «الدول المجاورة لسوريا يمكنها العمل معاً ضد داعش، وجهودنا في هذا الاتجاه مستمرة، وسنواصل أيضاً دعم قدرات الإدارة السورية على مكافحة الإرهاب»، في إشارة إلى المقاتلين المصريين المتشدّدين الموجودين في سوريا، والذين تخشى القاهرة أن يتحوّل تركيزهم إلى مصر في الفترة المقبلة.
إلى جانب الانخراط التركي المباشر في هيكلة الجيش السوري، تسعى تركيا للقبض على قطاع الطاقة
ويأتي ذلك في وقت ذكرت فيه وكالة «بلومبرغ» أن تركيا تستعد لتزويد مصر بكمية كبيرة من الغاز، بقيمة تتجاوز 45 مليون دولار. وبحسب الوكالة، فإن مصر تستعد «لاستقبال سفينة التغويز التركية «بوتاش» خلال حزيران المقبل، لتزويد السوق بإمدادات تصل إلى 500 مليون قدم مكعّبة يومياً من الغاز». وتابعت أن «الاتفاق بين الجانبين المصري والتركي ينص على أن تقوم السفينة التركية باستقبال شحنات الغاز المسال وتحويلها إلى غاز طبيعي خلال الفترة من حزيران حتى تشرين الثاني المقبليْن، مقابل نحو 45 مليون دولار، للمساهمة في توفير احتياجات مصر من الغاز، على أن تعود السفينة إلى العمل في تركيا خلال أشهر الشتاء».
في غضون ذلك، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، أن بلاده ترى أن هناك مشكلات تواجه السلطات السورية الجديدة، مشيراً إلى أن الحوار والتفاهم داخل البلاد «لم ينجحا بشكل جيد». وقال لافروف، خلال مشاركته في مؤتمر الشرق الأوسط الرابع عشر لنادي «فالداي» للحوار في موسكو، إنه «في سوريا، هناك مشكلات كبيرة، بما فيها المشكلة بين الحكومة التي يمثّلها الآن أحمد الشرع، والمجموعات التي كانت جزءاً من هذا الهيكل، بعد تغيّر السلطة في سوريا»، مضيفاً: «لم ينجح الحوار والتفاهم بشكل جيد هناك، من الضروري تعزيز الحوار الوطني بشكل نشط وبنّاء، وليس محاولة تسجيل نقاط جيوسياسية، بل التفكير في مستقبل الشعب السوري، لهذا من الضروري توحيد جهود جميع الأطراف الخارجية». كما أشار إلى أن هناك «محاولات لإبعاد روسيا والصين وإيران عن عملية الدعم الخارجي للتسوية السورية»، معتبراً أن تلك المحاولات «لا يمكن أن تكون مدفوعة بالنوايا الحسنة، لكنها تكشف مع ذلك عن خطط الغرب لدفع منافسيه إلى التنحّي جانباً»، وفق تعبيره.
أما على الصعيد السياسي الداخلي، فأعلن الشرع، خلال لقاء تلفزيوني، أنه سيتم تشكيل لجنة تحضيرية، ستجري مشاورات موسّعة مع مختلف الأطياف السورية قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، والذي تم تأجيله إلى فترة غير محددة. وتابع أن المؤتمر، بعد انعقاده، سيصدر بياناً ختامياً يمهّد الطريق نحو إعلان دستوري يحدّد مستقبل البلاد، مضيفاً أن صياغة الإعلان لن تكون قراراً فردياً، بل نتيجة مشاورات واسعة «تعكس إرادة الشعب» كما قال، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن مراحل الانتقال السياسي «ستستغرق وقتاً قد يصل على سنتين».
في المقابل، أعلنت الحكومة المؤقتة، التي تنشط في ريف حلب الشمالي وتتبع لـ«الائتلاف» (المعارض سابقاً)، وضع كل إمكاناتها وكوادرها وخبراتها تحت تصرف الإدارة السورية الجديدة. وقال رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، في بيان يحمل تاريخ 30 كانون الثاني الفائت، ولم يتم توزيعه حتى أول أمس، إن تولي الشرع رئاسة الجمهورية يمثّل «استحقاقاً تاريخياً يعبّر عن إرادة السوريين الحرة، ويؤسس لمرحلة جديدة من بناء الدولة على أسس العدالة وسيادة القانون». وأضاف أنه «انطلاقاً من التزاماتنا الوطنية، فإننا نضع كل إمكاناتنا وكوادرنا وخبراتنا تحت تصرف الدولة السورية الجديدة لخدمة مشروع بناء سوريا الحديثة، إيماناً منا بضرورة توحيد الجهود من أجل تحقيق المصلحة الوطنية الشاملة».
وفي تطور أمني جديد، وفي سياق التسويات وملاحقة مسؤولي النظام السابق، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوّراً يظهر فيه وزير الداخلية السوري السابق، اللواء محمد إبراهيم الشعار، خلال تسليم نفسه لقوات الأمن العام السورية، في وقت لم تصدر فيه عن وزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال أي معلومات حول الأمر.
المصدر: الأخبار