رأي

رسالة إلى واشنطن: لسنا أعداءً للصين

جاء في مقال للكاتب رامي خليفة العلي في صحيفة “عكاظ”:

في حديثه أمام الكونغرس الأمريكي في الرابع والعشرين من شهر آذار/ ‏مارس الماضي، تحدث الجنرال مايكل كوريلا -قائد القيادة المركزية الأمريكية- عن الاستراتيجية الأمريكية في حال أي مواجهة محتملة مع الصين. الجنرال يتحدث عن استعداد القوات الأمريكية لخنق الاقتصاد الصيني وتعريض الأمن الصيني للخطر من خلال قطع إمدادات الطاقة القادمة من منطقة الشرق الأوسط. ولكن كيف يتم ذلك؟ الجواب عبر إغلاق الولايات المتحدة للمضائق التي تمر منها إمدادات الطاقة؛ وعلى رأسها مضيق باب السلام ومضيق ملقا في جنوب شرق آسيا، حيث تمر واردات الصين وصادراتها. الولايات المتحدة الأمريكية لها الحق أن ترسم استراتيجيات أمنية ودفاعية بالطريقة التي تراها مناسبة، ولكن المنطق الذي تحدث به الجنرال كوريلا عن دول المنطقة هو الذي يثير الكثير من الاستغراب، عندما يتحدث عن إرثٍ من التحالف، ناسياً أو متناسياً أن الولايات المتحدة، وعلى امتداد سنين خلت، عملت من أجل التحلل من متطلبات هذه التحالفات التي أشار إليها. منذ وصول الرئيس الديمقراطي باراك أوباما اعتبر أن منطقة الشرق الأوسط ليست بتلك الأهمية، وأن أولويات إدارته هي المحيط الهادئ وبحر الصين، فبدأت الإدارات الأمريكية اللاحقة بتركيز جهودها على بناء التحالفات هناك، ومن ثم حاولت أن تقلص وجودها العسكري عبر الانسحاب من العراق وإجراءات أخرى لخفض عدد الجنود الأمريكان المتمركزين في هذه المنطقة، ثم بدأت بالتحلل السياسي عندما أصبح دورها في قضايا متفجرة محدوداً، بل وأعطت الضوء الأخضر لقوى دولية ليكون لها موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها روسيا التي أصبحت هي اللاعب الأبرز في سوريا على سبيل المثال. بل إن الرسالة الأكثر وضوحاً لدول المنطقة بأن عليها أن تنسى التحالف مع الولايات المتحدة وأن تبحث عن ترتيبات لأمنها القومي خارج الإطار السابق. حتى مع وصول إدارة جمهورية تمثلت بالرئيس دونالد ترمب بدا أن التوجه المشار إليه هو توجه استراتيجي يتجاوز التباينات الحزبية في واشنطن، مع بعض التحركات التي تتناسب مع شخص الرئيس ترمب ولكنها لا تغيّر في جوهر التوجه الأمريكي.

ما تحدث عنه الجنرال مايكل كوريلا هو ذروة العمل الأمريكي الذي حاول احتواء الصين على امتداد السنوات القليلة الماضية، وبناء تحالفات تحيط بالصين كإحاطة السوار بالمعصم، الحرب في أوكرانيا التي وضعت روسيا في الخندق نفسه مع الصين في مواجهة التحالف الغربي أظهرت لصانع القرار في واشنطن أن هذه المنطقة لم تفقد أهميتها، ولكن هذا الإدراك جاء متأخراً، فهذه الدول بدأت تضع مصالحها الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية والتنموية كأساس لبناء علاقاتها الدولية وهذا حق لكل الدول، حاول بايدن، في الصيف الماضي، أن ينقذ ما يمكن إنقاذه ولكن محاولاته باءت بالفشل. لا يوجد أحد في منطقة الشرق الأوسط معني بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية فبيننا مصالح مشتركة راسخة، ولكن بالمقابل لا أحد من هذه الدول معني بمناصبة بكين العداء فلدينا مصالح لا تقل أهمية، الرسالة الواضحة أن دول المنطقة ليست معنية بالعودة إلى تموضعات الحرب الباردة التي تسير إليها واشنطن بسرعة فائقة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى