رأي

تحالفات ما بعد قمة الدوحة: ملامح نظام أمني جديد في الخليج

كتب د. هشام القروي في صحيفة العرب.

تمثل الاجتماعات الدفاعية بين السعودية وإيران وباكستان عقب قمة الدوحة نقطة تحول في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط إذ تؤسس لبنية أمنية جديدة قد تعيد رسم معادلات الخليج جذريًا.

تمثل الاجتماعات الدفاعية رفيعة المستوى التي عُقدت في اليوم نفسه بين السعودية وإيران وباكستان، في الأيام التي أعقبت قمة الطوارئ العربية الإسلامية في الدوحة في 15 أيلول/سبتمبر، نقطة تحول في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، مما يشير إلى بداية ما يمكن وصفه بالترتيبات الإقليمية التي قد تعيد تشكيل البنية الأمنية للخليج بشكل جذري.

إن ما جعل الهجوم الإسرائيلي على قطر يوم 9 أيلول/سبتمبر 2025 مهمًا بشكل خاص لم يكن فقط تنفيذه العسكري، بل تداعياته الإستراتيجية على مصداقية الولايات المتحدة في الخليج، كما بيّنا ذلك سابقًا.

أسفرت القمة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الدوحة، وحضرها قادة 57 دولة عضو في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى الإدانة، عن التزامات أمنية ملموسة، بما في ذلك تفعيل آلية الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي، التي تعامل أي هجوم على أحد الأعضاء على أنه هجوم على الجميع.

أصدر مجلس الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي توجيهات محددة لتعزيز الأمن الجماعي، بما في ذلك زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسريع عمل فرقة العمل المشتركة الخليجية لأنظمة الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية، وإجراء تدريبات مشتركة للدفاع الجوي على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة. وتمثل هذه الإجراءات أكبر تفعيل لآليات الأمن الجماعي لمجلس التعاون الخليجي في تاريخ المنظمة.

تكتسب هذه الاتفاقية أهمية خاصة بالنظر إلى مكانة باكستان باعتبارها الدولة الإسلامية الوحيدة الحائزة للأسلحة النووية. وقد احتفت وسائل الإعلام السعودية بالاتفاقية باعتبارها “مظلة ردع”

وكان أهم تطور دبلوماسي هو المشاورات الأمنية رفيعة المستوى بين إيران والمملكة العربية السعودية التي تزامنت مع القمة. فقد وصل علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى الرياض في 15 سبتمبر لإجراء محادثات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وركزت هذه الزيارة، وهي ثالث مهمة دبلوماسية إقليمية للاريجاني بعد زيارتيه للعراق ولبنان، بشكل خاص على توسيع التعاون السياسي والأمني والدفاعي.

كان التوقيت مهمًا بشكل خاص، حيث جاء بعد يوم واحد فقط من لقاء الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان مع ولي العهد محمد بن سلمان على هامش قمة الدوحة، حيث شدد الزعيمان على ضرورة الوحدة الإسلامية في مواجهة العدوان الإسرائيلي. وصرّح بيزشكيان بأن: “إذا وقفت الدول الإسلامية متحدة، فلن يجرؤ النظام الإسرائيلي على مهاجمة أي دولة إسلامية”، بينما شدد بن سلمان على أهمية تمكين الدول الإسلامية من “الدفاع بفعالية عن سيادتها وكرامتها ضد العدوان الإسرائيلي”.

تناولت محادثات لاريجاني مع المسؤولين السعوديين التعاون المنظم في المجالات الاقتصادية والإقليمية والدفاعية، مع خطط للتعاون المستقبلي من خلال “مجموعات عمل مخصصة” في شكل أكثر تنظيمًا. ووصف المسؤولون الإيرانيون هذه المحادثات بأنها تعكس المنظور الأكثر وضوحًا الذي تتمتع به الدول العربية الآن فيما يتعلق بالديناميات الإقليمية، مع تزايد الإدراك بأن “هناك طرفًا مغامرًا يمنع الاستقرار الإقليمي”.

وتوجت هذه التغييرات الإقليمية في 17 سبتمبر بتوقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المتبادل بين السعودية وباكستان، التي أبرمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، وتنص بالخصوص على أن “أي عدوان على أي من البلدين يُعتبر عدوانًا على كليهما”.

تكتسب هذه الاتفاقية أهمية خاصة بالنظر إلى مكانة باكستان باعتبارها الدولة الإسلامية الوحيدة الحائزة للأسلحة النووية. وقد احتفت وسائل الإعلام السعودية بالاتفاقية باعتبارها “مظلة ردع” تسمح لكلا البلدين باستخدام “كامل قدراتهما العسكرية دون استثناء”. وتشمل الاتفاقية تعاونًا دفاعيًا شاملًا، بما في ذلك الردع المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري، وما وصفه المسؤولون السعوديون بالوصول إلى “جميع القدرات العسكرية”.

أكد حضور قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، في حفل التوقيع على الاتفاقية، تأييد الجيش للآثار النووية للاتفاقية. وعندما سُئل بشكل محدد عن امتداد المظلة النووية الباكستانية إلى المملكة العربية السعودية، أكد مسؤول سعودي رفيع المستوى أن “هذه اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع القدرات العسكرية”.

يمثل التقارب بين هذه الترتيبات الدفاعية تحولًا جوهريًا في حسابات الأمن الإقليمي. فبالنسبة لإسرائيل، فإن إدراج الردع النووي الباكستاني يفرض قيودًا إستراتيجية جديدة على عملياتها العسكرية الإقليمية. كما أن الاتفاقية تعقّد علاقة إسرائيل بالعالم الإسلامي الأوسع، حيث حذّر وزير الدفاع الباكستاني محمد آصف من أنه “لا ينبغي لأي دولة أن تعتقد أنها ستبقى بمنأى عن الصراع في غزة”.

أما بالنسبة للهند، المنافس التقليدي لباكستان، فإن الاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان تضيف عوامل جديدة من عدم اليقين إلى المنطقة. ومن المحتمل أن تشجع الاتفاقية باكستان في الصراعات المستقبلية، مع احتمال أن يتحول الدعم العربي بعيدًا عن الهند لصالح الجمهورية الإسلامية الحائزة للأسلحة النووية. ومع ذلك، أكد المسؤولون السعوديون التزامهم بالحفاظ على علاقات قوية مع الهند، واصفين علاقتهم بأنها “أقوى من أي وقت مضى”.

الاتفاقية تعقّد علاقة إسرائيل بالعالم الإسلامي الأوسع، حيث حذّر وزير الدفاع الباكستاني محمد آصف من أنه “لا ينبغي لأي دولة أن تعتقد أنها ستبقى بمنأى عن الصراع في غزة”

تمثل هذه الترتيبات أيضًا مكسبًا استراتيجيًا هادئًا للصين، التي توسطت في التقارب بين إيران والسعودية في عام 2023. ويوفر تعميق التعاون بين ثلاثة شركاء صينيين رئيسيين – السعودية وإيران وباكستان – لبكين نفوذًا معززًا في منطقة تهيمن عليها تقليديًا الترتيبات الأمنية الأمريكية.

ومن ثم، يبدو أن هناك بنية أمنية جديدة متعددة الأقطاب تنمو في الشرق الأوسط، وتتميز بالسمات التالية:

التضامن الإسلامي: تمثل المشاورات بين إيران والسعودية وباكستان التنفيذ العملي لخطاب الوحدة الإسلامية، متجاوزة البيانات الرمزية نحو تعاون أمني ملموس.

الردع النووي: إن توسيع باكستان رسميًا لمظلتها النووية لتشمل المملكة العربية السعودية يضيف بعدًا جديدًا لحسابات الردع في النزاعات الإقليمية.

التأثير الصيني: إن تعميق التعاون بين إيران والمملكة العربية السعودية وباكستان – وجميعها شركاء رئيسيون في مبادرة الحزام والطريق الصينية – يعزز نفوذ بكين الإقليمي على حساب واشنطن.

تكامل دول مجلس التعاون الخليجي: يمثل تفعيل آليات الدفاع المشترك لمجلس التعاون الخليجي أهم تعاون أمني جماعي في تاريخ المنظمة.

وعلى الرغم من الزخم الدبلوماسي الكبير، هناك عدة تحديات قد تحد من فعالية هذه الترتيبات الجديدة. فقد ظلت آليات الأمن الجماعي لمجلس التعاون الخليجي “نظرية” على مر التاريخ، وسيتطلب تحويلها إلى قدرات تشغيلية إرادة سياسية مستمرة والتزامات باستخدام موارد كبيرة. على الرغم من الأهمية الدبلوماسية للتقارب بين إيران والسعودية، إلا أنه يواجه قيودًا عملية نظرًا لعقود من التنافس الإقليمي والصراعات بالوكالة. فلا يزال التعاون الاقتصادي بين طهران والرياض “في مستوى منخفض”، مما يتطلب إزالة عقبات كبيرة لتحقيق تكامل ذي مغزى. ورغم القوة الرمزية للاتفاقية الدفاعية بين السعودية وباكستان، إلا أنها ستحتاج إلى اختبار في سيناريوهات واقعية. وستعتمد فعالية الاتفاقية على تطوير إجراءات تشغيلية وآليات لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتخطيط استراتيجي منسق.

والخلاصة أننا، كما توقعنا في مقالة سابقة، إزاء نظام إقليمي جديد قيد التكوين. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه البنية الناشئة متعددة الأقطاب قادرة على توفير استقرار إقليمي فعال. ومع ذلك، فإن التعبئة الدبلوماسية السريعة التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على إحدى دول مجلس التعاون الخليجي تُظهر أن الترتيبات الأمنية التقليدية التي تحكم الشرق الأوسط تشهد تحولًا جذريًا. ولم يعد السؤال هو ما إذا كان التغيير قادمًا إلى البنية الأمنية للمنطقة، بل ما هو الشكل الذي سيتخذه هذا النظام الجديد في نهاية المطاف.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى