تونس تمنع الأوروبيين من التهرب من أزمة المهاجرين
كتب مختار دبابي في صحيفة العرب.
تونس توجه رسائل تحذير مبطنة للأوروبيين من أن رفع اليد عن موضوع المهاجرين قد يقابل برفع اليد، والإهمال قد يقابل بإهمال مقابل وأن الحل في العودة إلى اتفاق الشراكة وتنفيذه كحزمة متكاملة.
بدا أن الأوروبيين قد انشغلوا تماما عن قضية الهجرة التي كانت تحتل صدارة الاهتمام سياسيا وإعلاميا. لكن تونس، وهي طرف من الأطراف المتضررة من واقع الهجرة، الذي أهمله الأوروبيون، تريد تصويب الوضع وإعادة لفت الأنظار إلى أزمة المهاجرين.
اتجهت الأنظار نحو التصعيد في غزة، وتجول المسؤولون الأوروبيون هنا وهناك لتأكيد أن الاتحاد الأوروبي موجود وليس طرفا هامشيا، وأنه يمكن أن ينهض بدور دبلوماسي في قضايا الشرق الأوسط، وإن كان أظهر انحيازا كبيرا لإسرائيل في البداية وحاول التراجع تكتيكيا لتسهيل جولات مسؤولي دوله وقادتها.
لكن الملاحظ أن الاتحاد الأوروبي كأنما كان يبحث عن قضية مثل الحرب في غزة ليحتمي بها من مناقشة أزمة الهجرة ويترك الدول المعنية بها تعاني لوحدها، وهي أساسا إيطاليا من الجانب الأوروبي وتونس وبدرجة أقل ليبيا من جنوب المتوسط.
وبقطع النظر عن خلفيات الانشغال الأوروبي بغزة، هل هو بحث عن دور بدا مفقودا أم هروب من التزامات الهجرة أم الاثنان معا، فإن تونس حرصت على توجيه إشارات إلى شركائها الأوروبيين بأنها مستمرة في لعب دورها بمواجهة موجات الهجرة، وأن الطرف الآخر هو المقصر، وهو من أخل باتفاق الشراكة الإستراتيجية، ويريد أن يترك تونس تواجه لوحدها عشرات الآلاف ممن يأتون من أفريقيا جنوب الصحراء بإمكانيات محدودة ودون دعم، وأن الأولى بها أن توظف ما تنفقه في صد الهجرة الشرعية إلى أوروبا على اقتصادها.
ويمكن أن نفهم الإشارات التي أرسلتها تونس في الفترة الأخيرة في سياق لفت الأنظار وتحذير الأوروبيين من أن رفع اليد عن موضوع المهاجرين قد يقابل برفع اليد، وأن الإهمال قد يقابل بإهمال مقابل، وأن الحل في العودة إلى اتفاق الشراكة وتنفيذه كحزمة متكاملة وعدم الأخذ بجزئية وحيدة ثم اتهام تونس بالتقصير والضغط عليها لتقوم بتنفيذ الاتفاق من جانب واحد.
الإشارة الأولى هي قيام وحدات أمنية بإتلاف عدد من المراكب المعدة لعمليات هجرة غير نظامية في إحدى القرى المحيطة بمدينة صفاقس والاشتباك مع المهاجرين وإيقاف عشرين منهم وعرضهم على القضاء بتهم من بينها العصيان.
وهذا يعني أن تونس تستمر في تنفيذ ما عليها من التزامات وفق ما جاء في اتفاق الشراكة من دون أن تحصل على أي دعم خاصة في ما يتعلق بمساعدة قواتها وتجهيزها بالإمكانيات الضرورية للقيام بمهامها.
لكن الإشارة يمكن أن تحمل دلالة أخرى مفادها أن تونس لن تصبر طويلا على التجاهل الأوروبي وعلى نقض اتفاق الشراكة وإهمال التزام بروكسل بتقديم تمويلات واستثمارات لمساعدة الاقتصاد التونسي على استعادة حيويته، وأنها قد ترفع يدها وتترك الآلاف من المهاجرين ممن تقف دونهم ودون ركوب البحر والمخاطرة بالذهاب إلى أوروبا هربا من الظروف الصعبة في جنوب الصحراء ودول الساحل من حروب وانقلابات وإرهاب وجفاف وفقر.
وتعد ولاية صفاقس نقطة انطلاق رئيسية لقوارب الهجرة غير النظامية نحو الجزر الإيطالية القريبة. ويتواجد الآلاف من المهاجرين الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في معتمديات الولاية والمناطق الريفية المحيطة بها في انتظار فرص لعبور البحر المتوسط.
وتكمن إشارة الاهتمام الثانية في استضافة عدد من ممثلي وكالات الأنباء العالمية وأخذهم في جولة بحرية لإطلاعهم على أساليب عمل وحدات الحرس البحري في مراقبة الحدود التونسية ومقاومة الهجرة غير النظامية. ولهذه الإشارة هدف واضح هو التأكيد على أن تونس ملتزمة بدورها، وأن عناصرها منتشرة في مختلف نقاط تهريب البشر، بمعنى إقامة الحجة على الأوروبيين في ظل اتهامات تصدر من مسؤولي الصف الثاني تقول إن تونس لا تقوم بدورها، وإنها تريد أموالا دون جهود.
وقال الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس التونسي العميد حسام الدين الجبابلي في تصريح للوكالة الرسمية (وات) إن “الوحدات البحرية العاملة يتركز جهدها على العديد من المفاصل منها ما يتعلق بحماية السواحل البحرية القريبة من مناطق التسللات، والتدخل على مستوى الأعماق إضافة إلى عمليات النجدة والإنقاذ التي تقوم بها هذه الوحدات، وما يرافقها في عديد الأحيان من اعتداءات من قبل المهاجرين غير النظاميين، حيث تم توثيق وإحصاء العديد من التجاوزات والاعتداءات”.
وتريد تونس من خلال هذه الجولة وبحضور ممثلي وكالات أغلب دول المتوسط أن تغير اتجاه الحملة الإعلامية من اتهام تونس بالتقصير إلى اتهام أوروبا بالتخلي عن التزاماتها ونقض اتفاق الشراكة، وأن تونس غير محجوجة ويمكنها أن تتصرف بما تمليه عليها مصالحها دون حساب للمزايدات.
الإشارة الثالثة على استمرار تونس في القيام بدورها كاملا هي الاجتماع الثلاثي في روما بين وزراء داخلية تونس وإيطاليا وليبيا، والذي أكد على “تضافر الجهود المشتركة للحد من الآثار السلبية للهجرة غير الشرعية، وإيجاد الحلول العملية والعاجلة للبدء في الإعادة الطوعية للمهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية وإعادة دمجهم هناك في إطار حلول تنموية يشارك فيها الاتحاد الأوروبي الذي ستعمل إيطاليا على حثه لتقديم التمويل اللازم” لهذه الجهود.
وتقول الإشارة إن البلدان المعنية بملف الهجرة بما فيها إيطاليا مستمرة في التنسيق السياسي والأمني وإنها تقوم بدورها كاملا، وإن المشكلة الوحيدة هي غياب الاتحاد الأوروبي وتخليه عن دوره في ضخ التمويلات اللازمة لمواجهة الهجرة مثلما أشار إلى ذلك اتفاق الشراكة المبرم مع تونس في يوليو الماضي.
وبالتأكيد فإن تونس تلّمح من خلال هذا التركيز على التقصير الأوروبي في موضوع التمويل إلى عرض الدعم المالي الأوروبي لمصر في صورة استثمارات تصل إلى نحو 10 مليارات دولار ضمن مقاربة دعم شاملة من بينها لعب القاهرة دورا فعالا في صد الهجرة غير الشرعية.
ولا شك أن تونس، التي وعدها الأوروبيون بحوالي مليار دولار على فترات متباعدة شريطة الاتفاق مع صندوق النقد، ستشعر بالغضب من التعامل بالمكيالين، فهي تنهض بدورها كاملا وتقابل بالتجاهل فيما يقدم الأوروبيون رقما كبيرا لمساعدة مصر وقبلها لتركيا.
من حق تونس أن تحصل على إجابة واضحة عن سؤالها بشأن تأخير الالتزام الأوروبي بالاتفاق معها، وهي تريد حلولا عملية تصب في مصلحتها بشكل واضح وفعّال، من دون أن تتخلى عن واجبها في مواجهة تدفقات اللاجئين غير النظاميين، التي زادت الأعباء الملقاة على عاتقها.