روسيا والإمارات.. علاقات اقتصادية تتسع آفاقها
تشهد العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات العربية المتحدة تطوراً ملحوظاً، مما يجعلها علامة مهمة للتعاون بين القوى الدولية، لا سيما في السنوات الأخيرة التي سجلت فيها هذه العلاقات تعميقاً متزايداً في مجالات متعددة؛ أبرزها الطاقة والاستثمار، وكذلك السياحة، بما يعكس التفاهم الاستراتيجي بين البلدين.
في قطاع الطاقة، تُعد الإمارات شريكاً رئيسياً لروسيا في إطار تحالف “أوبك بلس”، حيث ينسق البلدان جهودهما لضمان استقرار سوق النفط العالمية، وهو عامل أساسي في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية. هذا التعاون يسهم بدوره في تعزيز قدرة الطرفين على التكيف مع التغيرات في أسعار النفط وتقديم حلول مشتركة تلبي مصالح الطرفين في إطار التحالف.
من ناحية أخرى، أصبحت الإمارات وجهة مهمة للاستثمارات الروسية، حيث تحتضن أسواق الأمارات أكثر من أربعة آلاف شركة روسية، كم بلغ عدد العلامات التجارية الروسية المسجلة في دولة الإمارات نحو 650 علامة. ووجدت الشركات الروسية بيئة آمنة ومستقرة لاستثماراتها في دولة الإمارات بالإضافة لكونه سوقاً جذاباً، سواء في قطاع العقارات أو في المجالات التكنولوجية المتطورة، إضافة إلى النقل والتخزين وقطاع التعليم والأنشطة المالية والتأمين، فضلاً عن الأنشطة المهنية والعلمية والتقنية.
هذا التحول يعزز مكانة الإمارات كمنصة إقليمية رائدة لجذب الاستثمارات الدولية، مع استمرار تدفق رأس المال الروسي إلى الدولة.
في قطاع السياحة، تظل الإمارات وجهة مفضلة رئيسية ومتصدرة للسياح الروس، حيث تربط البلدين علاقات سياحية وثيقة تتزايد باستمرار، مما يعزز التواصل الثقافي والاقتصادي بين الشعبين.
كما تمثل استثمارات الإمارات في روسيا أكثر من 80 بالمئة من إجمالي حجم الاستثمارات العربية، يتركز معظمها في قطاعات الغاز والنفط والخدمات اللوجستية في روسيا، فضلاً عن تطوير الموانئ وتطوير البنية التحتية، وغيرها من القطاعات الحيوية.
ينعكس هذا التعاون في القطاعات التجارية غير النفطية، حيث يتسارع النمو في التبادل التجاري، مدفوعاً بالتوجه نحو تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة التعاون الثنائي.
على الصعيد السياسي، يُعد هذا التعاون الاقتصادي امتداداً للعلاقات السياسية المتينة بين البلدين، ذلك أن الإمارات تتبنى سياسة خارجية قائمة على التنوع في الشراكات الدولية، وهو ما يعزز مكانتها كشريك موثوق لروسيا في منطقة الخليج. في المقابل، ترى روسيا في الإمارات بوابة مهمة نحو الأسواق الخليجية والعربية، ما يجعل هذه العلاقة أكثر أهمية في ظل التحديات الجيوسياسية العالمية.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أكد في تصريحات لـ “سكاي نيوز عربية”، الجمعة، أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى روسيا ستكون زيارة مثمرة. وقال بوتين في رده على سؤال من مدير عام سكاي نيوز عربية نديم قطيش، خلال ندوة مع رؤساء وسائل إعلام من دول البريكس، إن روسيا تجمعها علاقات طيبة مع دولة الإمارات.
وتابع الرئيس الروسي: “علاقاتنا الإقتصادية تتطور مع الإمارات وهذا يظهر من خلال ارتفاع حجم التبادل التجاري. كما لدينا صندوق استثماري يعمل بشكل ممتاز، وهذه معطيات أساسية في العلاقات الثنائية”.
وأضاف بوتين أنه وبشأن قضايا الشرق الأوسط فإن موسكو تأخذ مواقف أبوظبي بعين الاعتبار. ومن جانب آخر، أشار بوتين إلى الدور الذي لعبته الإمارات في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
علاقات قوية
خبير العلاقات الدولية والأستاذ بجامعة لوباتشيفسكي الروسية، الدكتور عمرو الديب، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
دولة الإمارات العربية المتحدة تُعد من أهم دول العالم التي لديها علاقات سياسية ودبلوماسية، وأيضاً بالطبع اقتصادية مع روسيا، في السنوات الأخيرة.
الشيخ محمد بن زايد، هو الرئيس الدولي الوحيد خارج منطقة الاتحاد السوفيتي الذي التقى بالرئيس بوتين أكثر من في السنوات الأخيرة (..) هذا الأمر يدل على قوة ومتانة هذه العلاقات، بما في ذلك العلاقات الشخصية بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس بوتين.
ويقول الديب إن انضمام الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة البريكس يُعد إضافة كبيرة جدًا، ويمكن أن يُعزز التواصل الاقتصادي بين البلدين ويزيد من نشاط المجموعة على المستوى الدولي، ذلك أن دخول الإمارات أعطى الضوء الأخضر لعديد من دول العالم للرغبة في الانضمام إلى هذه المجموعة بشكل أو بآخر.
وتشهد العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات نمواً متسارعاً في قطاعات حيوية، ما يعكس الرغبة المشتركة في تعزيز الشراكات الثنائية وتوسيع قاعدة التعاون لتشمل مجالات جديدة ومتنوعة، في ظل تطورات المشهد الدولي وتحولات السياسة العالمية.
بوتين يعين ممثلا خاصا للتعاون مع دول مجموعة “بريكس”
وبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية. وهي الزيارة التي يبحث خلالها مع الرئيس فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الاتحادية، مختلف أوجه العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها خاصة في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة وغيرها وذلك في إطار الشراكة الإستراتيجية التي تجمع البلدين إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
كما يشارك رئيس دولة الإمارات خلال الزيارة في أعمال القمة الــ 16 لقادة دول مجموعة “بريكس” التي تستضيفها مدينة قازان الروسية خلال الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر.
بحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن التجارة بين البلدين تضاعفت ثلاث مرات في السنوات الثلاث الماضية، موضحاً – في تصريحات نُشرت على موقع الكرملين الأحد- أن الاستثمارات بين بلاده ودولة الإمارات بلغت 7 مليارات دولار.
شراكة واسعة
من جانبه، يشير الأستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى روسيا ذات أهمية كبيرة؛ ذلك أن روسيا والإمارات شريكان اقتصاديان بارزان.
ومن أبرز مجالات التعاون بينهما التنسيق في مجال الطاقة، حيث إنهما شريكان في مجموعة “أوبك بلس” ويلعبان دوراً كبيراً في استقرار أسعار النفط. كما تؤدي الإمارات دوراً هاماً في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، خاصة في مجال تبادل الأسرى.
ويستطرد القليوبي: على الصعيد الاقتصادي، تعتبر الإمارات الوجهة الرائدة للاستثمارات الخارجية الروسية، لا سيما في مجالي العقارات وتكنولوجيا المعلومات، حيث تجد الشركات الروسية في الإمارات ملاذاً آمناً ومستقراً لاستثماراتها بعيداً عن العقوبات الغربية وحالة الرهاب من الروس في أوروبا والغرب.
يشار في هذا السياق إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90 بالمئة من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، بحسب تقرير سابق لوكالة الأنباء الإماراتية.
إضافة إلى ذلك، يتعاون البلدان في مجال السياحة؛ إذ تُعد الإمارات من الوجهات الرائدة للسياحة الخارجية الروسية، إلى جانب تركيا ومصر وتايلاند، حيث تنطلق عشرات الرحلات الجوية يومياً من روسيا إلى تلك الدول، خاصة إلى دبي التي تُعد الوجهة السياحية الرئيسية في الدولة.
وسجل التبادل التجاري -غير النفطي- بين البلدين ارتفاعاً من 13 مليار درهم في العام 2014 وصولاً إلى 40.2 مليار درهم العام الماضي.
وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية، فإنه في العام 2022 كان حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين قد سجل قفزة قياسية بنسبة بلغت 108 بالمئة وصولاً إلى 39.6 مليار درهم، مقارنة بـ 19 مليار درهم في العام 2021. كما أنه في الفترة من 2010 وحتى العام الماضي، بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نحو 204 مليار درهم.
أما على الصعيد السياسي، يلفت الأستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، إلى أن الإمارات تسعى إلى تبني سياسة خارجية مستقلة في علاقاتها مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. كما أن المشاركة في “بريكس” توفر للإمارات فرصة للحوار مع قادة الدول الكبرى مثل روسيا والهند والبرازيل والصين بعيدًا عن الهيمنة الغربية.
ملفات مشتركة
وإلى ذلك، يقول الكاتب والباحث الروسي، ديمترى بريجع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن العلاقات بين روسيا والإمارات العربية المتحدة تشهد تحسناً ونمواً مستمرة؛ خاصة في الجوانب الاقتصادية والتجارية.
ويضيف: “هناك استراتيجيات واهتمامات وملفات مشتركة بين البلدين في ظل التغيرات الحاصلة في السياسة الدولية، وكذلك فيما يتعلق بقمة البريكس”، لافتاً إلى أن الإمارات تولي أهمية كبيرة لأن تكون شريكاً مهماً لروسيا في مجالات الطاقة والتعليم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى تبادل الخبرات في مختلف المجالات.
ويستطرد:
هذه العلاقات تُعدّ بداية هامة لتحول شامل في منظومة البريكس، التي قد تلعب دوراً بديلاً في نظام عالمي متعدد الأقطاب.
هذه التطورات تمثل بداية لعالم متعدد الأقطاب، حيث يمكن أن تكون البريكس جزءاً من هذا التشكل.
زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى روسيا تُعد تطوراً استراتيجياً هاماً، خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تواجه البلدين.
العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وروسيا شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات الطاقة والاستثمارات والتكنولوجيا، وهذه الزيارة تحمل دلالات عميقة على استمرار هذا النمو في الشراكات الاقتصادية.
ويقول إن أهمية هذه الزيارة تكمن في عدة جوانب؛ أولاً، الإمارات وروسيا تعدان من كبار اللاعبين في سوق الطاقة العالمية، وتعاونهما ضمن إطار منظمة فيما يعرف بتحالف “أوبك+” كان أساسياً في تحقيق توازن في أسواق النفط، خاصة خلال فترات التقلبات في الأسعار. كما أن هذه الزيارة قد تشهد تعزيز التعاون في هذا القطاع، بما في ذلك الاستثمارات المشتركة في مشاريع الطاقة البديلة والنفط والغاز.
ثانياً، تبرز أهمية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، حيث تستثمر الإمارات بشكل متزايد في السوق الروسية، خاصة في قطاعات البنية التحتية والتكنولوجيا. كما أن روسيا تعتبر الإمارات بوابة رئيسية لدخول أسواق الخليج والشرق الأوسط. من المتوقع أن يتم خلال الزيارة بحث سبل تعزيز الاستثمارات الروسية في الإمارات، بما في ذلك قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الزراعية، والخدمات اللوجستية.
ثالثاً، في السياق الجيوسياسي، تأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات هامة. العلاقات الروسية مع الغرب أصبحت أكثر تعقيداً، وبالتالي تسعى روسيا لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج مثل الإمارات لتعويض بعض من العواقب الاقتصادية والسياسية التي تواجهها. وفي المقابل، الإمارات تستفيد من تعزيز علاقاتها مع قوة عالمية كروسيا، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في الشرق الأوسط، بحسب بريجع.