القرار الاتهامي بحق حمدوك وقادة مدنيين يثير انتقادات وجدلاً بالسودان
رافق قرار الاتهام الذي وجهته النيابة العامة السودانية، التابعة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ضد رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك وقادة مدنيين آخرين، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، جدلاً كبيراً بين السودانيين على اختلاف أطيافهم المختلفة، خاصةً من الناحية القانونية، إذ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي نقاشاً مستفيضاً وواسعاً حول مدى واقعية ووجاهة هذه الاتهامات، وهل ترقى بالفعل لتكون جريمة بهذه الخطورة؟
وقال المحامي السوداني المعز حضرة، “للأسف الشديد ظلت النيابة العامة منذ عهد (الرئيس السابق) عمر البشير، مخلب قط، تستخدم البلاغات الكيدية ضد السياسيين وغيرهم، بل كان النظام السابق يمارس ذات الأفعال ضد مَن كانوا ينتسبون إليه لمجرد اختلافهم معه، حيث سبق أن فتح بلاغات مماثلة بحق حسن الترابي، وخليل إبراهيم، وعبد العزيز عشر، لكن مثل هذه البلاغات لا تذهب إلى المحاكمات لأن الغرض منها ليس تحقيق نتيجة بقدر أن القصد منها خلق فرقعة إعلامية”.
وتابع “في اعتقادي أن هذه التهم جاءت عقب انتقاد مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا لعمل النيابة العامة واتهامها بالتقصير كونها لم تقم بدورها المطلوب منها، فضلاً عن اتهامها بوجود أشخاص داخلها ينتمون للدعم السريع، إضافة إلى أن هناك مجموعات من الإسلاميين ظلت تنادي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بفتح بلاغات ضد سياسيين بعينهم”.
وأردف حضرة، “ليس هناك أي بلاغ حقيقي، فبحسب ما جاء في تلفزيون السودان، فإن هناك بلاغ صدر عن اللجنة الوطنية لجرائم الحرب ضد قيادات القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، فالسؤال هو: من الذي عيّن هذه اللجنة؟ وبأي صفة؟ لأنه لا في قانون الإجراءات الجنائية ولا في القانون الجنائي يوجد مسمى للجنة وطنية، فضلاً عن أن هذه اللجنة شكّلها مجلس السيادة، الذي يُعتبر غير شرعي ولا يملك الحق بتوجيه النيابة بفتح بلاغات”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “مثل هذه البلاغات تؤكد أن النيابة العامة غير مهنية وتعمل وفق أوامر فلول النظام السابق الذين يسيطرون على مفاصل الدولة بشكل كامل، بيد أنه يجب أن تكون النيابة، حسب القانون، جهة مستقلة وليس محل استغلال من أي جهة مسؤولة أو غيرها. لكن أن تستجيب هذه النيابة للآخرين بفتح بلاغات، يؤكد عدم مهنيتها وأنها اصبحت غير قادرة وغير راغبة في تحقيق العدالة، فبدل أن تقوم بفتح بلاغات ضد من يقومون بقطع الرؤوس ونبش القبور ونشر الكراهية تلجأ لمثل هذه البلاغات ضد أشخاص لم يكونوا طرفاً في الحرب ولم يرتكبوا جرائم حرب إنما هم أشخاص خارج البلاد يعملون لوقف الحرب وايصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في مناطق الصراع، فهذه هي المفارقة الحقيقية، إذ لا تفتح النيابة بلاغات ضد الدواعش، وكتيبة البراء بن مالك، الذين يقودون الحرب في الداخل وينشرون خطاب الكراهية، مما يعني السقوط المهني الشنيع للنيابة”، مؤكداً أن “هذه البلاغات الكيدية لن تذهب بعيداً وستموت في وقتها”.
بلاغ سياسي
في السياق، اعتبر المتخصص في الشأن القانوني، كمال محمد الأمين أن “هذا البلاغ سياسي بإمتياز لسبب في غاية البساطة هو أن لكل جريمة تقع تحت راية القانون الجنائي السوداني لعام 1991 أركان أو مقومات لا توجد بدونها جريمة، وهذه الأركان عند الفقهاء تصل إلى خمسة وهي: الأهلية، والشرعية، والسبب، والإرادة، والشكل، وقد أجمل القانون السوداني هذه الأفعال التي تكوّن الجريمة إلى ركن مادي وركن معنوي وعلاقة سببية بينهما”. وأضاف أنه “بمجرد أن يطابق سلوك الفرد للنموذج القانوني المجرد الذي تتضمنه قاعدة جنائية مجرِّمة، وتخلّف وجود سبب من أسباب تبرير الجريمة، وتوافر الركن المعنوي الذي يمكننا القول معه بإمكانية إسناد الفعل إلى الجاني، فالجانب المفترض للجريمة يتكون من عناصر قانونية سابقة على ارتكاب الفعل المكون للجريمة، وفي حالة قادة “تقدم” يجب أن يتمثل الجانب المفترض للجريمة في عناصر قانونية إيجابية حتى يتم فتح البلاغ ضدهم، فهذه الحرب التي تشكلت بسببها اللجنة المزعومة هي حرب تدور بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، وهما قوتان مسلحتان نظاميتان يحكمهما قانون محدد، بينما المتهمون هم أعضاء قوة مدنية لا علاقة لها بالطرفين العسكريين، وسلوكهم الظاهر منذ اندلاع هذه الحرب يدعو إلى وقف هذه الحرب في كل مكان وزمان، بالتالي يتخلف الركن المادي إبتداءً وإنتهاءً لأنه شرط لقيام الجريمة تحت المواد 50 وما بعدها، ولا بد من تصنيف أفعال كل متهم حسب مقتضيات المواد 21 و22 من القانون الجنائي”.
وأردف المتخصص في الشأن القانوني أن “هذا النظام الحاكم عوّدنا على استخدام مواد القانون الجنائي وإقحامها في تصفية الحسابات السياسية، وفي تقديري المتواضع أن هذا البلاغ أضعف من خيطان العنكبوت، ويجب إبعاد المؤسسات العدلية عن لعبة تصفية الخصومات السياسية”.
شبهة جريمة
من جهته، أشار المحامي السوداني أحمد موسى عمر إلى أن “هذه الدعوة الجنائية تقوم بشكل أساسي على وجود بيّنة مبدئية تشير إلى وجود شبهة بارتكاب جريمة وبعدها يتم عادةً القبض على المتهم والتحقيق معه وجمع الاستدلالات لمعرفة مدى صحة أو عدم صحة هذه الجريمة. ومعلوم أن القانون الاجرائي السوداني يعمل على ما يُعرف بالبينة المبدئية، وهي بينة أولية تبرر أحد الأشخاص أو الجهات بتهمة تختلف عن البينة النهائية القاطعة التي تؤدي إلى إدانة المتهم، فهي بيّنة بها شيء من الصحة والخطأ”. وزاد “من الطبيعي في هذه الحالات أن يتم القبض على المتهمين ومنحهم فرص الدفاع الكاملة عن أنفسهم، لكن غياب المراد القبض عليهم وعدم إمكانية التحقيق معهم خارج البلاد يقود النيابة العامة إلى اصدار مثل هذه الاعلانات التي تُعرف باعلان المتهم بالنشر وانذاره بتسليم نفسه لأقرب سلطة نيابية أو شرطة”.
ومضى بالقول إن “لهذا القرار تداعيات، منها أن الدول التي تتعامل مع القيادات المعنية يجب أن تدرك أنها تتعامل مع أشخاص مطلوب القبض عليهم في جرائم ترقى عقوبتها إلى مستوى الإعدام، وعادةً لا تتدخل الدول في القرارات القضائية، لذا قد تسبب هذه القرارات بحرج لعدد من الدول وهناك بعض الدول التي لا تتعامل مع مثل هذه القرارات باعتبارها قرارات قانونية، لكن ذات طابع سياسي ولا توليها اهتماماً كافياً ويمكن أن تستمر في تعاملها مع تلك القيادات، الأمر الذي يدخل العلاقة الدبلوماسية بين البلدين في إشكاليات”.
ولفت إلى أنه “من الناحية القانونية يمكن للنيابة العامة أن تتخذ مثل هذه الاجراءات لوجود شبهة ارتكاب جريمة، لكنه أمر يخضع لرقابة السلطات الأعلى في النيابة ويرقى إلى مستوى رقابة محكمة الاستئناف لأنه في حال ارتبط الاعلان أو الاجراءات بحجز أموال، يحق للمحكمة الجنائية أن تتدخل في فحص قرارات النائب العام”.
وبيّن عمر أن “هذه الجرائم المتعلقة بتقويض النظام وإحداث الفتنة، جرائم جنائية ذات طابع سياسي، فوجود الطابع السياسي في مثل هذه الجرائم يؤدي إلى حالة من التفاوت في قبول وعدم قبول تلك الاتهامات، خاصة وأن سودانيين كثر تضرروا من الأفعال التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، يتعاطفون مع مثل هذه القرارات ويعتقدون أنها قد تخفف من التحركات السياسية للمتهمين في الخارج ويمكن أن تشكل حالة من الضغط عليهم ليتراجعوا عن دعم قادة الدعم السريع في حربهم على المواطن والدولة ومؤسساتها المختلفة”. وزاد “لكن يبقى أن بعض الجهات قد تتعامل مع هذه القرارات بشئ من الريبة والارتباك بسبب الخلافات بين مَن ذُكرت أسماؤهم في الإعلانات والسلطة الحاكمة في البلاد، لكنهم ليسوا بالعدد المقدّر الذي يمكن أن يحدث تأثيراً”.
ونوّه المحامي السوداني بأن “هذه الاجراءات قد تريح البعض وقد تغضب البعض الآخر، وقد تساهم في حل الأزمة من ناحية، أو تضغط على بعض القوى السياسية لاتخاذ مواقف مختلفة يمكن ان تساهم في تعقيد المسألة من ناحية أخرى، لكن تبقى في النهاية أن النيابة العامة كسلطة مستقلة وكونها صاحبة القرار الأول والأخير في اتخاذ مثل هذه الاجراءات تتحمل المسؤولية الأخلاقية والدستورية في صحة وعدم صحة تلك الاجراءات”.
تقويض الدستور
وكان التلفزيون الرسمي السوداني أفاد الأربعاء إن النيابة العامة “قيدت بلاغاً” ضد رئيس وزراء الحكومة المدنية السابق عبدالله حمدوك و15 آخرين بينهم قيادات حزبية “تقدم” وصحافيون تتهمهم فيه بـ”تقويض الدستور وإثارة الحرب ضد الدولة والإبادة الجماعية” وهي اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام، وطالبتهم بتسليم أنفسهم في مدة لا تتجاوز أسبوعاً. وأضاف التلفزيون أن من بين الأسماء إضافة إلى حمدوك، وزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق المهدي، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، وخالد عمر يوسف نائب رئيس الحزب، ومحمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة السوداني السابق.
ويقيم حمدوك الذي كان أول رئيس وزراء مدني في السودان بعد الإطاحة في عام 2019 بالحكم العسكري-الإسلامي الذي قاده عمر البشير لمدة 30 عاماً، خارج السودان، منذ الانقلاب الذي قاده البرهان ضد حكومته بالتعاون مع نائبه السابق وخصمه الحالي الفريق محمد حمدان دقلو. ويقيم جميع الذين وجِّهت إليهم اتهامات خارج السودان أيضاً.
ويجري حمدوك منذ أشهر عدة، اتصالات مع أطراف سودانية وإقليمية من أجل وقف الحرب في السودان عبر التفاوض. وتوصل في إطار هذه المساعي إلى اتفاق مع قائد الدعم السريع على بدء مفاوضات لإنهاء النزاع الذي اندلع في أبريل (نيسان) 2023، وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف وأجبر الملايين على الفرار ودفع الدولة التي تعاني من الفقر إلى حافة المجاعة.
وتأتي هذه الخطوة من جانب معسكر البرهان ضد حمدوك بعد أن أعلن مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى السودان توم بيرييلو نهاية الشهر الماضي عن أمله الثلاثاء الماضي، باستئناف طرفي النزاع في السودان الحوار بعد شهر رمضان والعمل لمنع اندلاع حرب إقليمية أوسع، رغم فشل المفاوضات السابقة.
ولم تسفر جولات محادثات سابقة جرت في مدينة جدة السعودية سوى عن تعهدات عامة بوقف النزاع في السودان.