اقتصاد ومال

النفط الروسي يتحدى العقوبات … أسواق جديدة والعائدات لم تتضرر

قالت تقارير غربية، أمس الأحد، إن الشركات الروسية تمكّنت منذ فرض السقف السعري، من قبل قوى غربية على صادراتها من النفط الروسي، من بيع معظم الخام، بأكثر من 60 دولاراً، عدا خام الأورال، وهو ما يفوق السعر الذي حددته الولايات المتحدة وأوروبا، في إطار عقوبات غربية واسعة ومشددة استهدفت قطاع الطاقة الروسي رداً على غزو أوكرانيا.

في هذا الصدد، قالت نشرة “أويل برايس”، المتخصصة في الطاقة، إن السقف السعري فشل في تحقيق أهدافه، وهذا الفشل لم يقتصر فقط على أن عائدات النفط الروسي لم تتضرر بالقدر الكافي فحسب، بل إن الاقتصاد الروسي في مجمله تمكّن من التخلص من أغلب التأثيرات السلبية الناجمة عن العقوبات الغربية على الصناعة النفطية الروسية.

وتلقى الاقتصاد الروسي دفعة إيجابية إثر زيادة الإنفاق الدفاعي والتصنيع، على خلفية الحرب مع أوكرانيا، لكنه يعاني من ارتفاع التضخم، وسعر الفائدة، والمتوقع زيادته.

وعلى الرغم من تأكيدات بعض مهندسي الحد الأقصى للسعر بأنه ناجح، ويحرم روسيا من الإيرادات الحيوية، فإن الأمر لم يكن كذلك.

ولذلك لأن النفط سلعة أساسية للغاية للاقتصاد العالمي، وكما أثبتت حالة روسيا، فهناك دائماً وسيلة لنقله من البائع إلى المشتري، حتى ولو كان البائع خاضعاً لعقوبات شديدة.

من جانبها، قالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في تقرير أمس الأحد، إن أسطول الناقلات القديمة ساعد روسيا على استيعاب صدمة العقوبات الغربية واسعة النطاق المفروضة عليها.

وبموجب قواعد، جرى وضعها في يونيو/ حزيران 2022 وتطبيقها في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، يمكن للدول خارج مجموعة السبع، مثل الهند والصين، الاستمرار في شراء النفط الروسي، ولكن سيتعين عليها دفع أقل من 60 دولاراً للبرميل إذا أرادت استخدام الخام المسجل في مجموعة السبع التي تضم الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وكندا.

وكانت هذه الإجراءات مصممة للحفاظ على النفط الروسي في السوق الدولية، مع تقويض قدرة الكرملين على تمويل حربه في أوكرانيا.

وقال التقرير، تقلصت تدفقات النفط الروسي إلى أوروبا، التي كانت في السابق أكبر سوق لصادراتها، إلى حد كبير. وبدلاً من ذلك، يجري شحن ملايين البراميل يومياً من موانئ روسيا الغربية على بحر البلطيق والبحر الأسود، في رحلة غير مباشرة إلى مشترين جدد، خاصة في الهند والصين وتركيا.

لكن في حين كان الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي فعالاً في خنق معظم الإمدادات إلى الكتلة، أقر مسؤولون غربيون بأنه بعد مرور 12 شهراً، لم يجر بيع أي من الخام الروسي المتدفق إلى المشترين الجدد بأقل من 60 دولاراً للبرميل.

في هذا الصدد، قال مؤسس مجموعة إنميتينا الاستشارية للمخاطر السياسية، ماكسيميليان هيس: “في الربع الأول، كان الحد الأقصى يعمل بشكل جيد، وفي الربع الثاني بدأت روسيا في إيجاد طرق للالتفاف عليه، وفي الربع الثالث كان الحد الأقصى على وشك الانتهاء، والآن في الربع الرابع تم تنفيذ الحد الأقصى بالتأكيد”.

لكن يقول خبراء إن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية كان السبب في تراجع سعر خام الأورال الروسي وليس العقوبات الغربية.

وترى “فاينانشيال تايمز”، أن الانتهاك شبه العالمي للحد الأقصى لسعر الخامات البترولية الروسية، بات ممكناً بسبب الضعف في التنفيذ، وأيضاً بسبب نجاح روسيا في بناء شبكة من السفن، مثل أسترو سكالبتور، لنقل نفطها، بعيداً عن متناول مجموعة السبع.

ويقول خبير الطاقة البريطاني، آلان بيتي، في تحليل بصحيفة “فاينانشيال تايمز”، في الواقع، كما فشلت العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا، الآن العقوبات الغربية الأوسع نطاقاً على روسيا تفشل هي الأخرى.

وأشار إلى أن العقوبات نادراً ما تحقق الأهداف التي فُرضت من أجل تحقيقها. وحتى الآن ومنذ تنفيذ العقوبات الأميركية لم يحدث أي تغيير في النظام في فنزويلا أو إيران، ولم تتوقف روسيا عن قتال أوكرانيا، واستمر النفط في التدفق من البلدان الثلاثة.

ويشير بيتي في تحليله، إلى أن “دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي ليسوا مستوردين كباراً بما يكفي من النفط، أو أنهم ليسوا جزءاً كبيراً من الاقتصاد العالمي حتى يجري خنق مبيعات النفط الروسية”.

ويضيف “إن ضوابط التصدير تحتوي على بذور دمارها منذ البداية، تماماً مثل عصابات المنتجين ومحاولات منع المخدرات”. ويشير إلى أن الكتلة الغربية لا تملك النفوذ على دول مثل الهند والصين، كما أن الاتحاد الأوروبي وجد نفسه في مأزق بعض الشيء في تجارة الديزل، وانتهى به الأمر إلى استيراد الديزل الهندي، ومن المرجح أنه مصنوع من النفط الروسي”.

النتيجة نفسها توصل إليها تقرير بحثي حديث صادر عن النسخة الأوروبية من صحيفة “بوليتيكو” أشار إلى أن الجهود الغربية للحد من عائدات النفط الروسية قد باءت بالفشل إلى حد كبير، بعد مرور عام على الاتفاق عليها لأول مرة، مما دفع كييف إلى تجديد المناشدات لحلفائها لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة.

وبحسب التقرير، كان تأثير الحد الأقصى للسعر محدوداً، بسبب عدم كفاية المراقبة والتنفيذ، حيث يُباع النفط الروسي مقابل 70 دولاراً للبرميل تقريباً. ووجد الباحثون أن نحو 48% من شحنات النفط الروسي جرى نقلها على ناقلات مملوكة أو مؤمَّن عليها في دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.

وأدت “ثغرة التكرير” إلى تقويض الجهود الغربية، حيث تقوم دول مثل الهند بشراء كميات ضخمة من الخام الروسي بسعر رخيص، وتقوم بمعالجته ثم بيعه دون قيود، ويعني ذلك أن المستهلكين الأوروبيين قد يستخدمون دون علم البنزين والديزل ووقود الطائرات المنتج من الخام الروسي.

وزادت نيودلهي وارداتها من النفط الروسي بنسبة 134% خلال العام الماضي، وهو ما يمثل ما يقرب من نصف تجارة النفط الخام الروسية المنقولة بحراً، وفي الوقت نفسه، ارتفعت الصادرات الهندية من منتجات الوقود إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كبير.

واقترح التقرير، خفض مستوى الحد الأقصى للسعر عند 30 دولاراً للبرميل لتقييد عائدات الصادرات الروسية، وهو ما كان من شأنه أن يخفض الإيرادات بنسبة 49% خلال العام الماضي.

لكن ورغم ذلك، أكد مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، وهو منظمة غير حكومية مقرها فنلندا، وتتتبع صادرات الطاقة الروسية، أن الحظر النفطي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي والحد الأقصى للأسعار كلّف روسيا 34 مليار يورو (37 مليار دولار) من العائدات المفقودة.

وهذا الرقم، على الرغم من أنه يبدو كبيراً، فإنه لا يمثل سوى انخفاض بنسبة 14% من إجمالي الإيرادات النفطية لروسيا.

ولم يقتصر الأمر على أن الإيرادات النفطية لم تتضرر بالقدر الكافي، بل إن الاقتصاد ككل تمكن من التخلص من معظم الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات.

وذكرت من جانبها “بلومبيرغ”، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في روسيا سجل زيادة قدرها 5.5% في الربع الثالث من العام، وهو ما يمثل زيادة أخرى مقارنة بالنمو المثير للإعجاب بالفعل، والذي بلغ 4.9% في الربع الثاني.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس الماضي، إنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لبلاده بنسبة 3.5% هذا العام، في ظل تعافي الاقتصاد من انكماش بلغ 2.1% في عام 2022.

وقال بوتين خلال مؤتمر “روسيا تنادي” للأعمال في موسكو، إن الناتج المحلي الإجمالي أصبح اليوم أعلى مما كان عليه قبل هجوم العقوبات الغربية، مشيداً بمدى صحة الاقتصاد الروسي، والمالية العامة للدولة، واصفاً العقوبات الغربية بكونها هجمة فشلت في إحداث أي تأثيرات ذات معنى.

وأضاف الرئيس الروسي أنه من الواضح أن النظام المالي الغربي “قد عفا عليه الزمن” من الناحية التكنولوجية، وأنه ظل مرتكزاً على أمجاد الماضي لفترة طويلة، واعتاد الممارسات الاحتكارية والحصرية، والافتقار إلى بدائل حقيقية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى