اقتصاد ومال

حرب الدعم والتسهيلات بين واشنطن وحلفائها تتصاعد.

منذ اعتمدت الولايات المتحدة قانون خفض التضخم وغيره من قوانين تقديم الدعم والتسهيلات للشركات والأعمال العام الماضي، مما أضاف مئات المليارات للحوافز والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الأميركية للشركات والأعمال كي تنقل أعمالها إلى أميركا، يتصاعد الغضب من الحلفاء في أوروبا وآسيا على الأخص.

بعد سنوات من استغلال الولايات المتحدة نفوذها في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للضغط على حكومات دول العالم من أجل إلغاء أي شكل من أشكال الدعم للشركات والأعمال أو التسهيلات الضريبية، يعتبر الحلفاء في أوروبا وآسيا تصرف إدارة الرئيس بايدن “نفاقاً” واضحاً، كما تقول صحيفة “الفاينانشيال تايمز” في تحقيق موسع لها حول “حرب الدعم”.

ويضمن قانون خفض التضخم ما يصل إلى نصف تريليون دولار (500 مليار دولار) من الدعم للشركات في مجال الطاقة النظيفة وتقديم تسهيلات ضريبية، كما يتضمن قانون العلوم والرقائق الإلكترونية مساعدات ودعم مباشر للشركات في هذا المجال بما يزيد على 52 مليار دولار.

في مؤتمر اقتصادي الشهر الماضي، قال وزير الاقتصاد ونائب المستشار الألماني روبرت هابيك، “إن الأمر يشبه إعلان الحرب”، ولا يقصد الوزير الألماني الحرب في أوكرانيا ولا المناورات العسكرية حول تايوان، إنما حرب الدعم والإعفاءات الضريبية التي تقدمها أميركا للشركات بما يضر بشدة بقدرة حلفائها على المنافسة في سوق حرة مفتوحة.

حمائية أميركية

وترى الولايات المتحدة في تقديم مئات المليارات من الدعم والإعفاءات الضريبية للشركات سبيلاً “لتشجيع التصنيع في المناطق المحرومة” في أميركا، إلا أن شركاء أميركا في أوروبا وآسيا يرون في ذلك إجراءات حمائية مستترة بتشجيع الشركات على الانتقال لأميركا ودفع المستهلكين لشراء ما هو أميركي فقط.

ويقول هابيك في كلمته أمام المؤتمر الاقتصادي في يونيو (حزيران) الماضي، “الأميركيون يريدون السيطرة على صناعة أشباه الموصلات، يريدون السيطرة على صناعة معدات الطاقة الشمسية، يريدون السيطرة على صناعة الطاقة من الهيدروجين، يريدون السيطرة على صناعة تكسير المياه”.

على رغم ما يبدو من حال الوحدة بين الحلفاء في ما يخص الموقف من الحرب في أوكرانيا، تقول الصحيفة إن هناك دعوات تتصاعد في شأن اتخاذ إجراءات انتقامية ضد واشنطن بسبب سياستها الحمائية التي تضر بالمنافسة في سوق مفتوحة.

وتنقل الصحيفة عن مسؤول في برلين قوله “الناس تقول فلنذهب إلى منظمة التجارة العالمية ونثير المشكلة، فأرد عليهم بأننا في حال حرب، وأن هذا ليس الوقت المناسب للدخول في خلاف وشجار مع أكبر حلفائنا”.

وبمرور الوقت، تحول الغضب الأوروبي والآسيوي لدى حلفاء أميركا إلى البحث عن السبل التي تمكن هذه الدول من اللحاق بخطى واشنطن على طريق الدعم والإعفاءات الضريبية والتسهيلات للشركات والأعمال التي توفر قدرة تنافسية.

وأعلنت دول الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها حزم دعم حكومية، بخاصة للشركات والأعمال في قطاعات التكنولوجيا والطاقة النظيفة من أجل جذب الاستثمارات إليها ووقف انتقال الشركات في تلك القطاعات إلى الولايات المتحدة.

سباق غير متوازن

وهكذا، قادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سباقاً متصلاً في شأن تقديم الدعم الحكومي والتسهيلات والإعفاءات الضريبية، وهو ما يتناقض مع حرية السوق والمنافسة، وبحسب تحقيق “الفاينانشيال تايمز” فإن أوروبا تبدو الأكثر تضرراً، لذا تتصرف بطريقة “ما لا يمكنك التغلب عليه، عليك اللحاق به”، أو كما يقول نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد “إذا لم نلحق بالركب، فسيسطون على الصناعات الأساسية ولن نتمكن نحن من ذلك. هذه هي الحقيقة المرة”.

يقول أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة هنريش هاين جينز سوديكوم “أين سيكون مقر التكنولوجيات المستقبلية، من الهيدروجين إلى البطاريات وأشباه الموصلات؟ هذا ما يجري التقرير بشأنه حالياً. الولايات المتحدة اتخذت المبادرة بشأن ذلك الأمر وليس أمام أوروبا خيار سوى رد الفعل. فلا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي”.

وعلى رغم حزم الدعم التي أعلنها الاتحاد الأوروبي ودول في آسيا، إلا أن قدرتها على منافسة الولايات المتحدة في حرب الدعم هذه ليست بالقدر نفسه كما لأميركا، وهذا ما يجعل سباق التنافس غير متوازن، بخاصة أن أغلب تلك الصناعات الجديدة توجد مكوناتها في أميركا أكثر، مما يغري الشركات بنقل كل أعمالها إلى الولايات المتحدة أيضاً لتستفيد من الدعم والتسهيلات.

وحتى قبل قانون خفض التضخم الأميركي كانت الاستثمارات تنساب من الدول الحليفة إلى خارجها، وربما أغلبها إلى الولايات المتحدة، فحسب دراسة للمعهد الاقتصادي الألماني في كولون كانت الفجوة بين استثمارات الشركات الألمانية والاستثمارات الفعلية في البلاد بشكل عام في العام الماضي عند أعلى مستوياتها، ففي مقابل كل استثمار أجنبي مباشر دخل إلى ألمانيا بمقدار 10.5 مليار يورو (11.8 مليار دولار)، خرج استثمار أجنبي مباشر من المانيا بمقدار 135 مليار يورو (151.5 مليار دولار).

ولا يقتصر الأمر على أوروبا، بل إن شركات يابانية مثل “باناسونيك” و”تويوتا” و”هوندا” و”بريدجستون” أعلنت خططاً لمزيد من الإنفاق في الولايات المتحدة بالفعل، وأعلنت شركة “مازدا” الشهر الماضي أنها تبحث مع شركة “باناسونيك” في صفقة تتضمن إنشاء مصانع بطاريات في الولايات المتحدة توفر البطاريات للسيارات الكهربائية، وقالت الشركة اليابانية إن قانون خفض التضخم لعب دوراً في قرارها.

الصين في مركز الحرب

قد لا تستطيع أوروبا ودول آسيا منافسة الولايات المتحدة بحجم الدعم والإعفاءات والتسهيلات التي يمكن أن تقدمها حكوماتها للشركات والأعمال، مع ذلك لا يبدو القلق الأكبر لدى الولايات المتحدة هو الفوز في المنافسة، أو حتى احتمالات تلقي إجراءات انتقامية من حلفائها بإثارة قضية الحمائية والاحتكار والمنافسة لو حتى في منظمة التجارة العالمية، إنما مخاوف أميركا القوية هي من أن إجراءاتها الحمائية تلك قد تدفع بحلفائها للارتماء في أحضان الصين، بخاصة الأوروبيون وهو ما يفشل الهدف الأميركي النهائي بتكوين “تحالف موسع من أصحاب التوجهات المشتركة”، وهو هدف الاستراتيجية الأميركية في مواجهة صعود الصين وروسيا، وهو ما حذر منه مسؤولون أوروبيون مثل مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس العام الماضي.

وتحاول واشنطن تفادي خسارة حلفائها لصالح الصين بطرح التعاون في مجال تطوير سلاسل إمداد جديدة عبر اتفاق المعادن الحرجة الذي تبحثه مع الاتحاد الأوروبي لكن تلك المحادثات طال أمدها من دون نتيجة. وهذا ما جعل الاتحاد الأوروبي في قمته الأخيرة يؤكد اختلاف توجهه بشأن التعامل مع الصين عن التوجه الأميركي، بالإشارة إلى أنه وإن كان يرغب “في التنوع وتقليل الأخطار”، إلا أنه في الوقت ذاته “لا ينوي فك الارتباط أو الانكفاء على الذات”، بل إن الأوروبيين يرون أنه كي يتمكن العالم من تحقيق أهداف مكافحة المناخ بحلول عام 2030 فلا غنى عن تعزيز التعاون مع الصين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى