أبرزرأي

روسيا.. ولقاء باريس الثلاثي

كتب محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج.

اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، يوم السبت الماضي (7/12/2024)، في العاصمة الفرنسية، باريس، وكل من الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بمناسبة إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، يعد اللقاء الأول لترامب مع الرئيسين الفرنسي والأوكراني، منذ إعادة انتخابه مجدداً رئيساً للولايات المتحدة، وجاء متزامناً مع الأحداث الدرامية السورية التي أنهت حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ظل تساؤلات مهمة تتعلق بكل من الموقفين الروسي والإيراني من هذا الحدث، من أبرزها سؤال: هل هناك صفقة جعلت الحليفين الروسي والإيراني يقفان هكذا «أشبه بالمراقبين» وهما يتابعان انهيار أبرز حلفائهما في الشرق الأوسط؟ الصفقة التي جرى الحديث حولها تخص العلاقة الأمريكية – الروسية والعلاقة الأمريكية – الإيرانية، عقب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم في واشنطن.

أبرز ما يتعلق بالجديد المحتمل في العلاقات الأمريكية – الروسية هو إنهاء الحرب الأوكرانية وفق التصورات التي سبق أن أعلنها دونالد ترامب في الأشهر الأولى التي شهدت حملته الانتخابية ووعد خلالها بإنهاء الأزمة الأوكرانية سياسياً، لذلك كان التساؤل الذي فرض نفسه على هامش هذا «اللقاء الثلاثي» الذي جمع ترامب بأكثر الأطراف تشدداً في الأزمة الأوكرانية: الرئيس الأوكراني والرئيس الفرنسي هو: هل ستمتد رياح الحدث السوري إلى الأزمة الأوكرانية؟ وهل يكتسب «حديث الصفقة» مصداقية؟
والصفقة المقصودة هنا بالطبع هي عدم تدخل روسيا في الأزمة السورية، مقابل إنهاء الأزمة الأوكرانية بما يحول من دون مواصلة التهديد للأمن القومي الروسي بعد رفع القيود الأمريكية عن منع أوكرانيا من استخدام الصواريخ الأمريكية والأوروبية بعيدة المدى لاستهداف مناطق في العمق الروسي، الأمر الذي اعتبرته موسكو «مرحلة جديدة نوعية في الصراع تعكس انخراطاً مباشراً للدول الغربية في العمليات العسكرية»، وأدى إلى قيام روسيا بإجراء تعديل جوهري على «عقيدتها النووية» وتضمنت توسيعاً لقائمة المعايير التي تتطلب رداً نووياً، لتشمل الهجمات المشتركة أي «العدوان من قبل أي دولة غير نووية، لكن بمشاركة أو دعم دولة نووية»، وكذلك في حال وجود تهديد خطِر للسيادة الروسية، وإن بأسلحة تقليدية.

هذا التعديل للعقيدة النووية الروسية، بما يعنيه من إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام أسلحة نووية روسية في أوكرانيا أو ضد دول داعمة لأوكرانيا لم يكن رد الفعل الروسي الوحيد على القرار الأمريكي المؤيد من فرنسا وبريطانيا بإعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا لضرب العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى، بل تضمن أيضاً تنفيذ تهديدات روسية سابقة بتزويد دول أخرى معادية للولايات المتحدة بأسلحة وصواريخ بعيدة المدى لضرب المصالح الأمريكية والأوروبية، الأمر الذي اعتبر تصعيداً خطِراً في الأزمة الروسية – الغربية ومن هنا اتجهت الأنظار إلى اجتهادات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، لنزع فتيل انفجار حرب نووية عالمية وإنقاذ العالم من ويلاتها. كما استتبع بإطلاق روسيا لصاروخ فرط صوتي لأول مرة في ضرب منشأة عسكرية أوكرانية.

يبدو أن اللقاء الثلاثي الذي جرى في قصر الإليزيه بين الرؤساء الثلاثة، كان دافعه هو نزع فتيل خطر اندلاع حرب نووية عالمية، وفتح الأبواب أمام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للشروع فوراً، عقب توليه السلطة رسمياً في العشرين من الشهر المقبل، باتخاذ الإجراءات الفعلية لإنهاء الحرب الأوكرانية بدعم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبقبول من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
فقد أعلن زيلينسكي، عقب هذا اللقاء أنه أجرى «لقاء جيداً ومثمراً مع ترامب وماكرون»، مضيفاً: «نريد جميعاً أن تنتهي هذه الحرب في أقرب وقت وبطريقة عادلة»، وأوضح أنه توافق مع ماكرون وترامب على «استمرار العمل معاً والبقاء على تواصل».
روسيا التي أدركت فجأة أنها باتت مضطرة للاختيار بين خيارين أضحيا حتميين بحكم التطورات والمخاطر المتصاعدة في الحرب الأوكرانية وفي الأزمة السورية الجديدة عقب اجتياح جحافل المعارضة للمدن السورية الكبرى قبيل دخولها دمشق: إما حماية الأمن القومي السوري الذي أضحى مهدداً في العمق في ظل انخراط الغرب في الحرب ضدها والتهديدات التي أصابت عمق الأراضي الروسية، وإما الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط من خلال الحيلولة من دون سقوط حليفها بشار الأسد.
روسيا اختارت الانحياز لحماية أمنها القومي، ومن ثم إعطاء ضوء أخضر لتحرك ترامب لحل الأزمة الأوكرانية. ومن هنا اكتسب لقاء باريس الثلاثي، أهميته الذي ربما يكون قد جاء استجابة لهذا الضوء الأخضر الروسي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى