رأي

الشرق الأوسط بين “الطوفان” و”البركان”.

كتب وليد فارس في إندبندنت عربية.

صعقت العملية الهجومية لحركة “حماس” على طول خط الحدود مع إسرائيل، من جنوب تل أبيب إلى وسط النقب، العالم أجمع ودفعت بالمنطقة، من شرق المتوسط إلى عمق إيران، إلى مجهول جديد حيث يتسارع الصراع مع السعي نحو السلام إلى أن يحسم الأمر بينهما. الأسئلة لا تنتهي، ولكنها تتراكم بينما الأحداث تتسارع باتجاه شلال من التطورات ينتظر المنطقة. ومع أن حرب “حماس” مع إسرائيل باتت قديمة، فلقد انتقلت إلى بعد جديد من العنف لا يزال في بدايته. فلنستعرض ما يمكن استعراضه قبل أن يجرفه نهر المواجهة المتصاعدة. من العملية بحد ذاتها، إلى المعادلة القائمة إذا انفجرت إقليمياً، إلى الاحتمالات الممكنة، إلى النتائج السلبية على السلم و الاستقرار في الشرق الأوسط. 

عملية “حماس”

من دون شك خلفت العمليات الهجومية لحركة “حماس” باختراقها الحدود مع إسرائيل، صدمة لدى الرأي العام الإسرائيلي والغربي، ونشرت جواً اغتباطياً لدى مؤيدي الجماعات الإسلامية على جميع أنواعها والتيارات القومية العربية، من بعثية إلى ناصرية. هذه القوى في المنطقة العربية احتفلت “بالنصر المبين” واكتسبت آمالا بأن “الكيان الصهيوني ممكن هزيمته” وباتت تعد بمزيد من “الفتوحات”. وانتشر القلق بين صفوف المعتدلين في المنطقة لأن “غزوة النقب” ستعطي المحور “انتصاراً” ليوظفه سياسياً ليسحب سجادة “القضية” من تحت أقدام الدول المعتدلة وتسيطر عليها طهران وحلفاؤها. في المقلب الآخر انتشر الهلع بين المدنيين وعلا الصراخ للمطالبة بالدفاع عن المواطنين، وانكبت الحكومة الإسرائيلية على دراسة الخطوات الممكنة لطمأنة شعبها. وتذكرنا هذه العملية بضخامة هجمات “القاعدة” في نيويورك وواشنطن، ورد فعل أميركا عليها، وقد وصفت بالخوف أولاً، وبعد ذلك تحولت إلى غضب، ومن الغضب خرجت حرب لعقدين. وملامح الأمور ستتجلى أكثر في المرحلة التي بدأت في ذاك اليوم من أكتوبر (تشرين الأول).

العملية في حد ذاتها يمكن وصفها بأنها سلسلة عمليات “كومندوس” كالتي حصلت في أوائل “عملية العبور” بين مصر وإسرائيل خلال حرب أكتوبر في 1973، وكانت قد أدت إلى إنزال الجيش المصري على خط بارليف والتوغل في سيناء. أما في أوائل “غزوة حماس” فقد أدت عمليات الصاعقة الصباحية إلى السيطرة على معظم “غلاف غزة”، وإقامة شبه حدود جديدة للقطاع مع الداخل الإسرائيلي على طول 50كم، لو ثبت الخط الحماسي. ولكن معظم الخبراء الذين تابعوا العملية كانوا يعلمون أن عملية اقتحام خط بارليف على السويس كانت من تنفيذ جيش نظامي مهني تحت إشراف الدولة المصرية وله قدرات “تحرير الأرض” في حرب تخاض تحت القوانين العسكرية الدولية، وهذا ما حصل.

أما “غزوة النقب” وإن لم يكن ممكناً أن تستمر لأكثر من يوم أو اثنين، أصبحت بنظر معظم العالم والقانون الدولي، عملية إرهابية، لأنها انحرفت عن أهداف عسكرية لتتحول إلى عدوان على مدنيين من كل الأعمار وقتلهم واعتقالهم وخطفهم من بيوتهم. ولعل انتشار صور وفيديوهات قتل الأطفال في بيوتهم من ناحية والمراهقين الذين شاركوا في حفل موسيقي من ناحية أخرى، قد فجر موجة نفسية عميقة داخل إسرائيل وصلت آثارها إلى العمق الأميركي وتذكر بالجو المتفجر بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وما لحقها من حروب. والإشارة هنا إلى أن هذا الحدث أوجد لحظة من الوحدة السياسية داخل الولايات المتحدة تمثلت بوقوف الرئيس جو بايدن والكونغرس الجمهوري كلياً إلى جانب إسرائيل، وانتقلت اللحظة إلى أوروبا وسائر الغرب. في المقابل أيدت إيران ومحورها “حماس”، وهللت الجماعات الإسلامية لهذه الأخيرة، مؤشرة إلى أن “الطوفان” مستمر، و”البركان” سينفجر بوجهه.

إلى أين؟

الوضع سيتجه إلى حرب ستقودها إسرائيل تبدأ في غزة، ولكنها ستمتد إلى جبهات أخرى بما فيها في لبنان وسوريا حسب التطورات على الأرض. طبعاً يوافق الخبراء أن دخول غزة ليس “رحلة سياحية” لما لـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” من سلاح وعدد وقدرة على حرب الشوارع. أي معركة في القطاع قد تكون أكثر شراسة من اقتحام بيروت الغربية في سبتمبر عام 1982 بعد انسحاب الفصائل الفلسطينية، لأن “ميليشيات” غزة أكبر وأكثر تسليحاً. الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية غير معروفة، ولكنها أياً تكن ستواجه مشكلة الخسائر المدنية في القطاع، وملف صعب آخر هو الرهائن. إلا أنه وعلى رغم من الملفين الدقيقين، فالواضح أن الآلة العسكرية الإسرائيلية ستتمكن من تنفيذ هدفها إذا قررت الدخول، ولكن المسألة ستدور حول الثمن، وهو أمر لا يمكن التكهن به بعد لأن شكل العملية لم يتضح حتى الآن. 

الموقف الأميركي

لقد وصفت واشنطن العملية بأنها إرهابية وبالتالي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بالرد، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي، وستحصل وزارة الدفاع في تل أبيب على ما تحتاجه لوجيستياً للقيام بهكذا عملية. وأرسل البنتاغون حاملة طائرات فورد (Ford) إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط للردع ضد أي تدخل إيراني مهمتها “ردع أي عمل عدواني ضد التحالف الغربي الذي سيستهدف حماس لتحرير الرهائن، إذا اقتضى الأمر”. والمنطقة المطلوب “ردع الإرهابيين فيها تشمل لبنان وسوريا”.

إيران

خلاصة التحليل الاستخباراتي الغربي أن طهران تقف وراء عملية “حماس” وبالتالي فالمحور ككل، بما فيه “حزب الله” والنظام السوري والحشد الشعبي وحتى جماعة الحوثي، يعتبر مسؤولاً. النظام الإيراني يتكل على الوضع السياسي المنقسم في أميركا للتهديد بشن عمليات من الجبهات الثلاث ضد إسرائيل. ولكن الضغط الشعبي الأميركي قد يلزم واشنطن بشن حملة ردع. طهران تراهن على كسب الجولة عبر لعب ورقة الرهائن من ناحية وإدخال موسكو في الحلبة من ناحية أخرى. ولكن صور القتلى من الأطفال والمدنيين تذكر المواطنين الروس بمجزرة مدرسة بيسلان في القوقاز، بغض النظر عن الكرملين. فالقتال في سبيل مدنيين روس داخل أوكرانيا شيء والتحالف مع مجموعة تشبه من قتل أطفال الروس، على ذمة قادة عسكريين روس، شيئاً آخر. إيران تعتقد أن مصالح الاتفاق النووي داخل أميركا أقوى من التحالف مع إسرائيل. سنرى.

ويبقى الموقف العربي، الذي سأتوقف عنده في مقال آخر. فالتحدي كبير والوقت قصير والخيارات صعبة، على الأقل في الظاهر. لكن يبدو أن هنالك تصورات لدور عربي معين. ولكن السؤال هو، هل قبل حرب القطاع أم بعده؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى