أبرزاقتصاد ومال

اللبنانيون إلى الاكتفاء بالحبوب والخضار… بسبب غلاء اللحوم والأسماك

في بلد ينهشه انهيار اقتصادي وترتفع فيه تدريجاً أسعار المواد المستوردة، وجدت ليلى ابراهيم نفسها مجبرة على الاكتفاء بتناول أطباقها المفضلة من اللحوم مرة واحدة في الأسبوع، مستعيضة عنها بحمية ترتكز أكثر على الحبوب والخضار.
وتقول ليلى ابراهيم (44 عاماً) في مقابلة مع وكالة فرانس برس «كنت أتناول شريحة من اللحم أو الدجاج أو السمك يومياً، لكنّ أسعار هذه المواد باتت خيالية». وتضيف «خفضنا استهلاكنا من اللحم الأحمر إلى مرة واحدة في الأسبوع (…) أصبحت نباتية تقريباً بحكم الضرورة لا الاختيار».
وارتفعت أسعار اللحوم الحمراء المستوردة أكثر من خمسة أضعاف، حتى أن الكيلوغرام الواحد من لحم البقر بات يعادل نحو نصف قيمة الحد الأدنى للأجور الشهرية المحدد بـ675 ألف ليرة أي 33 دولاراً.
وتخطت بعض الأنواع المستوردة والأفضل جودة قيمة الحد الأدنى للأجور بالكامل، في بلد فقدت فيه العملة المحلية أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار خلال عامين فقط.
وبات نحو 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر، بينما تدهورت قدرتهم الشرائية وانحسرت الطبقة الوسطى إلى حد الاختفاء تقريباً.
وارتفعت أسعار اللحوم، حسب «مرصد الجامعة الأمريكية للأزمة»، حتى نهاية العام 2021 بنسبة تراوحت بين 440 و530 في المئة، كما سجلت أسعار لحم الدجاج ارتفاعاً تراوح بين 328 و425 في المئة.
وتقول ابراهيم «بتنا نضع كمية ضئيلة من اللحم في المحاشي أو اليخنة، وحتى اجتماع العائلة على طبق اللحوم المشوية في أيام الآحاد لم يعد ممكناً».
ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من صدور الدجاج نحو 120 الف ليرة (خمسة دولارات) مقابل 300 ألف (15 دولاراً) لفيليه لحم البقر، أو ما بين 150 و170 ألفاً للحم المفروم.
ودفعت الأسعار بكثيرين على غرار ابراهيم إلى تغيير عاداتهم، فيما تراجعت «بنسبة سبعين في المئة» المراجعات لدى اخصائيي التغذية، حسب ما أفادت نقيبتهم كريستال باشي.
وتقول باشي أن البعض بات «يجد حرجاً في الإفصاح عن عدد وجبات اللحوم التي يتناولونها»، مشيرة إلى أنهم باتوا يعتمدون أكثر على الدجاج، الأقل كلفة، فيما «لا ترد اللحوم سوى مرة أو مرتين» في الأسبوع.
يوضح نقيب أصحاب السوبرماركت، نبيل فهد، لفرانس برس أن الزبائن «أبدلوا اللحوم الحمراء بالدجاج في المرتبة الاولى وبالدرجة الثانية بالحبوب»، خصوصاً بعد رفع الحكومة الدعم عنها مع سلع أخرى قبل عام.
وتراجع بيع اللحوم الحمراء في المتاجر الكبيرة بنسبة نحو سبعين في المئة، وفق فهد الذي يوضح أن التأثير الأكبر انعكس على القصابين (اللَّحامين) الصغار الذين يعدون المقصد الرئيسي للسكان خصوصاً خارج المدن الكبرى.
وتقول نانسي عواضة من فريق مراقبي جودة اللحوم في محافظة بيروت لفرانس برس أن «الكمية في ثلاجة القصّاب (…) تقتصر اليوم على ربع أو ثلث ما كان سابقاً».
وتزامناً مع تراجع استهلاك اللحوم، تراجعت أيضاً الشكاوى التي كانت تتوالى إلى عواضة وزملائها بنسبة 75 في المئة.
وليس في ذلك دليل صحة أو تحسّن في مطابقة الشروط الصحية، بل هو عائد، وفق عواضة، إلى أن اللبنانيين «قللوا من استهلاك اللحوم، وبالتالي من شرائها».
ولم يعد الزبون يحدد طلبيته وفق الكمية، بل حسب المبلغ الذي بحوزته.
وازداد الوضع سوءاً مع دخول لبنان في أزمة كهرباء ووقود حادة في صيف 2021، ما رفع كلفة حفظ الطعام التبريد أساساً وبالتالي أسعار المواد الغذائية.
وتتخطى ساعات التقنين من مؤسسة كهرباء الدولة 22 ساعة في اليوم. وجراء رفع الدعم عن استيراد وقود المازوت بات أصحاب المُولِّدات الخاصة يطلبون مبالغ مرتفعة جداً لتأمين التيار الكهربائي تعويضاً عن النقص في إمدادات الدولة.
ويقول عماد حَرّوق، الشريك الإداري لشركة «فيد للتوزيع» لاستيراد اللحوم، لفرانس برس «كان الوضع مقبولاً حتى النصف الأول من 2021، لكنه اختلف بعد آب/أغسطس».
ويعود ذلك، وفق قوله، إلى «ارتفاع أكلاف التخزين في ظل انقطاع التيار الكهربائي والاعتماد على المُولِّدات الخاصة على مدار الساعة، مما أثر على سعر البيع».
و أمام تراجع الاستهلاك، قلّل المستوردون أيضاً من الكميات التي يشترونها من الخارج.
ويوضح حَرّوق «كان يصل إلى لبنان شهرياً نحو 70 حاوية من اللحوم المبردة أما الآن فبات عددها نحو 40» فقط.
وانعكس العزوف المتزايد عن اللحم على المطاعم التي «خسرت محرّكها المتمثل في الطبقة الوسطى، وبقي 5 في المئة فقط من المواطنين قادرين على الاستمرار بالسلوك نفسه فيها»، وفق ما يقول نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي لفرانس برس.
لكن المطاعم في لبنان غنية بأطباق بديلة عن اللحوم، تتنوع بين العدس والحمص والأعشاب المتبلة وغيرها، ما يجعل الزبائن قادرين على اختيار ما يناسبهم ووفق «أسعار تناسب ميزانياتهم».
لكن هالة جباعي، مديرة العناية بالزبائن في مطعم «كبابجي» للأطباق اللبنانية، تقول لفرانس برس أن «الأزمة الاقتصادية وأزمة كوفيد-19 الصحية أدتا إلى تراجع كبير في مبيعات كل الأصناف وخصوصاً الأطباق القائمة على اللحوم».
في أحد متاجر بيروت، اقترب شارل نصور (62 عاماً) من القصاب وطلب منه كمية من اللحم المفروم مقابل «ثلاثين ألف ليرة» أي ما يعادل نحو دولار ونصف الدولار فقط.
ويتكرر المشهد ذاته يومياً. ويقول حَرّوق «حتى المقتدر لم يعد يستهلك كما في السابق».

المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية “ا.ف.ب”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى