مع ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ أربعة عقود، واضطراب أسواق الطاقة العالمية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبح يتعين على الرئيس الأمريكي جو بايدن السماح باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من النفط من أجل تحقيق استقرار أسعار الخام والتخفيف بعض الشيء عن المستهلكين.
وبحسب افتتاحية كتبها المحللان الاقتصاديان تيموثي لافين وروميش راتينزار ونشرتها وكالة بلومبرج للأنباء، فإنه في حين تسيء الإدارة الأمريكية استخدام احتياطي النفط الاستراتيجي لتحقيق أغراض سياسية في الغالب، فإن الوضع الراهن هو حالة الطوارئ التي يجب اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي لمواجهتها. وقد اعترف بايدن بأن هذا الموضوع ملح للغاية.
في المقابل فإن أغلبية كبيرة من الأمريكيين قالوا بحسب أحدث استطلاعات الرأي العام إن التضخم المرتفع هو هاجسهم الأول. وقال حوالي ثلاثة أرباع الأمريكيين إنهم غير راضين عن أسعار الطاقة الحالية، التي بلغت أعلى مستوياتها منذ عشرين عاما. وتعتبر أسعار البنزين الهاجس الأكبر. فقد بلغ متوسط سعر جالون البنزين في الولايات المتحدة الآن 62ر3 دولار مقابل 72ر2 دولار للجالون خلال الفترة نفسها من العام الماضي. ويمكن أن تزداد الأمور سوءا في الأسواق مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
ففي أعقاب اقتحام القوات الروسية للحدود الأوكرانية يوم الخميس الماضي ارتفع سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي إلى أكثر من 105 دولارات للبرميل وهو أعلى مستوى له منذ 2014، قبل أن يتراجع قليلا في الأيام التالية.
ومع اشتداد الصراع في أوكرانيا، وتزايد حدة الاضطراب في الأسواق، بما في ذلك فرض المزيد من العقوبات على روسيا، قد تتعرض أسواق الطاقة لمزيد من الدمار، مع زيادة المعاناة من ارتفاع أسعار البنزين.
وردا على سؤال عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الاحتياطي النفطي في مواجهة الأزمة الحالية، قالت بلومبرج إن الولايات المتحدة أنشأت هذا الاحتياطي في عام 1975 ردا على فرض الدول العربية حظرا على تصدير النفط إلى الغرب بسبب دعمه لإسرائيل. وكان الهدف من تكوين هذا الاحتياطي هو حماية الولايات المتحدة من أي نقص مستقبلي في الإمدادات. ويتكون الاحتياطي الاستراتيجي حاليا من حوالي 600 مليون برميل خام. ووفقا للقانون، يمكن للرئيس الأمريكي ضخ جزء من الاحتياطي في الأسواق لمنع حدوث اضطراب حاد في الإمدادات. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أمر الرئيس بايدن بضخ حوالي 50 مليون برميل بالتنسيق مع خمس دول كبرى أخرى على أمل الحد من ارتفاع الأسعار. وتراجعت أسعار الخام لأسابيع قليلة، قبل أن تعاود الارتفاع في كانون الثاني/يناير الماضي.
ويقول المحللان لافين وراتينزار إن استخدام الاحتياطي مجددا يمكن أن يحقق عدة فوائد. ويمكن أن يؤدي مرة أخرى إلى تراجع قصير المدى في أسعار البنزين، في الوقت الذي سيؤدي فيه إلى تهدئة التوتر في أسواق الطاقة العالمية إذا اشتدت حدة الصراع بين روسيا وأوكرانيا. كما يمكن استخدامه لمواجهة أي محاولة من جانب روسيا لاستغلال إنتاجها من النفط والغاز كسلاح في الصراع الحالي. وعلى عكس تعليق الضريبة الاتحادية على البنزين، فإن استخدام الاحتياطي لن يلحق ضررا بالميزانية الاتحادية. كما أنه يمكن أن يحقق مكسبا كبيرا لدافعي الضرائب. فمتوسط سعر شراء النفط في الاحتياطي الاستراتيجي كان 70ر29 دولار للبرميل، أي أن كل برميل يتم بيعه اليوم سيحقق ربحا يفوق مثلي ثمن الشراء. واستعدادا لطرح هذا الاحتياطي في السوق، يتعين على الإدارة الأمريكية حشد الدعم من الحزبين لهذه الخطوة، وتنسيقها مع الدول الحليفة، مع زيادة الضغط الدبلوماسي على الدول الأجنبية المنتجة للنفط بهدف زيادة الإمدادات.
كما يمكن للإدارة الأمريكية القيام بخطوتين أخريين للمساعدة في تهدئة أسواق النفط، الأولى تقديم المزيد من الدعم والتشجيع لمنتجي النفط في الولايات المتحدة. فزيادة الإنتاج الأمريكي من الخام سوف تساعد في كبح جماح الأسعار، وتقلص قدرة روسيا على تمويل حربها، وتسهل على الغرب دعم صراع ممتد، في الوقت الذي ستدعم فيه التعافي الاقتصادي وتسهل التحول نحو الطاقة الأقل تلويثا للبيئة.
في الوقت نفسه، على الولايات المتحدة مواصلة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، باعتبارها الوسيلة طويلة المدى الوحيدة لتقليل الاعتماد على أطراف شريرة مثل روسيا، وضمان استقرار إمدادات الطاقة في المستقبل، وتخفيف آثار التغير المناخي.
ويحسب لإدارة بايدن تبنيها سياسات وخطط مثل خطة “البناء مرة أخرى بشكل أفضل” والتي تتضمن حوالي 555 مليار دولار لتمويل مشروعات للطاقة النظيفة، وتحسين المناخ وغير ذلك. كما ضاعفت الإدارة جهودها لتمرير مخصصات مرتبطة بالمناخ ضمن هذه الخطة.
أخيرا، لا أحد يعرف كيف ستنتهي المغامرة الروسية غير المحسوبة، ولا متى سيتراجع معدل التضخم، ولا كيف ستكون حالة أسواق الطاقة خلال الشهور المقبلة. لكل هذه الأسباب يجب اتخاذ خطوات استباقية للمحافظة على استقرار السوق، مع ضرورة ضخ استثمارات مدروسة على المدى الطويل.