الناتج المحلّي اللبناني قد ينخفض حوالي ال 5 مليار دولار في العام الجاري!
فقاً لترجيحات صندوق النقد الدولي الأخيرة، سيهوي إجمالي الناتج المحلي اللبناني في العام الجاري إلى 16.2 مليار دولار من 21.8 ملياراً في العام 2022 أي بانخفاض نسبته 25%. وإجمالي الناتج المحلي بعلم الإقتصاد يعتبر بطاقة قياس للأداء الإقتصادي لأي بلد، فهو يساوي بحسب بعض طرق الإحتساب: الإستهلاك الخاص + إجمالي الإستثمار + الإنفاق الحكومي + (الصادرات – الواردات).
وبالعودة الى السنوات القليلة الماضية شهد إجمالي الناتج المحلّي إنحداراً كبيراً ومن المتوقع ان تصل نسبة الانخفاض في حال صحّت تقديرات صندوق النقد الى 70% في نهاية العام 2023، نتيجة تراجع الناتج من 55 مليار دولار في العام 2018 قبل عام من بدء الأزمة المالية الى 51 ملياراً في 2019. ثم تابع الناتج تراجعه مع تعاظم الانهيار وتسارع وتيرته في ظل شبه انعدام الإجراءات الإصلاحية الى 24.5 مليار دولار في 2020 ثم 20.5 ملياراً في 2021. أما في العام 2022 الذي شهد في نصفه الثاني تحسّناً على الصعيد السياحي وبالتالي تحقيق ايرادات بالعملة الصعبة، فسجل زيادة الى 21.8 مليار دولار.
طالما أن الموسم السياحي في العام 2023 سيكون زاخراً أيضاً، تطرح تساؤلات حول الإعتبارات التي ارتكز عليها تقرير صندوق النقد في تقدير احتساب إجمالي الناتج المحلي والتوصل الى خلاصة أنه سيصل الى 16 مليار دولار؟
هجمة السيّاح والمغتربين
وفق مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سمير الضاهر الذي اعتبر أن «تقرير صندوق النقد قد يكون محافظاً أكثر من اللزوم في تقديراته في ظلّ هجمة السيّاح والمغتربين على لبنان والتي قد تغيّر الأرقام، علماً أنه يوجد دائماً هامش من الخطأ في التقديرات». وأوضح أن «هناك أسباباً ارتكز عليها صندوق النقد الدولي للتوصل الى استنتاجه أن الناتج المحلي سينخفض الى 16 مليار دولار، علماً أن عمليته الحسابية تختلف عن الطريقة التي تعتمد في لبنان، والاسباب هي:
أسباب وراء الخفض
- إنهيار سعر صرف الليرة الوطنية بين العامين 2022 و 2023 وهو سبب أساسي خصوصاً وان قسماً من الناتج هو بالليرة اللبنانية باعتبار أن رواتب الإدارات العامة هي بالليرة اللبنانية. وهذا الأمر قضى على قدرة الفرد الإستهلاكية نتيجة انحدار قدرته الشرائية.
- قسم كبير من الإقتصاد هو نقدي Cash economy والتصريح هو أقل من الإنتاج الحقيقي under reporting، ما يساعد على التهرّب الضريبي.
- تسجيل البطالة نسبة 30%، ما يؤثّر على الإستهلاك وهو عامل أساسي في تقدير الناتج المحلي. فالبطالة تؤثّر على جودة الإستهلاك ونوعية السلع التي يتمّ شراؤها. والدليل على ذلك حذف بعض المواد الأساسية من مكوّنات المائدة اللبنانية مثل الصنوبر والفستق الحلبي… واستبدال مكوّنات بأخرى أقلّ جودة وأقل سعراً.
- دولرة الإقتصاد. ويعتبر ذلك منعطفاً خطيراً في الإقتصاد اللبناني ما جعل من لبنان دولة «غالية». على سبيل المثال تتزايد اسعار بطاقات الدخول الى الفنادق والمنتزهات والمسابح».
خسرنا فرصة
«وكان يجدر أن تتم الإستفادة من كلفة الإنتاج القليلة وزيادة الإنتاجية، علماً أننا بلد جاذب للسياحة Captive tourists والمغتربين من دول الخليج وأفريقيا. مع الإشارة الى أنه بعد بدء الإنهيار كان لا بد من اعتماد سياسة وضع حدّ لربط الليرة بالدولار وتأثير الأخير على العملة الوطنية. إلا أن سياسة مصرف لبنان الخاطئة، وانعدام الثقة بالعملة الوطنية وتأخرّ الإصلاحات أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم»، كما قال الضاهر.
تحويلات المغتربين
وإذ شدّد على أن تحويلات المغتربين تساهم بالنمو، وهي الكفيلة باستمرار الإستهلاك في البلاد، اعتبر ان دعم المغترب لأهله في لبنان بالعملة الخضراء يحفّز المقيمين على الإستهلاك. فالتحويلات كانت تتمّ قبل الأزمة من خلال المصارف أما اليوم فباتت تتمّ عمليات نقل الأموال في اليد عند قدومهم الى لبنان.
سوء تقديرات «الصندوق»!
من جهته، اعتبر الخبير الإقتصادي وعضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي أنيس بو دياب خلال حديثه أنه «يوجد سوء تقدير من قبل صندوق النقد الدولي في تقديراته لانخفاض الناتج المحلي بقيمة 5,6 مليارات دولار في 2023 عن 2022. في العامين 2020 و2021 هبط الإقتصاد بنسبة 40% ثم 20% ومن المتوقع أن يتراجع بنسبة 5%».
ورأى أن «حجم الإستيراد خلال العام الماضي والبالغ 19,2 مليار دولار إن دلّ على شيء فعلى أن الناتج المحلي لن يسجّل 16,2 مليار دولار ولو كانت نسبة الإنكماش المتوقعة 5% في العام الجاري».
الإستهلاك 80%
ولم يأخذ صندوق النقد في العملية الحسابية بعين الإعتبار «إقتصاد الظلّ»، برأي بو دياب. «فاقتصادنا اليوم هو «كاش» وبالتالي هناك حتماً سوء تقدير وغياب للحسابات، فالشفافية الحسابية غير موجودة في لبنان خصوصاً عدم معرفتنا للجهة التي تتوجه اليها المستوردات وما اذا كانت تستهلك في لبنان أم لا، باعتبار أن نسبة 80% من الناتج هو استهلاك، وهذا الأمر يؤكّد أننا نعيش باللادولة وانعدام التوازن في الحسابات الإقتصادية، وسيكون لذلك لاحقاً مفاعيل كبيرة في إعادة النمو لأن أي مؤسسة مالية دولية تريد التعاون مع لبنان تحتاج الى أرقام دقيقة. لذلك أشكّ في رقم الـ16 مليار دولار واعتبره غير دقيق، ويجب إعادة النظر في العملية الحسابية وإضافة عناصر متواجدة في اقتصاد الظلّ، مثل تقديرات حجم التهريب والاستهلاك المحلي والإستيراد والإنفاق الحكومي التي تعتبر دقيقة. فمع تحوّل اقتصادنا الى «نقدي» أصبح هناك صعوبة في دقّة الإحتساب الذي يجب أن يتولاه من حيث المبدأ الإحصاء المركزي بالتعاون مع وزارة المال».
الأثر البيئي
يقول خبير المحاسبة المجاز جمال ابراهيم الزغبي: «لا بدّ من الإشارة الى أن بعض الدول لا تأخذ بعين الاعتبار طريقة احتساب الأثر البيئي عند دراسة الناتج المحلي والذي احتسبه صندوق النقد في عمليته الحسابية والتوقع أن الناتج اللبناني للعام الجاري سيكون بـ16 مليار دولار والتي تعتبر دقيقة. فأخذ الأثر البيئي عند احتساب الناتج المحلي آلية غير متاحة للدولة اللبنانية لان الإمكانيات غير موجودة لدراسة الأثر البيئي. فالأثر البيئي لأي مشروع يمكن أن يسبب خسائر كبيرة في حال عدم دراسته جيداً، وخاصة أن حياة وصحة المجتمع لها تأثير كبير حيث يمكن أن تتحمل الدولة نفقات باهظة في الصحة وكذلك في الزراعة حيث يؤثر التلوث على كافة عناصر الانتاج».
دور السياحة
يلعب تدفق السيّاح الى لبنان دوراً في تعزيز إجمالي الناتج المحلي. وفي هذا المجال يقول جمال الزغبي إن «عائدات السياحة تدخل ضمن الناتج وهي خدمات يؤديها لبنان للسياح».
أما السياحة المعاكسة أو الخارجية، ونعني بها تزايد مغادرة اللبنانيين البلاد في عطلة الى الخارج بعد أن تضاءلت خلال العامين 2020 و2021، ما يؤثّر سلباً في إجمالي الناتج المحلي بعكس السياحة الوافدة.
لماذا التباين؟
يعتمد لبنان طريقة العرض الكلّي في العملية الحسابية للناتج المحلي مع عدم دقّة في احتساب نسبة التضخم والأثر البيئي.
ويقول جمال الزغبي: «لقياس نسبة التضخم في أي دولة يجب أن يتمّ الإرتكاز على سنة أساس لقياس النسبة للسنوات اللاحقة على كافة السلع والخدمات».
ويتابع: «لبنان يفتقر إلى التقنيات اللازمة وحتى الموارد البشرية المختصة للقياس الصحيح للتضخم، عدا عن عدم الوعي المجتمعي والادلاء بمعلومات رسمية غير صحيحة من الوزارات في غالب الأحيان مما يؤثر بشكل مباشر على الدراسة واحصاء الناتج المحلي». لذلك هناك اختلاف كبير بين نتائج صندوق النقد الذي يسعى للوصول الى أقرب مستوى ممكن من الدقّة في البيانات، والجهات الرسمية التي تعطي بيانات مضللة.