اقتصاد ومال

الجزائر: مشاريع جديدة لإطفاء لهيب سوق السيارات

برزت مشاريع جديدة لإقامة مصانع تركيب وتجميع سيارات في الجزائر لعلامات دولية تعول عليها السلطات لإعادة الاستقرار لهذا السوق الذي كسر كل القواعد الاقتصادية العالمية، ووصل بالمركبة المستعملة لأن تباع بضعف السعر الذي اشتُريت به بعد سنوات من السير في ظل ندرة غير مسبوقة.

في هذا السياق، زار وفد من علامة هيونداي الكورية الجنوبية الجزائر في الثامن من يوليو/ تموز الجاري، وأجرى مباحثات مع وزير الصناعة علي عون، وأعرب عن “استعداده لإنشاء مصنع بالجزائر، وفق معايير الشركة الدولية، يسمح بإنتاج ثلاثة موديلات من السيارات السياحية، إضافة إلى نوعين من السيارات النفعية (التجارية)، كما تعهد الطرف الكوري الجنوبي أيضا بإنتاج سيارة كهربائية في الجزائر، حسب بيان لوزارة الصناعة.

وأوضح البيان أنه “في إطار تنفيذ سياسة وزارة الصناعة في مجال بعث نشاط تصنيع المركبات، استقبل وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون وفدا يضم كبار مسؤولي شركة هيونداي من أجل عرض مشروع تصنيع السيارات لعلامة هونداي بالجزائر”.
ولفت المصدر ذاته إلى أن الوزير استمع إلى عرض مفصل قدمه مسؤول شركة هونداي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طارق مصعب، الذي أكد أن هذا المشروع “سيدخل في إطار سياسة الحكومة الجزائرية الرامية إلى إنشاء صناعة حقيقية للسيارات مع تحقيق نسبة إدماج معتبرة”.

وفي سنة 2020 أغلقت السلطات الجزائرية مصنع العلامة الكورية الجنوبية هيونداي بولاية تيارت، غربي البلاد، على خلفية سجن مالكه رجل الأعمال محيي الدين طحكوت، المقرب من الرئيس الأسبق الراحل عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه السعيد، بتهم فساد.


استئناف قريب لرينو ومشاريع صينية

وخلال الأسبوع الماضي، أعلن وزير الصناعة الجزائري خلال لقاء مع مصنعين محليين لقطع الغيار والإطارات (العجلات)، أن مصنع العلامة الفرنسية رينو سيستأنف نشاطه قريبا بعد توقف استمر منذ 2020، دون الإشارة إلى موعد محدد لإطلاقه ولا إلى طاقته الإنتاجية السنوية.
ولفت عون في حديثه مع المصنعين المحليين لقطع الغيار إلى أنه يجب عليهم التواصل مع مصانع فيات ورينو الذي سيستأنف قريبا، إضافة إلى العلامة الصينية جاك، ليكونوا جزءا من النسيج الصناعي لرفع نسبة الإدماج المحلي.
ويوجد مصنع رينو بمنطقة واد تليلات بولاية وهران الساحلية، غربي الجزائر، لكنه توقف عن النشاط منذ 2020 في إطار تحقيقات قضائية طاولت جل مصانع تركيب وتجميع المركبات التي أقيمت في حقبة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بتهم فساد.
وذكرت وسائل إعلام محلية جزائرية نقلا عن مصادر لم تسمها، أن المصنع سيدخل مرحلة الإنتاج مجددا في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، بعد إنفاق 15 مليار دينار (112 مليون دولار)، لتحديث خطوط الإنتاج والقيام بالمطابقات اللازمة مع دفتر الشروط المنظم لنشاط القطاع.
وقبل توقفه عن النشاط، بلغ المصنع ذروته الإنتاجية بأكثر من 60 ألف مركبة سنويا من علامتي رينو وداسيا (فرع لرينو).
وحاليا يوجد مصنع واحد قيد النشاط لتركيب وتجميع السيارات بالجزائر، يعود لعلامة “فيات” الإيطالية المملوكة لمجموعة ستيلانتيس العالمية، وهو أيضا موجود بولاية وهران، غربي البلاد.
وحسب بيانات رسمية لوزارة الصناعة، سينتج المصنع بنهاية العام الجاري 40 ألف مركبة من طرازي “فيات 500″ و”فيات دوبلو” التجارية، على أن يصل إلى 90 ألف مركبة بنهاية 2025.
كما سبق لعلامات جيلي وشيري وجي تور الصينية أن أعلنت عن مشاريع إنشاء مصانع تركيب وتجميع في الجزائر ستدخل مرحلة الإنتاج تباعا اعتبارا من نهاية 2025.


السيارات وتجربة “مصانع نفخ العجلات”

يعتقد الإعلامي الجزائري ومدير الموقع الإخباري “الجزائر اليوم” فيصل سرّاي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن المسؤولين في الفترة الأخيرة أعلنوا عن رغبتهم في تأسيس صناعة سيارات قوية بالجزائر.
ولفت سرّاي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن آخر نشاط في هذا الاتجاه كان استقبال وزير الصناعة وفداً رفيع المستوى لعلامة هونداي الكورية الجنوبية.

وشدد على أن “السلطات الجزائرية تريد أن تؤسس لصناعة حقيقية وليس فقط نشاط التجميع والتركيب، وبذلك هناك رغبة رسمية في الاستفادة أيضا من التكنولوجيا الأجنبية في صناعة السيارات”.
وخلص سراي إلى أن كل ذلك يقود إلى قطع الطريق أمام ممارسات سابقة لرجال أعمال تسببت في خسائر كبيرة للاقتصاد الجزائري قدّرها الرئيس عبد المجيد تبون بثلاثة مليارات دولار، في إشارة لما بات يعرف في الجزائر بـ”مصانع نفخ العجلات” في حقبة بوتفليقة.
وأضاف: “حتى مصنع رينو الفرنسية بمدينة وهران لم تعط السلطات موعدا لعودته إلى النشاط مجددا لأنها لا تريد طريقة العمل نفسها، فالحكومة لا تريد تجميع السيارات فقط، هي تريد صناعة حقيقية تعتمد على جلب وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وأيضا نقل التكنولوجيا مع نشاط للإدماج المحلي”.

المزيد من الاستقرار
أما الإعلامي والخبير المتخصص في سوق السيارات محمد منداسي، فيرى أن سوق السيارات بالجزائر شهد طلبا متزايدا على المركبات الجديدة في السنوات الأخيرة، في ظل عرض محدود جدا وحالة ركود بسبب العديد من القيود الاقتصادية والتنظيمية.
ومع ذلك، يضيف منداسي في حديث لـ”العربي الجديد”: هناك بصيص من الأمل يلوح في الأفق مع إطلاق مشاريع تجميع السيارات من قبل علامات تجارية مثل جيلي، وشيري، وهيونداي، وجي تور وجاك، فضلا عن عودة رينو التي طال انتظارها، بالإضافة إلى علامة فيات من خلال مجموعة ستيلانتيس.
وتحمل هذه المبادرات، حسب منداسي، آمالا كبيرة لسوق السيارات، من منطلق أنها ستوفر استقرارًا أكبر وتطرح مزيدا من الموديلات التي ينتظرها العملاء بفارغ الصبر، سواء من حيث توفر المركبات بموديلات متعددة، وأيضا من خلال خدمات ما بعد البيع المحلية.
وخلص المتحدث إلى أن كل هذه المشاريع لتركيب وتجميع السيارات ستساهم حتما في توفير وظائف محلية وتشجيع الإنتاج الوطني.

أزمة مستمرة منذ 2015

ويشهد سوق السيارات في الجزائر تذبذبا واضطرابا منذ العام 2015، بعد إجراءات حكومية لضبط الواردات وكبح نزيف النقد الأجنبي. وعمدت السلطات حينها لتسقيف الواردات بمنح حصص محددة سلفا لكل علامة، بعدما بلغت الفاتورة ذروتها عامي 2013 و2014 بإنتاج أكثر من 600 ألف سيارة جديدة بما يزيد عن ستة مليارات دولار.
واعتبارا من 2017 أوقفت الحكومة استيراد السيارات الجديدة، وأطلقت مشاريع جديدة لتركيب وتجميع المركبات لعدة ماركات عالمية، على غرار رينو الفرنسية وهونداي وكيا الكوريتين وفولكس فاغن الألمانية وسوزوكي اليابانية.
وحسب مراقبين، فإن تركيب وتجميع السيارات في الجزائر مني بالفشل بدليل وجود العديد من أصحاب المشاريع في السجن بتهم فساد، وعدم بلوغ نسب الإدماج التي استهدفتها السلطات، وهي المشاريع التي وصفت حينها بـ”نفخ العجلات”، في إشارة إلى جلب المركبات شبه مكتملة من الخارج وتركيب العجلات فقط في الجزائر.

وأدت الإجراءات الحكومية لتنظيم سوق السيارات على مدار السنوات الماضية لفوضى وندرة في المعروض، وارتفاع كبير في أسعار المركبات المستعملة فاق كل التصورات.



السيارات المستعملة مرتفعة الثمن

دفعت تعقيدات سوق السيارات في الجزائر إلى ندرة حادة في المركبات سواء الجديدة أو المستعملة، في ظل إحجام المواطنين عن البيع مخافة عدم الحصول على بديل، ولهيب في الأسعار لم تعرف البلاد مثيلا له.
وصارت أسعار السيارات المستعملة مدعاة لروح الدعابة في الجزائر، من منطلق أن سيارة عمرها عشر سنوات تباع حاليا أغلى من السعر الذي بيعت به في 2014.
ويقول مواطن من ولاية جيجل الساحلية، شرقي الجزائر، يدعى حسين زيموش، لـ”العربي الجديد”، إنه باع سيارته من علامة “سيات” الإسبانية فرع فولكس فاغن الألمانية بمليوني دينار، أي ما يقارب 15 ألف دولار، بعد امتلاكها لنحو تسع سنوات، في حين أنه اشتراها بمليون و400 ألف دينار، أي ما يقارب عشرة آلاف و500 دولار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى