كتب سعد بن طفلة العجمي في صحيفة إندبندنت عربية.
صدر قبل يومين تقرير إيراني رسمي قدمته لجنة متخصصة من هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية حول نتائج التحقيق في تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وصحبه خلال مايو (أيار) الماضي.
وخلص التقرير إلى أن “الظروف الجوية المعقدة” هي السبب في الحادثة، كما نفى أن يكون هناك تقصير في صيانة الطائرة أو وجود عمل تخريبي تسبب في تحطم طائرة الرئيس.
في الـ31 من يوليو (تموز) الماضي، أي قبل خمسة أسابيع، اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في مقر إقامته الرسمي بطهران أثناء حضور مراسم تتويج خَلف رئيسي الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
اغتيال هنية كان ضربة موجعة ومحرجة لإيران، فهنية قائد حركة “حماس” وإيران تدعم الحركة وقادة الحركة لا تتوقف ألسنتهم عن اللهج بالثناء والمديح لإيران لدعمها المقاومة وحمايتها من أجل تحرير فلسطين.
إيران الرسمية توعدت إسرائيل التي لم تعلن مسؤوليتها عن الاغتيال، لكنها لا تحتاج إلى الإعلان، فلا أحد له مصلحة أو قدرة على اغتيال إسماعيل هنية وفي عقر عاصمة “محور المقاومة” سوى إسرائيل. والتهديد والوعيد بالانتقام من إسرائيل لاغتيالها هنية جاءا من أعلى السلطات، فهدد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي بالانتقام لاغتيال هنية.
فلماذا تأخر الانتقام الإيراني من إسرائيل حتى الآن؟.
بتهديدها بالانتقام، تحركت الأساطيل الغربية إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وحذر القادة الغربيون وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن من الرد الإيراني، وأجرى قادة فرنسا وبريطانيا اتصالات هاتفية بالرئيس بزشكيان محذرين من الرد غير الـ”منضبط” تجاه إسرائيل. ويسعون إلى رد شبيه بردّ إيران خلال أبريل (نيسان) الماضي بعد تدمير قنصليتها في دمشق واغتيال سبعة من أكبر قادتها الثوريين في بلاد الشام. كان رداً يمكن اختصاره بالمثل الشعبي، “ما يموت الذيب، ولا تفنى الغنم”.
تسربت أخبار عن لقاءات أميركية- إيرانية بعضها يقول إنها جرت داخل إيران نفسها للتشاور حول كيفية الرد الذي لا بد لطهران من اتخاذه ولو من باب “حفظ ماء الوجه”.
تردد في إيران صوتان، صوت يدعو إلى الانتقام، وصوت يريد الاغتنام. صوت يرى أن عدم الرد والانتقام سيزيد من تعرية الموقف الإيراني باستغلال القضية الفلسطينية من أجل مصالح إيران فحسب، وهو صوت عالٍ داخل مؤسسة الحرس الثوري، وصوت براغماتي يقول إن هنية “شهيد” مثل مئات آلاف الفلسطينيين وإن علينا أن نفكر في ما يمكن تحقيقه لإيران من وراء عدم الرد المنفلت ضد إسرائيل الذي قد يجلب ما لا تحمد عقباه على إيران نفسها، أي إنه صوت يفكر بطريقة تجار البازار (السوق) الإيراني، يفكر بالغنيمة والاستفادة من الجريمة.
كما تسرب أن الوفد الأميركي قام مع الإيرانيين بأدوار “الشرطي الطيب والشرطي الشرير” كما في الأفلام الأميركية حين يحقق مع متهم ما شرطيان، أحدهما يبدو شريراً عنيفاً يهدد المتهم بالاعتراف، والأخير ليّن هيّن يحاول إقناع المتهم بالاعتراف تجنباً لعواقب وخيمة.
وما تسرب أن الشرطي الشرير هدد بقصف مواقع داخل إيران، بل طهران نفسها، إن جاء الرد الإيراني على اغتيال هنية خارج “قواعد الاشتباك المنضبطة”. بينما حاول الشرطي الطيب تقديم إغراءات، بينها تخفيف بعض العقوبات والمسارعة إلى إحياء الاتفاق النووي قبل الانتخابات المقبلة، وهو اتفاق لو تم فستتصدر واجهة إحيائه المرشحة الديمقراطية ونائبة بايدن كامالا هاريس التي يعاب عليها عدم معرفتها بالسياسة الخارجية وقلة فهمها لألاعيب المفاوضات الدولية.
لم تنتهِ السلطات الإيرانية بعد من التحقيق في كيفية اغتيال إسماعيل هنية، هل تم بصاروخ بعيد المدى من الخارج؟ هل تم بمسيّرة ذكية من الداخل أو أتت من الخارج؟ هل تم بتفجير من داخل الفيلا وضعت مواده قبل وصول هنية بمدة، كما ذكرت “نيويورك تايمز” قبل أسابيع؟، وعلى ضوء نتائج التحقيق ستقرر إيران موقفها بين الانتقام أو الاغتنام.
انتهى التحقيق في حادثة تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن الطقس السيئ وراء الحادثة. ومن يدري؟، فقد يكون الانفجار الذي أودى بحياة هنية ومساعده ناجماً عن أسطوانة غاز داخل الفيلا التي كان ينام فيها وقت وقوعه، ويكفي الله المؤمنين شر القتال!.