رأي

بايدن حائراً… بين بريطانيا وأوروبا

كتب محمد السماك في اساس ميديا : “

اللقاء الذي تمّ بين الملكة إليزابيت الثانية والرئيس الأميركي جو بايدن هو اللقاء الرابع عشر للملكة مع رؤساء أميركيين. فخلال فترة تربّعها على العرش البريطاني، التي بلغت 69 عاماً حتى الآن، عايشت الملكة، إضافة إلى الرؤساء الأميركيين الأربعة عشر، ثمانية بابوات وأربعة عشر رئيساً للحكومة البريطانية، كان أوّلهم ونستون تشرشل.

وعاصرت سقوط الشيوعية في روسيا وتحطيم جدار برلين، وسقوط الترامبيّة في الولايات المتحدة، وبناء جدار الفصل على طول الحدود الأميركية مع المكسيك، وارتفاع الجدار العنصري الإسرائيلي في فلسطين المحتلّة.

كانت الملكة إليزابيت ملكة مجموعة دول الكومنولث التي تتألّف من دول ذات أعراق وألوان وثقافات وأديان مختلفة ومنتشرة في القارّات الخمس. فتحوّلت بريطانيا ذاتها اليوم إلى دولة متعدّدة الأعراق والأديان

وعاصرت الملكة أيضاً قيام الاتحاد الأوروبي وتفكّك الإمبراطوريّة البريطانية.

وفي عهدها أيضاً تحوّلت بريطانيا من إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، كما كانت في عهد الملكة فكتوريا، إلى دولة لم تستطع أن تحافظ على علاقاتها حتى مع الاتحاد الأوروبي. وبعد 47 سنة من الزواج، تمّ الطلاق ضمن مراسيم البريكست. وهي تختلف مع الاتحاد اليوم حتى حول حقوق الصيد في المياه المشتركة بينها وبين فرنسا.

كانت الملكة إليزابيت ملكة مجموعة دول الكومنولث التي تتألّف من دول ذات أعراق وألوان وثقافات وأديان مختلفة ومنتشرة في القارّات الخمس. فتحوّلت بريطانيا ذاتها اليوم إلى دولة متعدّدة الأعراق والأديان، حتى أصبح رئيس بلدية العاصمة لندن مسلماً من أصل هنديّ.

في القرن السابع عشر أصدر مجلس العموم البريطاني قانوناً بتحريم شراب القهوة بناءً على توصية من رئيس أساقفة كانتربري -لاند. في ذلك الوقت كان العثمانيون الذين يغزون أوروبا من الشرق وعبر البحر، يحملون معهم البنّ من مستعمراتهم الشرقيّة. فارتبطت القهوة بهم. واعتبر مجلس العموم البريطاني بناءً على توصية رئيس الأساقفة أنّ شرب القهوة يؤدّي إلى الإصابة بخلل دماغي يحمل الشارب على التحوّل من المسيحية إلى الإسلام (أو إلى التركية كما كان يسمّى في ذلك الوقت).

والآن رأينا القهوةُ هي المشروبَ الذي تصدّرَ طاولة لقاء الملكة مع الرئيس الأميركي جو بايدن.

أمّا لقاء بايدن مع رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، فكان له طعم مختلف. فرئيس الحكومة البريطاني عندما قاد حملة بريكست في مجلس العموم للانفصال عن أوروبا، كان يراهن على إقامة تحالف بديل عبر الأطلسي مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. يقوم هذا التحالف على قاعدتين هما الإنكلو-ساكسونية والإنجيلية (باعتبار أنّ الكاثوليكية هي الأكثر انتشاراً في أوروبا). لذلك كان فشل الرئيس ترامب مخيّباً لآمال جونسون. وما زاد من خيبة أمله أنّ الرئيس الأميركي الجديد متمسّك بشدّة بكاثوليكيّته وبأصوله الأوروبية. فعائلته هاجرت إلى الولايات المتحدة من إيرلندة عندما كانت تخضع لحصار تجويعي حادّ فرضته عليها القوات البريطانية. ولا تزال المضاعفات النفسيّة لتلك المرحلة مستمرّة حتى اليوم، وهي تتمثّل في انقسام إيرلندة الى جنوبية كاثوليكية (دولة مستقلّة) وشمالية إنجيلية هي جزء من المملكة المتّحدة. حتّى داخل هذا الجزء الشمالي فإنّ الصراع بين الطائفتين الكاثوليكية والإنجيلية (الإنكليكانية) لا يزال مستمرّاً على الرغم من كلّ محاولات الاحتواء والمصالحة والتسوية التي جرت على مدى العقود الماضية.

وفي ما يناقض المصالح الاقتصادية الألمانية، يطالب الرئيس بايدن بوقف العمل في الخطّين. وحجّته في ذلك أنّه لا يجوز وضع الاقتصاد الأوروبي تحت رحمة الطاقة الروسية، التي يمسك الكرملين بتلابيبها

لكن خلافاً لألمانيا (الدولة الأشدّ نفوذاً في الاتحاد الأوروبي)، فإنّ بريطانيا تتلاقى مع التوجّهات العامّة التي يحملها الرئيس الأميركي بايدن بشأن العلاقات مع روسيا. فألمانيا تستورد نسبةً كبيرةً من الطاقة التي تحتاج إليها من روسيا بواسطة خطّ أنابيب يمرّ عبر أوكرانيا، وعبر خطَّيْ أنابيب آخرين يمرّان عبر بحر البلطيق.

وفي ما يناقض المصالح الاقتصادية الألمانية، يطالب الرئيس بايدن بوقف العمل في الخطّين. وحجّته في ذلك أنّه لا يجوز وضع الاقتصاد الأوروبي تحت رحمة الطاقة الروسية، التي يمسك الكرملين بتلابيبها.

لكنّ ألمانيا لا تثق بالبديل الأميركي المطروح حتّى الآن. لذلك لا تريد أن تضع اقتصاد بلادها تحت رحمة مصدر غير موثوق به، سواء لجهة الأسعار ونفقات الشحن عبر الأطلسي، أو لجهة المتغيّرات السياسية داخل الولايات المتحدة ذاتها. لهذا السبب تعتمد على سياسة “تعدّد مصادر” الطاقة. ومن شأن ذلك أن يعطي المكتشفات الحديثة في شرق البحر المتوسط أهميّة استثنائية، خاصة أنّ الدراسات السيسموغرافية تؤكّد أنّ المخزون من الغاز والنفط كبير جدّاً.

غير أنّ حسابات الرئيس الأميركي، التي تتضمّن إعادة فتح بوّابة التعاون الاستراتيجي مع المجموعة الأوروبية، لا تقتصر على البعديْن العسكري (حلف شمال الأطلسي)، والسياسي – الاقتصادي (الاتحاد الأوروبي) فقط، بل تشمل أيضاً توحيد الموقف من العدوّ أو الخصم. وفي حسابات بايدن تمثّل روسيا برئاسة فلاديمير بوتين هذا الخصم اليوم. وقد ذهب بايدن إلى حدّ وصف الرئيس الروسي بأنّه “قاتل”، قبل أن يجتمعا لخمس ساعات غابت عنها “الكيمياء” بينهما، بحسب ما رشح منها.

يدرك بايدن أنّ التخلّي عن دعم أوكرانيا يشجّع الصين في شرق آسيا لالتهام تايوان. ذلك أنّه مثلما تعتبر روسيا أنّ أوكرانيا (أو معظمها) جزء منها، كذلك تعتبر الصين أنّ تايوان كلّها جزء لا يتجزّأ منها، شأنها في ذلك شأن هونغ كونغ.

وفي لعبة الأمم تتداخل القضايا وإن بعدت المسافات. وهي هموم ليست، ولم تكن أساساً، في حسابات الملكة إليزابيت.”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى