حسين زلغوط
خاص _ “رأي سياسي”:
منذ اليوم الاول لاحتلال اسرائيل لفلسطين، بدأت الوكالة اليهودية في استقدام اليهود من حول العالم إلى فلسطين، بحجة لم الشمل، والدعاية الاعلامية التي أوحت لهم بان اسرائيل ستكون الأكثر أمنا لهم، وانهم سيعيشون حياة الرفاهية في ظل نظام ديمقراطي يؤمن بالحرية الشخصية ويعمل على حماية اي يهودي من اي دولة جاء. إلا أن إسرائيل شهدت العام الماضي سلسلة من الاحتجاجات المتواصلة ضد خطة الحكومة لإصلاح الجهاز القضائي، مما بعث القلق لدى الوكالة حيال رواج ظاهرة الهجرة العكسية لليهود خاصة العلمانيين منهم، وجاءت عملية “طوفان الأقصى” والحرب على غزة، وما أحدثته المواجهات في الجنوب اللبناني من حالة هلع، الى حمل المستوطنين على مغادرة منازلهم وترك ممتلكاتهم، لا بل ومغادرة من يحمل منهم جواز سفر دولة اخرى الى الخارج.
وتجلت المخاوف لدى الوكالة اليهودية عقب بيانات “دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية” بشأن عزوف اليهود من أوروبا وخاصة أبناء الجالية في فرنسا عن القدوم إلى البلاد، بفعل الاضرابات السياسية من جهة والمخاوف الأمنية من جهة ثانية، حيث لم تفلح كل المغريات التي تقدمها الوكالة من حمل البعض عن العزوف عن مغادرة فلسطين المحتلة، او القدوم اليها للاستفادة من سياسة الاستيطان التي تعمل حكومة نتنياهو على تعزيزها في الآونة الاخيرة.
ووفقا لنتائج استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، فإن أكثر من 25% من اليهود البالغين (فوق 18 عاما)، يفكرون بالهجرة من إسرائيل تفكيرا جدّيا، في حين شرع 6% بإجراءات عملية للهجرة، وذلك بسبب تغلغل نفوذ الأحزاب والتيار اليميني الديني لمفاصل الحكم، والإصلاحات بالجهاز القضائي التي يراها بعض ممّن شملهم الاستطلاع “انقلابا على الديمقراطية ونظام الحكم”.
وثمة احصائيات تشير إلى أن عدد اليهود الذين تركوا إسرائيل منذ العام 1948 حتى العام 2022 بلغ 756 ألفاً، أي بحدود عشرة آلاف في السنة، بينما غادر خلال الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول 2023 حتى الآن، اكثر من مليون، أي بمعدل خمسة آلاف يومياً وهو الرقم الذي تؤكده حالات طلب اللجوء (10% من طلبات اللجوء في ألمانيا هذه السنة تعود لإسرائيليين ويسري الأمر نفسه على البرتغال). ويُشير استطلاع للرأي إلى أن حوالي 33% من الإسرائيليين يفكرون فعلياً بالهجرة بسبب سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، علماً أن نصف سكان” الكيان” ما زالوا يحملون جوازات سفر بلدانهم الأصلية، وبالتالي هم جاهزون لاستخدامها في حال اندلاع أي حرب، وهذا الأمر مرشح للتفاقم مع استمرار حرب غزة واقترابها من بداية شهرها العاشر.
في الخلاصة، إذا استمرت الحرب، بفعل إصرار نتنياهو على تحقيق أهدافها المستحيلة، سيستمر شعور الإسرائيليين بعدم الاستقرار وغياب الآمان، وستظهر احتجاجات قد يقابلها اليمين المتطرف، من أنصار الوزيرين إيتمار بن غفير وسموتريتش، بالقوة فتندلع حرب أهلية تكررت التوقعات بحدوثها، فتزداد بسببها موجة الهجرة من إسرائيل.
ووفق المعلومات ان غالبية الذين غادروا المستوطنات المتاخمة للحدود مع لبنان، أبلغوا من يعنيهم الأمر بأنهم ليسوا في وارد العودة الى هذه المستوطنات، لشعورهم بأنها مناطق لم تعد آمنة، كما انهم لم يعد يثقوا بأن جيشهم لديه القدرة على حمايتهم، وقد لجأ البعض الى عرض ما يملك للبيع قبل ان يحزم حقائبه ويغادر اسرائيل، إما لبلده الأم أو اي دولة يستطيع الذهاب اليها.
هذا المشهد غير المريح لا بل المقلق لحكومة تل ابيب، حمل الموفد الاميركي آموس هوكشتاين على طرح حل “العودتين” اي يعود المستوطنون الى منازلهم بالتزامن مع عودة الجنوبيين الى قراهم وممتلكاتهم، وهو ما رفضه لبنان الذي يرى ان الحل لكل هذه المشكلة هو بوقف النار في غزة وانسحاب جيش العدو من المناطق التي احتلها.