اقتصاد ومال

اندماج شركات النفط الكبرى يدعم زيادة الطلب العالمي.

شهد هذا الشهر الإعلان عن صفقتين كبيرتين لشركات الطاقة الكبرى، بقيمة 113 مليار دولار، مما يشير إلى تجاهل الشركات الكبرى لتوقعات وصول الطلب العالمي إلى ذروته قريباً ويؤكد أن حاجة العالم للنفط والغاز الطبيعي مستمرة لعقود.

إلى ذلك أعلنت شركة “شيفرون”، ثاني أكبر شركات الطاقة الأميركية بعد “إكسون موبيل” مطلع الأسبوع عن صفقة شراء شركة “هيس” بقيمة 53 مليار دولار، قبل أن تعلن منافستها “إكسون موبيل” عن عرض لشراء شركة “بايونير ناتشورال ريسورسز” بقيمة 60 مليار دولار.

وتتسابق الشركتان على إنتاج النفط من غويانا (على الساحل الشمالي لأميركا اللاتينية) التي يتوقع أن تصبح أحد أهم منتجي النفط في أميركا اللاتينية بعد البرازيل والمكسيك، إذ تعمل في غويانا حالياً شركة “إكسون موبيل” وشريكتها هناك “هيس” وكذلك شركة النفط الصينية الوطنية الكبرى “سينوك”، وتشير التوقعات إلى أن يصل إنتاج الشركات الثلاث من حقول غويانا إلى 1.2 مليون برميل يومياً في عام 2027.

وعلى رغم أهمية الصفقات إلا أنها أثارت نقاشاً أوسع بين الاقتصاديين والمحللين في شأن مستقبل قطاع الطاقة العالمي كله في ظل تباين الآراء في شأن اعتماد الاقتصاد العالمي على الطاقة من الوقود الأحفوري (النفط والغاز) لعقود مقبلة بخاصة في ظل تقديرات البعض بأن تحول العالم إلى مصادر طاقة متجددة في سياق مكافحة التغيرات المناخية سيعني تراجع الطلب على النفط قريباً.

الاستثمار في المستقبل

الرأي السائد هو ما عبر عنه وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان هذا الأسبوع من أن عودة صفقات الاندماج والاستحواذات الكبرى بمليارات الدولارات هي شهادة بأن “مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري باقية”.

وأضاف الوزير السعودي أمام مؤتمر في السعودية، الثلاثاء الماضي، “لا أعتقد أن أحداً سيشتري أصلاً إضافياً يعرف أنه سيكون مضطراً لتجميده وعدم استخدامه” في الإنتاج.

وتلك أوضح إشارة كما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” على

الرأي السائد بأن شركات الطاقة الكبرى تضع ملياراتها حيث الاستثمار في المستقبل مع توقع استمرار نمو الطلب العالمي على النفط والغاز.

ويتفق ذلك مع رأي الرئيس التنفيذي لشركة “شيفرون” مايك ويرث الذي لا يرى أن الطلب على النفط سيصل ذروته قريباً كما تردد، منتقداً تقديرات وكالة الطاقة الدولية بعد أن لمحت إلى أن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري سيصل إلى ذروته قبل نهاية هذا العقد (أي قبل 2030).

وقال ويرث في مقابلة “فايننشال تايمز” الشهر الماضي، “يمكن أن تصمم سيناريوهات (في إشارة إلى تقارير وكالة الطاقة الدولية) لكننا نؤمن بالعالم الواقعي وعلينا تخصيص رأس المال المطلوب لتلبية الطلب العالمي الفعلي”.

ومما يدعو الشركات الكبرى في مجال النفط والغاز إلى الاستثمار وتخصيص رؤوس أموال أكبر للمستقبل عبر الاندماجات والاستحواذ والتوسع في مشاريع الاستكشاف والتنقيب والإنتاج ما ذكرته منظمة “أوبك” قبل أسبوعين في تقرير لها عن الطلب العالمي، إذ توقع التقرير استمرار نمو الطلب العالمي على النفط بنسبة 15 في المئة بحلول عام 2045 ليصل حجم الطلب العالمي من النفط إلى 116 مليون برميل يومياً.

في غضون ذلك، انتقد أعضاء “أوبك” ما يعتبرونه “تسييساً” لسوق الطاقة من قبل الوكالة الدولية التي تواصل التبشير بتخلي العالم عن النفط والغاز.

سيناريوهات وتحذيرات

وعلى رغم تباين الآراء في شأن مستقبل نمو الطلب العالمي على النفط، إلا أن تقارير وكالة الطاقة الدولية وتصريحات رئيسها فاتح بيرول، الذي عمل في “أوبك” سابقاً، تثير الاضطراب في السوق، فمنذ صرح بيرول عام 2021 بأن العالم لا يحتاج إلى تطوير مزيد من مصادر النفط والغاز، إذا كان يعمل على مكافحة التغيرات المناخية، وأسواق النفط تشهد تذبذباً لم يقلل من حدته سوى قرارات ضبط العرض من جانب “أوبك” وشركائها في تحالف “أوبك+”.

في الأثناء، أصدرت وكالة الطاقة الدولية هذا الأسبوع سناريوهات توقعاتها السنوية للطلب العالمي على النفط التي تغطي العقود الثلاثة المقبلة حتى منتصف القرن، إذ ترى أنه حتى لو استمرت دول العالم في سياسات الطاقة الحالية، التي لا تنفذ تعهدات مكافحة التغيرات المناخية المتفق عليها تماماً، فإن الطلب على النفط سيصل إلى ذروته هذا العقد مع ذلك، وأرجعت الوكالة توقعاتها إلى زيادة إنتاج السيارات الكهربائية في الصين، وعلى رغم ذلك إلا أنها لا تتوقع تراجع استهلاك النفط إنما استمرار منحنى ذروة الطلب عليه مستقيماً ربما للثلاثة عقود.

أما إذا بدأت دول العالم في تنفيذ تعهدات مكافحة التغير المناخي لضمان عدم زيادة درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية فإن صورة الطلب العالمي على النفط تتغير تماماً.

وفي هذا السيناريو الثاني لوكالة الطاقة الدولية يمكن أن ينخفض الطلب على النفط بنحو النصف إلى 55 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050.

أما السيناريو الطموح الذي يعرضه التقرير السنوي للوكالة فهو وصول العالم إلى “صفر انبعاثات”، الذي تتوقع أن يعني انهيار الطلب العالمي على النفط ليصل إلى نحو ربع حجمه الحالي في غضون25 عاماً مقبلة، إلا أن تلك السيناريوهات ليست بالضرورة مطابقة للواقع الفعلي لسياسات الطاقة لدول العالم.

استعداد الشركات

مع ذلك كتب ديفيد شيبارد مقالة في “فايننشال تايمز” يحذر المستثمرين من أن عليهم الاحتياط في ضخ أموالهم في قطاع الطاقة، مشيراً إلى أن الاندماجات وعمليات الاستحواذ الكبرى في القطاع لا تعني بالضرورة أن الطلب العالمي على النفط سيواصل الارتفاع بقوة.

وأوضح شيبارد أن تلك الاندماجات ربما تكون تعبيراً عن تحسب الشركات الكبرى للمستقبل غير المضمون، فمن الأفضل لها أن تواجه أي تغيرات محتملة في الطلب العالمي وهي في وضع أفضل من حيث كبر حجمها واتساع قاعدة إنتاجها بما يمكنها من تعويض الكلف حتى في حالة تراجع الإنتاج، أما الشركات الأصغر التي تباع فهي أيضاً قد ترى أن من الأفضل التخلص من أعمالها مبكراً بسعر جيد، قبل أي تراجع بالطلب العالمي في المستقبل.

وفي ظل استمرار الاضطراب وتباين الآراء حول مستقبل الطلب العالمي على الطاقة من مصادر الوقود الأحفوري تبقى الأسواق معرضة للتذبذب بالتالي الأسعار أيضاً، ويضر ذلك بتخطيط الشركات وحتى الدول، منتجة ومستهلكة، للمستقبل مع استمرار اعتماد الاقتصاد العالمي على النفط والغاز كمحرك أول للنشاط الاقتصادي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى