رأي

الرؤية الإماراتية: مقاربة عقلانية لأزمات الشرق الأوسط

كتب حميد قرمان في صحيفة العرب.

رؤية تتجاوز تعقيدات الماضي ويتحرر من خطاب سيطر على الوعي العربي لسنوات بوهم “شيطنة الغرب” ومحاربته وتؤسس لثقافة التعايش السلمي بمعانيها العصرية في ظل ما تشهده البشرية من تطور.

في تصريحات للدكتور أنور قرقاش، مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، قال إن المنطقة تعيش تحديات كبيرة وجراحها ما زالت مفتوحة، لكن الحلول العسكرية ليست المخرج، بل الحكمة والدبلوماسية وحوار يقوده أهل المنطقة، مضيفا “لقد دفعنا ثمن ضعف الدولة الوطنية وسيطرة الأيديولوجيات والميليشيات، والآن حان الوقت لبناء مستقبل جديد يقوم على السيادة والعدالة والازدهار.”

بهذا السياق البلاغي، الذي يعكس فهمًا عميقًا ومتقدمًا لطبيعة الأزمة التي تعتري الشرق الأوسط، وتشخيصًا دقيقًا لطبيعة الصراع المتجسد في أفكار يمينية وأصولية متقاطعة، تسعى لتأجيج نيران حروب لم يدفع ثمنها إلا شعوب المنطقة، يؤكد قرقاش حقيقة جلية: أن الأمن والاستقرار لا يأتيان من الخارج، ولا من دوائر العنف، بل من التعقّل والحوار الجاد بين دول المنطقة.

حوار يتجاوز تعقيدات الماضي، ويتحرر من خطاب سيطر على الوعي العربي لسنوات، بوهم “شيطنة الغرب” ومحاربته. حوار يؤسس لثقافة التعايش السلمي بمعانيها العصرية، في ظل ما تشهده البشرية من تطور وتقدم ينعكسان على مفاهيم الحياة. فلا يُعقل أن نعيش في القرن الحادي والعشرين، وما زال البعض يؤمن بمبدأ الغزوات.

ومع تسارع المتغيرات على المسرح الدولي، وافتقار المنطقة إلى سياسات واقعية ضمن إطار دبلوماسي قادر على الخروج من أجندات أيديولوجية وأصولية عاثت في الأرض إرهابًا ودمارًا، تبرز الحاجة إلى تبنّي رؤية أوسع وأشمل للعلاقات الدولية، تستند إلى أرضيات صلبة من التعاون بين مختلف القوى الدولية والإقليمية، للتكيّف مع التحديات والفرص التي تفرضها البيئة العالمية المتغيرة.

فالحلول المجتزأة غالبًا ما تكون مؤقتة أو تزيد من تعقيد الأوضاع، في حين أن تجاوز الأزمات والصراعات يبدأ ببناء دولة وطنية قوية، ومؤسسات مستقلة، قائمة على احترام السيادة والمواطنة، وهما الركيزتان الأساسيتان لبناء سلام عادل ومستدام، يعكس رؤية سياسية ناضجة تضع أسسًا واقعية لازدهار حقيقي.

وإن كانت المنطقة العربية قد خضعت في فترات سابقة لنهج الميليشيات، التي توغلت في بعض الوعي العربي الجمعي بمفردات ومفاهيم لم تفرض واقعًا أفضل، فإن المطلوب اليوم هو تجاوز هذا النهج الذي أساء إلى الدولة الوطنية، واستحوذ على قراري الحرب والسلم. وقد رأينا نتائج ذلك منذ السابع من أكتوبر، وتداعياته التي طالت عواصم عربية دُمّرت، وشعوبًا عربية تعاني من ويلات الحروب وآثارها: قتل ودمار وركام.

وضوح الرؤية السياسية الإماراتية، جعل بعض الجماعات والميليشيات في المنطقة تعادي هذا النهج، وتحاول النيل منه والتشكيك في صوابيته. ومع ذلك، لم ينجرّ ساسة الإمارات إلى معارك جانبية لا طائل منها، بل واصلوا الدفع نحو إحداث زخم دولي حقيقي، يواكب التغيرات والمجريات في المنطقة، لإنتاج مقاربات تستند إلى الواقعية السياسية، وتُسهم في تحقيق السلام والأمن الإقليميين.

وهنا، تبرز مسؤولية النخب الفكرية والثقافية العربية في مواجهة هذه الجماعات والحركات والميليشيات، وكشف خطابها، والالتفاف حول الرؤى السياسية الإماراتية المنسجمة مع دولة عربية وازنة، والعمل على تسويقها ورفع الوعي العربي الجمعي بها، كمقدمة حقيقية لتجسيد السلام في الشرق الأوسط.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى