روسيا تكثف حملتها على أوكرانيا: الحل ليس بمتناول اليد

أدّى الهجوم الأوكراني الواسع على الأصول العسكرية الروسية، إلى تصعيد الضربات الروسية داخل أوكرانيا، وسط تعثر المفاوضات، وتردد أميركي في فرض عقوبات على موسكو.
كتبت ريم هاني, في الأخبار:
موسكو | شكّل الهجوم الأوكراني واسع النطاق على الأصول العسكرية الروسية، بداية الشهر الجاري، نقطة تحوّل في «وتيرة» الهجمات الروسية الجوية في عمق الأراضي الأوكرانية، لا سيّما وسط استمرار تعثّر المفاوضات بين الطرفين، «وتململ» أميركي من الضغط لاستئنافها. ومع بروز مؤشرات إلى إمكانية تنشيط المحادثات الأميركية – الروسية، وتمنّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن فرض عقوبات على روسيا، فإنّ بعض المراقِبين في موسكو لا يرون، حتى اللحظة، في أداء إدارة ترامب فرصة فعلية لـ«حلحلة» المشاكل الجذرية بين روسيا من جهة، «والمعسكر الغربي» من جهة أخرى.
وعقب هجوم روسي وصفه البعض بأنّه «ثاني أكبر ضربة» منذ بداية الحرب، فجر الخامس من الجاري، والذي شمل نحو 407 طائرات مسيّرة و40 صاروخ كروز وستة صواريخ باليستية على بلدات ومدن في جميع أنحاء أوكرانيا، شنّت القوات الروسية، ليل الأحد – الإثنين، هجوماً أكبر، بنحو 500 طائرة مسيّرة وصاروخ، طبقاً لما أعلنته السلطات الأوكرانية، مقرّةً بتسجيل «10 ضربات» كحدّ أدنى نتيجة الهجوم.
ويأتي هذا الأخير، على الأغلب، ردّاً على ما قالت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، إنه هجوم أوكراني بأكثر من 100 طائرة مسيّرة على مناطق عدّة في روسيا، أدّى إلى «إصابة طفل واشتعال حرائق»، بحسب وكالة «تاس» الروسية للأنباء. وأعقب هجومَ الإثنين آخرُ ليل أمس، بواسطة 315 طائرة مسيّرة، في ما وصفه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأنه «واحد من أكبر الهجمات على العاصمة كييف».
في الميدان
يقترن التصعيد الجوي بحديث مصادر روسية وأخرى غربية عن تقدّم روسي ميداني غير مسبوق منذ بداية الحرب قبل ثلاث سنوات؛ إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أنّه جنباً إلى جنب عبور الحدود الغربية لـ«جمهورية دونيتسك الشعبية»، يتقدّم جنود روسيّون داخل منطقة دنيبروبيتروفسك، الواقعة في شرق وسط أوكرانيا، وهي منطقة كانت تحت السيطرة الأوكرانية طوال مدّة الحرب.
وتعقيباً على ذلك، ورد في تقرير نشرته صحيفة «ذا تايمز» البريطانية أنّ دخول تلك المنطقة سيكون بمثابة «ضربة معنوية واستراتيجية كبيرة لأوكرانيا، رغم أنّ قوات الدفاع الجنوبية في كييف قالت، عبر (تلغرام)، إنّ جنودها يحتفظون بشجاعة ومهنية بقسمهم من الجبهة». وأشار التقرير إلى أنّه تمّت في الأيام الماضية، السيطرة على عدّة قرى حدودية في منطقة سومي الشمالية الشرقية، بما في ذلك لوكنيا ويوناكيفكا، وهي المناطق التي كانت القوات الأوكرانية قد استعادت السيطرة عليها عقب هجومها المضاد عام 2022.
وتزامن التقدّم الروسي في الميدان مع تهويل «أوكراني» من أنّ روسيا قد تسعى للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية، في حال استمرّت وتيرة القتال على ما هي عليه. وأصدرت السلطات في كييف، أخيراً، «خريطة» تظهر «خططاً روسيّة للاستيلاء على نصف أوكرانيا بحلول العام المقبل»، على حدّ تعبيرها، فيما أكّد نائب رئيس المكتب الرئاسي الأوكراني، بافلو باليسا، أنّ «خطة روسيا للعام المقبل هي احتلال الجزء بأكمله من أوكرانيا الواقع على الضفة اليسرى لنهر دنيبر، واحتلال منطقتَي أوديسا وميكولايف لقطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود».
لا تزال العلاقات الروسية – الأميركية محكومة ببنية صدامية عميقة، تتجاوز تبدّل الإدارات والرؤساء
وردّاً على سؤال حول مدى صحة هذه الادّعاءات، يرى ديميتري بريجع، الباحث ومدير «وحدة الدراسات الروسية» في مركز «الدراسات العربية الأوراسية»، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ تصريحات كييف الأخيرة هي «تعبوية»، و«تندرج في سياق الحرب النفسية والإعلامية التي تهدف إلى استدراج المزيد من الدعم الغربي، خصوصاً في ظلّ تصاعد التململ الأوروبي وتراجع الحماسة الشعبية الأميركية تجاه تمويل الحرب»، مضيفاً أنّ «روسيا لا تسعى لاحتلال أوكرانيا كلّياً، بل لمنع تحوّلها إلى قاعدة عمليات غربية معادية على حدودها الغربية»، أو بمعنى آخر «تحييد أوكرانيا وضمان أمن السكان الروس في دونباس، وفرض وقائع ميدانية تجعل من المستحيل إعادة أوكرانيا إلى موقعها كأداة أميركية في مشروع تطويق روسيا».
وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ «القيادة العسكرية الروسية أظهرت في الآونة الأخيرة ميلاً نحو استراتيجية (الاستنزاف الذكي)، التي تدمج بين الضربات الجوية الدقيقة، والحرب السيبرانية، وحصار الممرّات اللوجستية الغربية». وبالنظر إلى المعطيات الميدانية، «فإنّ المبادرة لا تزال في يد روسيا، خصوصاً في الجبهات الشرقية والجنوبية، إذ تواصل قواتها تحصين مواقعها وتوسيع نطاق سيطرتها بشكل تدريجي ولكن ثابت»، بحسب بريجع، الذي يؤكّد أنّ «الهجوم الأوكراني الأخير، من غير المرجّح، أيضاً، أنّ يشكّل «نقطة انعطاف استراتيجية في مسار الحرب، رغم الضجيج الإعلامي الذي رافقه».
أمّا في ما يتعلّق بالرّد الروسي، فيوضح الخبير أنّه لن يكون محصوراً بتكثيف الضربات على المنشآت العسكرية والمصانع والمراكز الهامة لدى أوكرانيا فحسب، بل سيشمل «توسيع العمليات في الجبهة الشرقة والجنوبية، والعمليات السيببرانية والاستخباراتية، جنباً إلى جنب ضرب الممرّات اللوجيستية الغربية».
العلاقات الروسية – الأميركية
وإذ يلوّح ترامب، بين الحين والآخر، بأنّ صبره «قد بدأ ينفد» إزاء الملف الأوكراني، مهدّداً حتى بفرض عقوبات على موسكو، إلا أنّ مصادر إعلامية أميركية، من ضمنها «وول ستريت جورنال»، نقلت عن مصادر مطّلعة قولها إنّ مكتب ترامب ومسؤولين آخرين في الإدارة، كانوا يتّصلون، بهدوء، بمكتب السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، في محاولة لإقناعه بالتخفيف من حدّة مشروع قانون العقوبات الذي كان قد اقترحه، في وقت يسعى فيه البيت الأبيض لإصلاح علاقته مع موسكو، ويخشى ترامب من جهته، من أن تؤدّي مثل تلك الخطوة «إلى الإضرار بهدفه المتمثّل في إحياء العلاقات بين البلدين».
والأربعاء الماضي، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسيسيبي، روجر ويكر، إنّ ترامب طلب من مجلس الشيوخ تأجيل التصويت على مشروع القانون، الذي يشمل فرض تعريفة بنسبة 500 في المئة على الواردات من أي دولة تشتري النفط والغاز واليورانيوم وغيرها من المنتجات الروسية، وفرض عقوبات على المؤسسات المالية المرتبطة بالحكومة الروسية، وغيرها من الإجراءات.
على أنّه رغم «مبادرات» ساكن البيت الأبيض، فقد كان لافتاً إعلان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أنّ روسيا والولايات المتحدة ستعقدان جولة ثالثة من المحادثات «قريباً جداً»، لمناقشة الأمور الثنائية التي وصفها بـ«المزعجة». وقال الدبلوماسي الروسي الكبير للصحفيّين: «مع اقتراب الجولة الثالثة من المحادثات الثنائية بشأن الملفات المُزعجة، يبقى من السابق لأوانه الكشف عن الموعد المحدّد»، ولكن «نأمل أن تعقد في وقت قريب جداً». وأشار ريابكوف إلى أنّ «المحادثات ستتطرّق إلى مجموعة كاملة من القضايا، بعضها معقّدة جداً والبعض الآخر أقل، رغم أنه لا يمكن الحديث عن قضايا (أقل تعقيداً)، عندما يتعلّق الأمر بالولايات المتحدة».
وفي محاولة لشرح طبيعة العلاقات الروسية – الأميركية في عهد ترامب، على ضوء التصريحات المشار إليها، يؤكّد ديميتري بريجع، أنّه بالإمكان القول إنّ «هذه العلاقات لا تزال محكومة ببنية صدامية عميقة، تتجاوز تبدّل الإدارات والرؤساء»، مشيراً إلى أنّه «في موسكو، لا يُنظر إلى حقبة ترامب على أنها فرصة للتقارب، بل كمثال صارخ على محدودية تأثير الرئيس الأميركي على مؤسسة الحكم والدولة العميقة في الولايات المتحدة، لاسيّما في قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية»، مضيفاً أنّه رغم أنّ الخطاب العلني لترامب، بدا في بعض المحطات أكثر مرونة تجاه موسكو، إلا أنّه «لم يكن كافياً لكسر جدار العداء المؤسّسي الأميركي الذي تنسجه دوائر الضغط، ومجمّع الاستخبارات والبنتاغون والكونغرس والماكينة الإعلامية الغربية».
ومن هنا، فإنّ حديث ريابكوف عن «غياب الملفات غير المعقدة» يعكس، طبقاً لصاحب الرأي المتقدّم، «إدراكاً روسيّاً لكون التناقض الجذري مع واشنطن لا يتعلّق بالخلافات على أرضيات محددة فقط، بل يرتبط بتصوّر كل طرف للنظام الدولي وحدوده».