رأي

«الشمال الثانية»: ميقاتي قاطع أم ساوم؟

كتب محمد ملص في “الاخبار”:

مفاجآت كثيرة أسفرت عنها الانتخابات النيابية في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية)، غير أن هزيمة لائحة «للناس» الائتلافية المدعومة من الرئيس نجيب ميقاتي قد تكون أكبرها، إذ لم تنل أكثر من حاصل واحد فاز به النائب كريم كبارة (غير المحسوب على ميقاتي)، في مقابل فوز لائحة تحالف أشرف ريفي – القوات اللبنانية بثلاثة حواصل ولائحة المتمردين على قيادة تيار المستقبل بحاصلين (في المنية والضنية).
سيناريوهان يجري تداولهما في طرابلس لتفسير أسباب هذه الهزيمة المدوّية، أولهما أن رئيس الحكومة استجاب لتمنيات الرئيس سعد الحريري بالمقاطعة، والثاني أنه رضخ لتمنيات سعودية بـ«تحييد» نفسه لإفساح المجال أمام اللوائح التي تدعمها الرياض، وفي مقدمها لائحة ريفي – القوات. وفي الحالتين، الثابت أن ميقاتي لم يخض معركة اللائحة، ولم يحرّك ماكينته الانتخابية لدعم حتى المرشحين المحسوبين عليه مباشرة كالنائب السابق علي درويش والمرشح عن المقعد الماروني سليمان عبيد، بل ساهم في إيصال مرشحين من لوائح أخرى عبر دعمهم أو تجيير أصوات المحسوبين عليه إليهم.
مرشحون في اللائحة اتهموا رئيس الحكومة بنكث تعهّداته، وأكّدوا لـ«الأخبار» أن رئيس الحكومة وعدهم بتحريك ماكينته الانتخابية دعماً للائحة، «لكننا فوجئنا يوم الانتخاب بأن الماكينة تعمل لمرشحين من خارج اللائحة، على رأسهم إيهاب مطر (طرابلس) وعبد العزيز الصمد (الضنية) وأحمد الخير في المنية»، لافتين إلى أن غالبية أصوات ميقاتي في طرابلس صبّت لمصلحة مطر الذي حظي أيضاً بدعم الماكينة الانتخابية للوزير السابق محمد الصفدي. كما أعلن محسوبون على رئيس تيار العزم (سعد المصري وعلي محيش وغيرهما) وقوفهم إلى جانب النائب المنتخب في المنية أحمد الخير. ولا تجد المصادر تفسيراً لموقف ميقاتي، «لكن الثابت أننا لم نكن سوى كبش محرقة على مذبح صفقة سياسية لم تتضح معالمها بعد».

إلى ذلك، أشارت المصادر إلى أن عدد الأصوات التفضيلية الذي ناله مرشح القوات في طرابلس الياس خوري (3,043 صوتاً) «غير منطقي، وهو رقم كبير جداً مقارنة بعدد المقترعين الموارنة في المدينة»، علماً أن مجمل عدد الناخبين الموارنة في طرابلس لا يتجاوز الـ 6000. ولفتت إلى أنه رغم أن ميقاتي صرّح قبل عشرة أيام من الانتخابات بأن طرابلس لا تحتمل أن يمثّلها نائب محسوب على القوات اللبنانية، «إلا أن ما خرج من صناديق الاقتراع أوحى بغير ذلك، ويتقاطع مع ما يتداول في الشارع الطرابلسي عن رضوخ ميقاتي لطلب سعودي بعدم دعم مرشحه سليمان عبيد تسهيلاً لفوْز مرشح القوات». وسألت ما إذا كان ذلك من ضمن «صفقة» تتضمّن عدم معارضة القوات تسمية ميقاتي في حال تم طرح اسمه لرئاسة حكومة ما بعد الانتخابات.
بالعودة إلى الأرقام التي نالتها لائحة «للناس»، يتبيّن أن المرشحين فيها نالوا أصواتاً تعكس حجمهم التمثيلي فقط، وأنه كان بإمكان اللائحة نيل أكثر من حاصل لو أن ماكينة العزم جيّرت أصواتها لها. فالمرشح الوحيد الفائز من اللائحة كريم كبارة، مثلاً، عمل ضمن ماكينته الانتخابية القوية ونال نحو 4,961 صوتاً، وحلّ المرشح عن مقعد المنية كاظم الخير ثانياً (4,038) وبراء هرموش عن مقعد الضنية ثالثاً (1,488). ونال عبيد 1,345 صوتاً والنائب علي درويش 802 صوت.
في انتخابات 2018، وصل عدد المقترعين في دائرة الشمال الثانية إلى 151,759 مقترعاً من أصل 355,144 ناخباً أي ما نسبته 43.34%. وبلغت نسبة المقترعين في طرابلس 39.63%، وفي الضنية والمنية حوالي 51.16%. ونجحت ثلاث لوائح حينها في الحصول على حواصل انتخابية هي: المستقبل (51,937) والعزم (42,019) و«الكرامة الوطنية» (29,101). وتوضح الأرقام أن المستقبل مع العزم حصلا على 93,956 صوتاً أي ما يعادل 61.9% من الأصوات، والقوى الحليفة لـ 8 آذار (الكرامة الوطنية ولائحة قرار الشعب) على 33,223 أي 21.9%، وحصلت لائحة ريفي ولوائح المجتمع المدني على 16,968 أي ما نسبته 11.2%. عليه، ليس منطقياً أن تكون مقاطعة المستقبل وحدها ما أدى إلى نتائج انتخابات 2022، لذا من الواضح أن انكفاء ميقاتي ساهم في تقدّم لائحة ريفي ولوائح المجتمع المدني. أما الحديث عن انقلاب المزاج الشمالي والطرابلسي فيبدو بعيداً عن الواقعية، خصوصاً أن لائحة تحالف كرامي – جهاد الصمد حافظت تقريباً على أرقام حواصلها كما في عام 2018.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى