
كتب محمد الدكتور ياسر الصبان لـ “رأي سياسي”: إبتسم صديقي ونظر الي نظرة إشفاق قائلاً: هل أنت مصدق فعلاً أننا مؤهلون لتحرير فلسطين وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى وتوحيدهما لتحقيق السعادة والتراحم بين البشر؟ هل يدرك عقلك أن قادة وزعماء عرب كبار فشلوا وذهبت ريحهم؟ هل تتصور حجم قوة العدو المدعوم من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وأنهم قادرون على سحقك بلحظة؟
إبتسمت له وقلت: أعلم أنك تحبني لذلك أقبل منك الشفقة، إلا أن عقلي لا يصدق إلا الله الذي قال لي: “إن نصرتك فلن يغلبك أحد، ولكي أنصرك يجب أن تنصرني”
لذلك فإنني لا أقيم وزناً كبيراً لزعامات فشلت أو لقوة عدو وأعوانه، لعلمي أن لا قوة إلا بالله، لذلك فإن أبحاثي محصورة في إكتشاف كيف وأين أمرني الله بنصرته.
وقد بدأت بحثي عن الحقيقة في الثمانينيات عندما كنث أعتقد أننا أثرياء نملك فوق النصف مليون ليرة في البنك، ولكن فجأة وخلال أقل من بضع سنوات تسربت كل الثروة المدخرة بالليرات اللبنانية، ودفعني القدر الى العمل في الإمارات العربية المتحدة بجانب مجمع الشيخ زايد الثقافي الذي يكتنز واحدة من أهم مكتبات الشرق الاوسط.
وكان عقلي وكرامتي يستنكرون تسرب ثروة طائلة من مدخرات عائلتي دون أن تنقص كمية النقود ودون ان أعرف كيف تسربت ثروتنا ومن الذي استولى عليها. فأنا لا أؤمن بالسحر ولا بالسحرة، وإذا نقص وعائي من الماء، فإن الماء لا يختفي بل إن أحداً قد سرقه ولا بد ان أكتشف السارق وكيف سرقني كي لا أسمح له بسرقتي مرة أخرى.
إلا أنني فوجئت بأن مدارس الاقتصاد الحديثة كلها تعتبر الامر طبيعي الحدوث، بل إنها لم تدرس العناصر المكونة للمال ولا المصادر التي تأتي منها هذه العناصر،،، وكل ما وجدته كان ان النقود هي وعاء للثروة، كما وجدت متطابقة ل “إيرفينغ فيشر” حول تعادل القيمة بين كمية النقود مضروبة بقيمة الوحدة النقدية بين زمانين مختلفين.
أما كيف تولد النقود وأنواعها والفارق بينها وكيف يتمكن من يولد النقود من الحصول على ثروة المجتمع فقد غابت عن الدراسة. كما لم تُدرس المادة التي تنتقل بواسطة النقود، وكل ما قيل عنها أنها الثروة او القيمة الشرائية، أما العناصر التي تتشكل منها هذه المادة الحيوية فلم يدرسها أحد، كما لم يدرس أحد الدورة المالية في جسم المجتمع، واكتفت الناس بالإعتقاد أن قيمة النقود تأتي من خلال الاحتياطي الإلزامي من الذهب او العملات الصعبة او الدولار او من النمو الاقتصادي للمجتمعات. وقد بحثت بجدية في كافة المدارس الحديثة (الميركانتلية، الفيزيوقراطية، الكلاسيكية، الماركسية، النيوكلاسيكية، الكينزية والليبرالية) ولم أجد ما يشير الى الفارق بين النقد القانوني الصادر عن البنوك المركزية والنقد الوهمي القيدي الصادر عن البنوك التجارية، فكلاهما يستخدمان بنفس القيمة دون تمييز. كما لم أجد أي بحث يشير الى أهمية المادة التي تنتقل بواسطة النقود ولا الى العناصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية وغيرها والتي تتكون أو تنمو بسببها كثافة هذه المادة أو تتردى. إلا أن القاسم المشترك بين كافة عملات العالم هو ان المادة السائلة الحيوية التي تسمى خطأ (الثروة) تتسرب منها بنسب متفاوتة دون ان يسأل أحد عن الفريق الذي يستفيد من هذا التسرب، فيسرقها ويحقق لنفسه الثراء الفاحش على حساب انتشار الفقر والبؤس والفساد والإقتتال بين الناس. علماً أن هذا الفريق اللص لا يخفي أنه يستفيد من غباء الناس ليسخرهم في خدمته كما يسخر البشر الحيوان.
والغريب ان علم إدارة المجتمعات لم يدرس إنتاجية السلطة وكيفية ممارسة دورها الاساسي في خدمة الناس والدفاع عن ثرواتهم وعن مصالحهم، وإكتفى هذا العلم المتخلف بتدريب السلطة وإداراتها على “فن الممكن” وعليه فقد تشاركت السلطات السياسية مع السلطة النقدية المحلية والعالمية بتشريع قوانين سرقة خيرات الشعوب وتدجينها كي تخضع صاغرة للعبودية بإسم القانون والدستور.
وبما أنني لم أجد ضالتي في النظريات السياسية والاقتصادية الحديثة التي اكتشفت تخلفها وفجورها فقد كان لا بد من دراسة الفلسفة والرسالات السماوية وكيفية ولادة الحضارات لأن الجهل وسرقة الشعوب لا يمكن أن يولّد حضارة، بل يتسبب بأزمات محلية وعالمية وحروب أهلية واقليمية وعالمية متكررة متنقلة في كافة أصقاع الأرض.
وقد تبين أن القاسم المشترك بين كافة الحضارات الانسانية هو اكتشاف سلاح جديد عسكري او فكري، يكسر قوة سلاح الحضارات السالفة ويمكن المجتمع المكتشف من الإنتشار والسيطرة، فمن اكتشف السيف الفولاذي كسر هيبة السيف المعدني، ومن اكتشف البندقية كسر هيبة القوس والسهم، ومن اكتشف المدفع هزم صاحب البندقية وسيطر على موارده.
والعالم اليوم يعيش الحضارة المادية التي بدأت بإكتشاف ملوك المال للعملات الورقية التي هي بالاصل سند أمانة على المصدر الذي لا يحفظ الامانة، وبما أن الناس تلهّوا بتكاثر كمية الأوراق النقدية دون ان ينتبهوا لتسرب المادة التي تحملها، فإن مكتشف هذا السلاح والمستفيدين من الاكتشاف يقومون بتوليد الأوراق النقدية المرئية الملموسة أو القيدية غير المرئية او الملموسة المتداولة بالقيود الدفترية بكميات هائلة تسرق كل خيرات الشعوب في كل أصقاع العالم لتكتنزها خزائن ملوك المال الذين سيطروا بإكتشافهم على كل انواع التجارة العالمية وكل الخيرات الطبيعية وفرضوا رأيهم وقانونهم على الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجعلوا من رمي فتات الخيرات للشعوب المتسولة عبر ما سمي بالجمعيات والاوقاف والإرساليات الخيرية والتربوية والطبية وسيلة لرويض وتدجين البشر ولجمهم عن المطالبة بحقهم وكرامتهم في الخيرات الهائلة التي هي ملك لكل الناس بالأصل.
ونحن إذا أدركنا أن الغزو الثقافي الصهيوني للرسالات السماوية تمكن من تحربف معنى (ربا المال) الذي أذن الله بالحرب فيه، وحوله من نمو الكمية وتدني كثافة المادة الحيوية التي تحملها النقود، أي (التضخم المالي) وجعل إسمه (فائدة) وبذلك أفقد التحريم زخمه وقوته العلمية وجعل الناس يسكتون عن التكاثر ويلتهون به بحجة ان قيمة المال ستتدنى. فإذا أدرك عقلنا واجب نصرة الله في الحرب ضد التضخم أي نمو الكمية على حساب النوعية، فإننا سنصل الى حقيقة ان كافة انواع العملات المتداولة في العالم هي كالسيف المعدني الذي سينكسر مباشرة عند ولادة السيف الفولاذي، أي المال المحصن من تسرب المادة الحيوية التي ينقلها والذي تنمو فيه كثافة هذه المادة، فتنمو نوعيته وتنمو قدرته الشرائية، وإذا أدرك عقلنا بأن شعوب العالم كله تبحث عن العملة التي تشكل الملاذ الآمن لثروتها وأن اللقب العلمي لهذه العملة هو أنها تزكو، أي أنها محصنة من السرقة وتنمو قيمتها ولا تتعرض للتضخم، فسندرك بأننا إكتشفنا عصا موسى التي ستبتلع حبال المفسدين في الأرض شذاذ الآفاق المشعوذين، والتي ستنهي استخدام العملات التي تربو، وكل ما في الظسألة هو إدراك المؤمن المسيحي لما قاتل السيد المسيح عليه السلام تجار المال ولما أمر بمكافأة الخادم المنتج ومعاقبة البليد الفاسد. كما إدراك المؤمن المسلم السبب الوحيد للإذن بالحرب في الرسالة الخاتمة ووجوب ولادة المال المحصن المنيع الذي يزكو. وبعدها ستولد حضارة انسانية جديدة تحقق الرحمة والسعادة والأمن والمحبة والتطور في كافة أصقاع الارض.
وعليه سيكون تحرير فلسطين بالنسبة للنصر الذي أرجوه من الله أسهل من شربة ماء أو طرفة عين بإذن الله.