رأي

“اللي فات مات”… مصر وتركيا قوة إضافية للمنطقة

كتب بسام القصاص, في “السياسة”:

اعتدنا في ثقافتنا العربية أن ندفن أي ماض، أو تجربة مؤلمة بمقولة “اللى فات مات”، كتعبير ضمني أننا نتخطى المشكلة، وننتقل خطوة جديدة، وكأن الذي كان لم يكن، وقد نزيد على المقولة بـ”احنا ولاد دلوقتي” أي يتم الحساب من الآن.
هذا ما حدث بين مصر وتركيا، فبعد خلاف عادت العلاقة التي لم تنقطع، لكنها تجمدت لفترة حتى “عادت المياه لمجاريها”، لذا اكتسبت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر، ولقاء رئيسها عبد الفتاح السيسي، بعد سنوات من القطيعة والخلاف، أهمية كبرى، لتشهد البلدان سعيا نحو إعادة ترميم العلاقات وبناء الشراكة، في ظل مرحلة جديدة، وقف خلف تحقيقها جهود دؤوبة بذلت بهدوء خلف الأبواب المغلقة.
بين مصر وتركيا كثير من المشتركات، فهما بلدان كبيران في العالم الإسلامي والشرق الأوسط، يجمعهما تاريخ مشترك، ليس على مدى عقود، إنما قرون، فيه من مناطق الفخار لمصر، مثلما به من مناطق الفخار لتركيا، وبه مساحات أخرى تشكل هي أيضاً جزءاً من المشترك التاريخي المعزز لعلاقات الحاضر.
فلو نظرت لمستوى السكان؛ فالحجم السكاني متقارب، ويضع البلدين في مراتب القوى الوسطى بالعالم، يعززه توجهاتهما السياسية البراغماتية.
لذا عادت العلاقات مرة ثانية كعلاقة بين دولتين، ونظامي حكم، ومؤسسات صنع السياسة الخارجية والأمن القومي، لا مصلحة لأي منهما في تغيير أوضاع داخلية لدى الآخر، وذلك كان هو جوهر موقف مصر على مدى السنوات الماضية، وهو السعي لضبط العلاقات في الأطر الرسمية.
وأوجز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكشف حقيقة الأوضاع، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره التركي، عقب توقيع الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الستراتيجي بين مصر وتركيا، وقال: “ان البلدين تواجهان العديد من التحديات المشتركة؛ مثل خطر الإرهاب والتحديات، الاقتصادية والاجتماعية، التي يفرضها علينا الواقع المضطرب في المنطقة”.
وبدوره أظهر الرئيس التركي حقيقة الموقف، وقال: “نتقاسم مع مصر تاريخًا مشتركًا يزيد على ألف عام، وأملي الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى لائق، وتم رفع مستوى التعاون بين مصر وتركيا إلى مستوى مجلس التعاون الستراتيجي رفيع المستوى”.
وفي محاولة لوضع اليد على أهم ملفات المرحلة الحالية، فإن الملف الأهم حالياً هو الاقتصاد، الذي يستدعي تعزيز الاستثمار والمشروعات المشتركة، الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وبناء الشراكة والمصالح التي تفرض استمرار العلاقات السياسية وتصونها.
إذ تعد مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية، فانقرة تعد أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات المصرية خلال العام 2023، بل كانت البوابة الأكثر انفتاحا لعودة العلاقات الرسمية بين البلدين.
وتعتبر تركيا بوابة مصر للأسواق الأوروبية، فكل من مصر وتركيا تدركان أهمية الثقل الجغرافي الستراتيجي لبعضهما البعض، وحققت معدلات التجارة البينية بين مصر وتركيا خلال عام 2022 زيادة غير مسبوقة منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ.
وبناء على ما سبق فإن عودة العلاقات المصرية- التركية هي قوة إضافية للشرق الأوسط في مواجهة موجات الأزمات العالمية، وقوة إضافية لنصرة غزة في وجه عدو صهيوني غاشم.
فبوجود مصر وتركيا والسعودية والإمارات والكويت والأردن وعُمان في خندق واحد معناه دحر العدو على مختلف الأصعدة وإعلاء لشأن الشرق الأوسط ومنطقتنا العربية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى