روسيا واللغز الإيراني الإسرائيلي في سورية
كتب باسل الحاج جاسم في صحيفة العربي الجديد.
أدّى استهداف إسرائيل القنصليةَ الإيرانية في دمشق إلى زيادة التوتّر بشكل كبير بين طهران وتل أبيب، ما أثار قلقَ روسيا حليفة سورية، فالتوتّر المتزايد قد يصعّب على روسيا موازنة علاقاتها مع كلّ من إيران وإسرائيل، الداعمتين لجهات متنافسة في الحرب السورية. ومن المثير للاهتمام أنّه بعد بداية حرب غزّة، في 7 أكتوبر، عزّزت روسيا وجودها على طول مرتفعات الجولان السوري المحتلّ، من خلال إنشاء نقاط مراقبة، في محاولة روسيّة لِمَنعِ أيّ تصعيدٍ قد يُهدد مصالحها.
ظلّ الحفاظ على توازن العلاقات مع الفاعلين الرئيسيين كافّة في الصراع السوري في مقدّمة الأولويات الروسية، وتمثّل إسرائيل أحد هذه الأطراف الأكثر أهمّية. تأثّرت علاقات روسيا مع إسرائيل في الملفّ السوري بشكل متبادل، مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ أدّت إلى تغييرات في السياسات الإسرائيلية تجاه سورية، ما انعكس على مسار التعاون الروسي الإسرائيلي بشكل عام. أخيراً، أثارت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثّفة ضدّ مواقع إيرانية في سورية، المخاوف التي أقلقت المسؤولين الغربيين عدّة أشهر، من أنّ الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس في غزّة يمكن أن تتصاعد إلى صراع أوسع ضد سورية، وإيران ووكلائها في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي يمكن أن يورّط حلفاء الأطراف المعنية، مثل روسيا وأميركا. ومع تراجع نفوذ روسيا، بسبب أولوية أوكرانيا لديها، والعقوبات الغربية التي أثّرت على قدرة موسكو على دعم حليفتها دمشق، التي تعاني هي الأخرى جرّاء عقوبات أميركية، تبرز إيران باعتبارها اللاعب الرئيسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدخّل إسرائيلي كبير. وكانت الحرب في أوكرانيا، التي أجبرت موسكو على إعادة تخصيص مواردها وإعادة تركيز طاقاتها، السبب الرئيس للتراجع النسبي للنفوذ الروسي في سورية.
كان لروسيا وجودٌ متعدّد الأوجه في سورية دور عسكري بوجود قوات على الأرض، ودور دبلوماسي فريد، إذ توسّطت للتوصل إلى اتفاقات بين أصحاب التأثير الذين لم يكن لديهم أيّ اتصال مباشر، مما عزز نفوذها، وكان الاتفاق على عودة القوات الحكومية إلى الجنوب في عام 2018، نتيجة الجهود الروسية. تكثيف إسرائيل ضرباتها ضدّ المجموعات المدعومة من إيران في سورية، منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يأتي مع تحوّل رئيس في السياسة الإسرائيلية، فهي لم تعد تخبر روسيا، داعمة سورية، مسبقاً بأي هجمات على الأراضي السورية، وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، بحسب وكالة إنترفاكس، إنه، وفيما يمثّل “قاعدة عامة، لا تبلغ إسرائيل روسيا قبل ضرباتها في سورية… نكتشف ذلك بعد حدوثها”. ويؤدّي هذا التغيير إلى تفاقم العلاقات المضطربة بالفعل بين إسرائيل وروسيا، وهناك خطر من ظهور سورية جبهةً جديدةً في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
ظلّ الحفاظ على توازن العلاقات مع الفاعلين الرئيسيين كافّة في الصراع السوري، في مقدّمة الأولويات الروسية، وتمثّل إسرائيل أحد هذه الأطراف الأكثر أهمّية
بعد إرسال روسيا قوات إلى أوكرانيا عام 2022، عزّزت موسكو تحالفها مع إيران، وأصبحت تعتمد عليها في كثير من القدرات العسكرية، مما أدى إلى توتّر العلاقات مع إسرائيل، وكانت الحرب ضد “حماس” في غزّة، والتعاون العميق بين إسرائيل والولايات المتحدة، سبباً في تفاقم التباعد بين الجانبين. ومنذ العام 2011 شنّت إسرائيل مئات الغارات الجوية على أهداف داخل الأراضي السورية، في إطار سعيها لقطع طرق إمداد حزب الله، حليف “حماس”، وقد تزايدت وتيرة هذه الضربات منذ أن بدأت الحرب في غزّة. وتواجه روسيا تحدّياً في سورية أمام اللغز الإيراني الإسرائيلي، فلا يمكنها تجاهل المخاوف الأمنية الإسرائيلية، وتحتاج إلى تعاون تل أبيب في بعض الملفات، وهناك حاجة روسية إلى إيران على الأرض، للحفاظ على نفوذها في المنطقة، لكنّها، في الوقت نفسه، لا ترغب في السماح لطهران بالسيطرة الكاملة على المشهد السوري، ممّا قد يُخلّ بالتوازن ويدفع إسرائيل إلى ردّ فعل عسكريّ أعنف. يعتمد هذا النهج الروسي، أولاً، على حاجة موسكو إلى تركيز موارد كبيرة على الجبهة الأوكرانية، ثانياً، إنّ ظهور التوتّرات في ساحات أخرى مثل سورية يمكن أنّ تحوله قوى أخرى إلى “جبهة ثانية ” ضد روسيا.
لقد اقتربت إسرائيل من الخط الأحمر الروسي في سورية من خلال استهداف البنية التحتية السورية الحيوية، ومع ذلك، فإنّها لم تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها روسيا بشأن أوكرانيا، حيث رفضت إسرائيل نقل الأسلحة الفتاكة إليها، ولم تنضمّ إلى نظام العقوبات ضد موسكو. وتشكّل المواجهة بين إيران وإسرائيل عقبة أخرى أمام حلّ الصراع السوري، فمن ناحية، تحاول روسيا الحدّ من التوتّرات، ومن ناحية أخرى، سمحت لإسرائيل بتدمير المواقع الإيرانية والمدعومة من إيران في سورية، مراراً وتكراراً. واليوم، أدّى التعاون الوثيق بين موسكو وطهران، نتيجة الحرب في أوكرانيا، إلى تعقيد عملية التوازن الروسية بشكل خطير. جعلت الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية التي تلتها، إيران لاعباً رئيسياً في التحايل على العقوبات، بالإضافة إلى ذلك، أصبحت طهران في الأساس طرفاً في الصراع في أوكرانيا بسبب تزويدها روسيا بالطائرات من دون طيّار. باختصار، أصبحت طهران أكثر أهمية بالنسبة لموسكو الآن، مما كانت عليه سابقاً، مما يجعل من الصعب على موسكو ممارسة الضغط عليها. ورغم التحديّات الجمّة التي تحيط بالموقف الروسي، تبقى سورية بالنسبة إلى موسكو ورقة مساومة ثمينة، يمكن استخدامها في المفاوضات مع تركيا وإيران وإسرائيل، وحتى مع واشنطن، أو كأداة للحصول على تنازلِات.