أبرزرأي

تسوية سياسية أو دستورية.. قبل الرئاسة!

كتبت روزانا بومنصف في “النهار”: على رغم أن قرار القطيعة السعودية مع لبنان وجد بسرعة صدى لدى غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، وأظهرت الدول جميعها تماثلاً مبدئياً في الأزمة التي نشأت معه أخيراً، فإن ما بدا مهمّاً بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية على أثر البيان السعودي الفرنسي حول لبنان والذي تضمّن مغادرة فرنسا لموقفها السابق في اتجاه تبنّي الموقف السعودي، ينحصر في أمرين أساسيين: الأول أن مفاعيل التبدل الأساسي في الموقف السعودي لم تنته مع البيان السعودي الفرنسي المشترك، والثاني هو حمل وليّ العهد السعودي لبنان من ضمن مواضيع جولته التي بدأها على دول مجلس التعاون الخليجي. فصدرت بيانات مشتركة مع مسؤولي الدول المعنيّة حملت عنواناً واحداً يتصل بضرورة إجراء إصلاحات شاملة، وحصر سيادة لبنان بالدولة وقواها المسلحة. فالإجماع الخليجي متى توافر على الموقف من لبنان قد يلزم هذه الدول بمقاربة واحدة لا خروقات فيها إن كانت ثمة رهانات من البعض على تمايز أو تنافس بين هذه الدول. ولكن الاهم بالنسبة الى هذه المصادر هو رسم دول مجلس التعاون سقفاً سياسياً مهماً للمرحلة المقبلة على قاعدة أنه إن كان يجري التحضير على نحو مباشر أو غير مباشر لتسوية في لبنان، فإن الموقف الخليجي يوضع على الطاولة على غرار ما يمكن أن تضعه إيران مثلاً لجهة الرغبة في احتفاظ “حزب الله” بسلاحه مهما تكن الأسباب أو الذرائع لذلك. وتترقب هذه المصادر ما إن كان الموقف الخليجي سيتوسّع فيكون من ضمن موقف الجامعة العربية إذا انعقدت قمّتها بعد أشهر قليلة، علماً بأن الاستنهاض السعودي إنّما يوجّه رسالة الى من يمسك بالوضع ولا سيما الى إيران بأن التفاوض معها لا يعني تسليمها لبنان.

ثمّة اقتناع لدى هذه المصادر بأن بقاء الحكومة معطلة في الاشهر المقبلة ولا سيما إذا تم تعطيل الانتخابات النيابية، إنما يعني الدفع بقوة الى تسوية، علماً بأن إجراء الانتخابات النيابية وربط احتمالات الانتخابات الرئاسية بها وسط تلميح رئيس الجمهورية ببقائه تحت أيّ مسوغ يفتعله من أجل ذلك، سيعني أيضاً الدفع نحو تسوية يجري التساؤل بعيداً من الإعلام عما إن كانت تسوية سياسية، ما يدفع البعض إليها، أو تسوية دستورية. فالتسوية السياسية هي أقرب ما يعني اتفاقاً سياسياً متعدّد البنود على غرار اتفاق الدوحة بعد اجتياح “حزب الله” بيروت، الذي أدى الى اتفاق أو تفاهم إقليمي لم تكن إيران بعيدة منه، وأدى الى استبدال انتخاب العماد ميشال عون وفق ما كان وعده “حزب الله” بانتخاب الرئيس ميشال سليمان والتفاهم على حكومة سرعان ما نسفها المحور السوري الإيراني. وفي حال التلويح الذي بدأ عون يمارسه لجهة احتمال إعادة تجربة عام ١٩٨٩ حيث بقي في قصر بعبدا على نحو مطعون في شرعيته، فإن هذه المصادر لا تستبعد أن تؤدّي إيران هذه الورقة من أجل أن تبيعها لاحقاً، ولا سيما أن لبنان الدولة يتصرّف من موقف أنه بات ورقة في سوق المساومات الاقليمية في الدرجة الاولى.

أما التسوية الدستورية التي يُعتقد أنها تعني إعادة النظر في اتفاق الطائف من خلال إدخال تعديلات عليه قد تُدرج تحت مسمّيات مختلفة، ولكنه عملياً يعني مؤتمراً تأسيسياً يراد منه تغيير النظام والوصول الى صفقة على هذا الصعيد تحت وطأة المخاطرة بالبقاء في الشلل السياسي وربما الذهاب الى تفجير سياسي إن لم يكن أكثر، فإن أيّ رائحة يشتمّها البعض في هذا الإطار إنما ستعني إبقاء الجمود الحالي والاستنزاف حتى حصول ذلك. وأيّ صفقة جديدة في هذا الإطار يُفترض أن يتأمّن لها توافق إقليمي يسبق التوافق الداخلي، ولا بدّ من أن يكون سلاح الحزب على الطاولة على نحو نهائي لأن لبنان لا يمكن أن يستمرّ كدولة من ضمن دولة الحزب، ولا يمكن أن يستمر في الموت بسبب الحزب وإيران.

وبهذا المعنى يكتسب الموقف الخليجي الذي تقوده المملكة السعودية أبعاداً تتخطى الأزمة الحالية ومعالجتها على خلفية أنه لم يعد ممكناً القفز فوق أسبابها والذهاب الى معالجة جذرية، أقله في أيّ حوار محتمل مع طهران ما دام الموقف السعودي بات يستند الى إجماع خليجي ليست الدول العربية الأساسية الأخرى بعيدة منه، وفي مقدمها مصر والأردن.
ومع أن هذا الأفق لتسوية سياسية أو تسوية دستورية لا يبدو ظاهراً على نحو واضح الآن، فإن ذلك لا يعني في المقابل أنه ليس موجوداً وتُرصد بعض ردود الفعل على إثارته أمام أفرقاء محليين أو حتى أمام سفراء البعثات الديبلوماسية المؤثرة والمهتمّة بلبنان. لا بل تفيد بعض المعلومات أن هناك من فاتح العواصم المعنية باحتمالات أو سيناريوات من هذا النوع على قاعدة أن هذا الاستحقاق لا بدّ منه في أي وقت في المدى المنظور، فيما من مصلحة البعض أن يراه حاصلاً قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة وبعد الانتخابات النيابية قياساً الى تثبيت القوى السياسية شرعيتها مجدّداً وتعزيز أوراقها في هذه الانتخابات. ويُخشى من ضمن هذا الافق الذي يعمل عليه البعض سرّاً في الكواليس ألّا تقلع أيّ عملية إصلاحية في البلد ويستمرّ هذا الأخير في الغرق علماً بأن مراقبين ديبلوماسيين يلاحظون أن الكثير من الإجراءات التي يُتوقع أن يطالب بها صندوق النقد الدولي من أجل تصحيح الواقع في لبنان نُفذت أو تُنفذ على نحو مسبق، على غرار تحرير سعر صرف الليرة ورفع الدعم عن المحروقات وعن كل المواد الأخرى، فيما يُنتظر أن يعالج موضوع الكهرباء. وهذه إن لم تكن خطوات مدروسة فإن هناك من يدفع بها من دون تحمّل المسؤولية السياسية عن اتخاذ الإجراءات في شأنها لا بل في ظل تمييع هذه المسؤولية وتضييعها. وهو ما سبق أن لاحظه زوّار أمميون بأن ما يحصل مقصود حتى لو أن أهل السلطة لا يزالون يعيشون أوهاماً بقدرتهم على إدارة تفليسة البلد وانهياره أو بالنجاة من تداعيات ذلك.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى