شؤون دولية

تقديم موعد «رئاسية» الجزائر يثير جدلاً حاداً في البلاد

احتمالات عدة للقرار أبرزها زيارة تبون المقررة لفرنسا و«حدوث صراع في هرم السلطة»

أحدث قرار الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تنظيم انتخابات رئاسية قبل 3 أشهر من موعدها الدستوري سبتمبر (أيلول) بدل ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي، جدلاً حاداً في البلاد؛ وذلك لعدم وجود أسباب قوية تستدعي قراراً بهذه الأهمية، خصوصاً أن وكالة الأنباء الرسمية أكدت، نهاية الشهر الماضي، أن الانتخابات «ستجري في موعدها المحدد دستورياً».

وطرح مراقبون تساؤلات عدة لمحاولة فهم القرار الذي أعلنته الرئاسة، الخميس، عقب اجتماع تبون مع كبار المسؤولين المدنيين وقائد الجيش، إذ تقرر إجراء الانتخابات في 7 سبتمبر المقبل بصفة مبكرة. فوفق خبير القانون محمد زرفاوي فقد استعمل الرئيس «صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في البند العاشر والحادي عشر من المادة 91 من الدستور»، مؤكداً أن اختصار موعد «الرئاسية» لا علاقة له بما ورد في المواد 94 و95 من الدستور، المنظمة لحالات الاستقالة، وحدوث مانع يحول دون ممارسة الرئيس لمهامه. وذلك في إشارة إلى احتمال أن يكون الرئيس يعاني من مرض ما يحول دون إتمام ولايته. وكان تبون قد أصيب بفيروس «كورونا» في 2020، وقضى أسابيع طويلة في مصحة بألمانيا للعلاج.

من اجتماع إعلان الانتخابات المبكرة (الرئاسة)

وأوضح زرفاوي أن الرئيس «مارس إحدى صلاحياته المقررة دستورياً، والتي لم يجرِ بتاتاً ربطها بالاستقالة، أو عدم الترشح لولاية ثانية».

يشار إلى أن عبد القادر بن قرينة، رئيس حزب «حركة البناء» الموالي للسلطة، أكد الشهر الماضي «وجود فرضية لتأجيل الانتخابات»، من دون أن يقدم تفاصيل، وأشار إلى تأجيل الانتخابات في السنغال.

من جهته، كتب محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية، بخصوص هذا القرار: «أول ما يتبادر إلى ذهني حول قرار عبد المجيد تبون تسبيق موعد الانتخابات هو أنه جاء بمثابة استقالة في شكل رغبة في الانسحاب قبل الموعد لأسباب طارئة، قد تكون صحية أو سياسية»، متوقعاً «حدوث أزمة حادة في هرم السلطة، جعلته يعتقد أن بقاءه في المنصب «لم يعد ممكناً في نظره، وإلا فلماذا يدعو إلى انتخابات مسبقة بـ3 أشهر فقط، إن كان مصمماً على الاستمرار؟».

وفي نظر المحلل السياسي نفسه فإنه «من الممكن أن يحمل هذا القرار خيراً للبلاد، فقط نتمنى أن تتسم الانتخابات الرئاسية هذه المرة بالنزاهة، ما يجعلها بداية لعهد جديد في الممارسة السياسية بالجزائر، بعد أن تبيّن للجميع أن ما بُني على باطل يبقى باطلاً، ولا يزيد إلا في تراكم مشكلات البلاد عوض معالجتها».

وهناك فرضية قوية يجري تداولها لتفسير قرار الرئاسة؛ فتبون منتظر بباريس في زيارة دولة الخريف المقبل، وسفره إلى المستعمر السابق قبل 3 أشهر من الانتخابات سيخلف انطباعاً في الداخل والخارج بأنه ذهب ليأخذ الموافقة منه للترشح»، على أساس أن السردية تقول إن «فرنسا لها اليد الطولى دائماً في اختيار من يرأس الجزائر». علماً بأنه لم يسبق لأي رئيس جزائري أن زار فرنسا عشية استحقاق رئاسي قرر خوضه، ولم يكن وارداً أن يشذ تبون عن القاعدة، وإن كان لم يعلن صراحة أنه يرغب في ولاية ثانية.

وكان الرئيس قد أعطى، نهاية العام الماضي، مؤشرات قوية توحي بذلك، وذلك خلال خطاب ألقاه بالبرلمان. وبعدها بفترة قصيرة أكدت «مجلة الجيش» أن القيادة العسكرية تريده أن يستمر في الحكم، بحجة أن «حصيلة إنجازاته إيجابية»، منذ توليه السلطة في انتخابات 12 ديسمبر 2019.

ومن جهته، قال أحمد ربحي، النائب عن حزب «جبهة التحرير الوطني»، في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إنّ هذا القرار سيادي «حيث يُجيز الدستور له (تبون) تقديم موعد إجراء الانتخابات قبل شهر ديسمبر… الأمر تقني، متعلّق بسير أمور الدولة، حيث كانت نقاشات في الوسط السياسي بسبب تأخر موعد الرئاسيات إلى آخر شهر من السنة».

وأشار النائب ربحي إلى أنّ الأوساط السياسية في الجزائر كانت تتوجّس من تاريخ الرئاسيات في ديسمبر، وهو الشهر الذي تُعدّ فيه ميزانية الدولة، التي يجب تقديمها قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، والتصديق عليها قبل 31 ديسمبر من العام نفسه. وقال ربحي إنّ «التاريخ الأول من ديسمبر كان سيصطدم بعدّة معوّقات تؤثّر على حُسن سير مرافق الدولة، فجاء تقديم تاريخ الانتخابات إلى السابع من سبتمبر 2024، واستدعاء الهيئة الناخبة قبل 3 أشهر، أي في الثامن من يونيو (حزيران) 2024، وذلك طبقاً لمواد القانون العضوي للانتخابات». ورأى النائب الجزائري أن هذا القرار يخدم استمراريّة مؤسسات الدولة، ويحترم المركز القانوني لمنصب رئيس الجمهورية. كما استبعد ربحي أن يكون قرار تقديم موعد الانتخابات سببه رغبة تبون في مغادرة منصب الرئاسة، قائلاً إنّ الأمر «غير مطروح بتاتاً؛ بل الطبقة السياسيّة كلّها تعلم أنّ من مصلحة الجزائر أن يستمر الرئيس تبون لعهدة ثانية». معتبراً أنّ استمرار تبّون في استقبال الطبقة السياسية، خصوصاً استقباله رئيس حزب «طلائع الحريّات»… وما يمثّله من مؤشرات، بأنه «يريد أن يحتوي جميع مكوّنات الطبقة السياسية». وقال إنّ لجان مساندة تبّون تعمل على الولاية الثانية، التي يرى أنه يجب أن يصل إليها «ليقطف ثمار أخلقة الحياة السياسية، واستكمال بناء المؤسسات التي باشرها منذ أن استلم الحكم في ظروف صعبة».

وكان الجنرال اليمين زروال قد أعلن في سبتمبر 1998 تقليص فترة رئاسته، وقال إنه لن يترشح للمرة الثانية. غير أنه بقي في الحكم 7 أشهر أخرى، إلى غاية تسليمه لعبد العزيز بوتفليقة في أبريل (نيسان) 1999، علماً بأن الدستور يتضمن ترتيبات تخص إطلاق انتخابات في حالة استقالة الرئيس. ويومها لم يكن زروال يملك صلاحية اختصار تاريخ الانتخابات، بعكس تبون حالياً، بعد أن أضاف للدستور هذه الجزئية في التعديل الذي أدخله عليه عام 2020، لكنه غير مجبر على ذكر الأسباب. ورغم مرور 26 سنة على قرار زروال، لا يزال الجزائريون يجهلون الأسباب التي دفعته إليه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى