تعميم الفراغ وإخضاع الحاكمية
تحت العنوان أعلاه، كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:
يتنقّل لبنان بين الاستحقاقات من دون أن يتمكّن من الإيفاء بها. يبسّط أحد الوزراء ذلك بالقول إنّ الوسط السياسي كان ينتظر استحقاق مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان والآن ينتظر استحقاق عودة لودريان، وهكذا دواليك… والذي تدور الشكوك حول إمكانية متابعته مهمته بعد الأنباء عن تعيينه على رأس الوكالة الفرنسية المعنية بتنمية منطقة العلا السعودية.
في كل الأحوال يحجب كل استحقاق ما يسبقه. وينتظر الجميع استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية المتأخّر زهاء 9 أشهر، الذي تتدفّق وتتوالد منه الاستحقاقات، أبرزها الذي يشغل البلاد خلال الأسبوعين المقبلين، أي انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع ما يعنيه ذلك من آثار على الوضعين النقدي والمالي، وبالتالي الاقتصادي الاجتماعي. فالخشية هي من تدهور جديد في سعر صرف العملة الذي يشغل الناس، لا سيما أنّ الخبراء كافة يحذّرون منه في شكل علني ومن دون مواربة.
«سكرة» استقرار سعر الصرف لبعض الوقت بسبب تدفّق أموال المغتربين والسيّاح، ستعقبها فكرة غياب سلطة نقدية، ناجم عن غياب السلطة السياسية الدستورية في البلد، وستتبعها حقائق تعميم الفراغ على سائر المؤسسات، الذي بدأ في المؤسسة العسكرية والأمنية وينتظر أن يتفاقم في الأشهر المقبلة. وسبق أن حصل الفراغ في الإدارات في فروعها الحيوية.
ثمة من يعتقد أنّ الحاكمية في هذه الظروف أهم من الرئاسة الأولى في إدارة الأزمة المتوقع ألا تلج الحلول المفترضة للانسداد السياسي الكبير في المرحلة المنظورة المقبلة، لأنّ التسويات الإقليمية والدولية حول لبنان تحتّم إبقاءه في غرفة الانتظار لما يمكن أن يحصل من تسويات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وبين الأخيرة والمملكة العربية السعودية.
هناك شبه استحالة لتعيين بديل لرياض سلامة، نظراً إلى شغور الرئاسة الأولى وغياب حكومة مسؤولة، واعتراض القيادات المسيحية الرئيسة، وتفهّم القيادات الإسلامية رفضها، ما يعني أنّ الشغور في الحاكمية سيحول دون حتى إدارة الأزمة، فتُترك على غاربها من دون أن يقودها أحد باعتبار أنّ رئاستها ستكون مؤقتة مع تشكيك بشرعيتها. فماذا يسمّى كل ذلك غير المزيد من التحلّل في جسم الدولة اللبنانية؟
التحلّل لا ينحصر فقط بعدم قدرة هذه المؤسسات على اتّخاذ القرارات الضرورية والجوهرية في تسيير شؤون الناس، بل يتعدّاه إلى تحوّلها مرمى لكلّ الانتقادات المبرّرة، نظراً إلى أن الصفقات حول تعيين بدائل تؤدي إلى حلول قاصرة وغير شرعية. وما يجري تداوله من سيناريوات في شأن حاكمية مصرف لبنان من مخارج، ومنها الطلب إلى رياض سلامة ونوابه تصريف الأعمال ريثما يتم تعيين البديل في شكل شرعي ودستوري بعد انتخاب الرئيس الجديد، يعني أنّ أي قرارات يتّخذها من يتولون تصريف الأعمال ستكون معرّضة للتشكيك بقانونيتها، وستكون في كل الأحوال قاصرة عن معالجة ما يواجهه البلد، ومدعاة للمزيد من النقمة على الحاكم والهيئات المصرفية.
سيكون الحاكم أكثر ضعفاً، وكذلك نوابه لأنهم سيحتاجون إلى دعم الطبقة السياسية التي عيّنتهم في خضم المحاصصة المقيتة، قبل سنوات، في مواجهة الحملات التي سيتعرّضون لها. والأهم أنهم سيكونون متساهلين مع الطبقة السياسية التي يدينون لها بالبقاء في مناصبهم، ومطواعين لها، ولا سيما لـ»حزب الله»، الذي سيغطّي المخارج التي ستُعتمد من أجل استمراريّتهم.
فما تبقّى من نزر يسير من ودائع اللبنانيين في مصرف لبنان قد يكون في خطر شديد في المرحلة المقبلة، مع امتداد الفراغ بالزمن وتعميمه في المواقع، جرّاء لعبة عض الأصابع التي يعتمدها قادة «الممانعة» في شأن الاستحقاق الرئاسي، والتي ستزيد الأوضاع الاقتصادية والمالية تدهوراً.
من المحال المراهنة على أن يشكل استحقاق الحاكمية عاملاً ضاغطاً من أجل تسريع انتخاب رئيس الجمهورية. فمن يستسهل الفراغ الرئاسي لإصراره على مرشحه من جهة، ولانتظاره انقلاب الظرف الإقليمي لمصلحته لن يعدل في توجّهاته من جهة ثانية.
الرهان ما زال قائماً عند فريق «الممانعة» على أن تقنع السعودية دول الخماسية ولا سيما الولايات المتحدة، بضمّ إيران إليها من أجل معالجة أزمة لبنان، وللتعاون معها في سوريا. فلا رئاسة في لبنان قبل ذلك.