حكاية ملفات التنصت في العراق
كتب سمير داود حنوش, في “العرب”:
هذه الفضائح لن تكون الأولى في حقبة ما بعد 2003 ولن تكون الأخيرة بعد أن تعودنا الصحو على جرائم تنصت وتجسس لسياسيين وأحزاب تتصارع مع بعضها على منافع السلطة ومغانمها.
سلاح جديد بأدواته من التكنولوجيا المستحدثة التي من المفترض أن تكون موجهة ضد خصوم الوطن وأعدائه التقليديين، بدأت تستخدمه الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية في ما بينها لإسقاط بعضها في ضربات سياسية تحت الحزام، مما يكشف عورة النظام السياسي في العراق وتساقط أوراقه وصولاً إلى ورقة التوت الأخيرة.
لم تكد ذاكرة العراقيين تنسى فضيحة التجسس أو الابتزاز في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وخيوط تلك الفضيحة التي تورطت فيها شخصيات مهمة في مكتب رئيس الوزراء حين تم إلقاء القبض عليهم، بعد أن ازدادت أعداد ضحاياها من برلمانيين ومسؤولين حكوميين وقادة وزعامات حتى في الإطار التنسيقي الداعم لحكومة السوداني. والمفارقة أن القائمة لم تخلُ من التنصت على مرجعيات دينية، حتى استيقظ العراقيون على فضيحة أخرى أبطالها مسؤولون سابقون في مجلس محافظة ذي قار (الناصرية) جنوب العراق لابتزاز مسؤولين حاليين في دوائر المحافظة والبلدية عبر صور ومقاطع مسجلة دون علم الأطراف المعنية. حادثة لم تُثر انتباه العراقيين أو تُسجّلها ذاكرتهم في سجل الأحداث التي تشهدها أيامهم العصيبة لأنهم تعودوا على الصدمات التي لم تعد تصدمهم. ترافقت هذه الحادثة مع حادثة التسجيلات المسرّبة التي توثق تلقي رئيس هيئة النزاهة في العراق حيدر حنون رشى والقيام بأعمال غير مشروعة في التربّح عن طريق استغلال منصبه.
◄ ربما تُستحدث طرق جديدة من التسقيط السياسي، لكن الأمور لن تستمر إلى ما لا نهاية بعد أن كشف الشعب خديعتهم ولن يحتاج إلى جهاز تنصّت ليكشف خداعهم
هزات سياسية أحدثت شرخاً بين شركاء العملية السياسية حتى راحت بعض المصادر تتحدث أنه ربما سنكتشف في قادم الأيام، وهي في أمر المؤكد، شبكات تجسس وتنصت في محافظات عراقية أخرى أو في وزارات أو حتى بين أروقة أجهزة أمنية لغرض استفادة الأعداء منها، بعد أن أصبح سلاح التنصت من الأسلحة الفعالة التي تطيح بالشركاء قبل الاستعانة بقوى خارجية للإطاحة بهم.
بات على المسؤول العراقي أن يراقب تحركاته ويدرك أنه مُراقب حتى وإن كان في غرفة نومه، وإذا كان هذا حال المسؤول في عدم الاستقرار وافتضاح أمره، فكيف سيكون حال المواطن الذي لا حول له ولا قوة؟ لا يدرك هؤلاء أن وسيلة إسقاط الخصوم والمنافسين عن طريق التنصت بداية النهاية لانهيار النظام السياسي على رؤوس كهنته، لأنه يؤسس لمرحلة من عدم الثقة بين الأطراف السياسية ويؤدي إلى خاتمة مأساوية للعملية السياسية.
لا زالت الذاكرة تحتفظ بما سبّبه مأزق التسريبات الصوتية لنوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، التي اتهم فيها شركاءه المقربين وحلفاءه بشتّى الاتهامات، وكاد ذلك المأزق والتوتر الذي تصاعد بين المالكي وبعض الشركاء يطيح بالمعبد السياسي لولا تدخل خارجي وتطويق الأزمة والعمل على تذويبها.
هل دخلنا في عالم جديد من الجاسوسية السياسية لإسقاط الخصوم، أو طريقة مبتكرة للصراع السياسي للإطاحة بالشركاء؟ مؤكد أن تلك الفضائح لن تكون الأولى في حقبة ما بعد 2003 وبالتأكيد لن تصبح الأخيرة بعد أن تعودنا أن نصحو على جرائم تنصت وتجسس لسياسيين وأحزاب تتصارع مع بعضها على منافع السلطة ومغانمها.
◄ هزات سياسية أحدثت شرخاً بين شركاء العملية السياسية حتى راحت بعض المصادر تتحدث أنه ربما سنكتشف في قادم الأيام، وهي في أمر المؤكد
المفارقة، وفي ظل ما يعيشه العراق من حروب التنصت والتجسس والابتزاز الإلكتروني، أصدر الاتحاد الدولي للاتصالات تقريره الجديد حول مؤشر الأمن السيبراني العالمي 2024، والذي أظهر دولاً عربية متقدمة في ذلك العلم تتقدمهم في المرتبة الأولى الإمارات والسعودية ومصر وقطر، حيث بلغت عدد نقاطها 100 في المئة في متطلبات الأمن السيبراني، فيما حل العراق إلى جانب لبنان وموريتانيا وجيبوتي والصومال وفلسطين والسودان في المرتبة الرابعة، مما يؤكّد أن هذا البلد ما زال “يحبو” في هذا العلم، ومن الممكن اعتبار العراق في هذه المرتبة فضيحة إذا ما قورنت إمكانياته المادية وانفتاحه على الدول المتطورة الأخرى.
لا يخفي بعض السياسيين خوفهم وقلقهم من أجهزة الموبايل الحديثة التي ترافقهم، حتى راح البعض يطالب بأن تكون أجهزة الموبايل البديلة تلك التي لا تحمل تكنولوجيا متطورة أو من النوع البسيط لكي لا يُستهدف صاحبها في جرائم التنصت.
نعم، ربما تُستحدث طرق جديدة من التسقيط السياسي، لكن الأمور لن تستمر إلى ما لا نهاية بعد أن كشف الشعب خديعتهم ولن يحتاج إلى جهاز تنصّت ليكشف خداعهم وصراعهم في ما بينهم من أجل مصالحهم ومنافعهم الشخصية. بالمحصلة، سيستنفد هؤلاء كل طرقهم وتجاربهم الفاشلة في ما بينهم، حيث لن تستطيع أميركا حماية نظامهم ولن تحمي إيران شخوصهم.