أبرز

التقارب السعودي مع دمشق… بين الضرورة والخيار

  فيما بدأت الرياض تحضيراتها لانعقاد القمة العربية ، يكثر الحديث عن محاولة حثيثة من قبلها لجمع الصف العربي، والحدّ من التدخلات الإقليميّة في بعض الدول العربيّة ، بالإضافة الى التحديات الإقليمية كذلك القيام بما يمكن القيام به في بعض الدول أبرزها اليمن وسوريا وفلسطين وليبيا وغيرها .

 وفيما بدا واضحا التقدم الحاصل في شأن الملف اليمني والتسوية مع السعودية، يبدو ان التقارب السعودي مع دمشق أصبح قريباً ، في ظل الكلام الأخير لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول “الاجماع الذي بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين”. وقال”سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.

 هذه التصريحات تمثل تغيّراً في السياسة بالمقارنة مع السنوات الأولى للأزمة السورية المستمرة منذ ما يقرب من 12 عاما، عندما دعمت دول عربية، من بينها السعودية، جماعات من المعارضة المسلحة ضد الرئيس بشار الأسد.

وبصرف النظر عن حصول زيارة الوزير بن فرحان الى دمشق في القريب العاجل أو تأجيلها، فإن تحولات السياسة الخارجية السعودية تشي بأن التقارب السعودي السوري سيحصل عاجلاً أم آجلاً .

 وبناء عليه، شهدت الأيام الأخيرة بوادر تقارب سوري- سعودي ، فالرياض التي إنتهجت خطاً متشدداً يقوم على ضرورة تغيير الرئيس السوري كمدخل ضروري لحل الأزمة هناك، فضلاً عن دعم المعارضة وتمويل بعض تنظيماتها المسلحة، باتت تتكلم اليوم بلهجة مختلفة.

 إن عودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية بين الدولتين الرئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط بكل تأكيد يخدم مصالح الدولتين، وينعكس إيجابيا بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، كون كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.

لكن أمام التقارب السعودي السوري معوقات  تبدأ بالتصورات السعودية للحل السياسي في سوريا وضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يهدف إلى التوصّل إلى تسوية سياسية دائمة عبر فتح المجال لتعدديّة سياسية حقيقية في سوريا تهدف إلى تغيير نظام الحكم.

وتقول مصادر مقربة من دمشق انه من المستبعد أن يقوم الأسد بقبول عرض السعودية للعودة إلى الحضن العربي على حساب تحالفه مع إيران، لأنها حسب منظوره لن تمكِّنه من كسر العزلة وإسقاط العقوبات الدولية ضد بلاده، ما دامت الجامعة طرفاً غير مؤثر في القرارات الدولية، وما دامت بعض العواصم العربية مستعدة لاستقباله من دون الحاجة إلى عمل عربي مشترك.

  إن الانفتاح السعودي على الحكم في دمشق يمثل بالنسبة إلى السعوديين جزءاً من التخلص من إرث الحروب المكلفة السابقة، والتوجه نحو سياسة صفر مشاكل، لكنه في الوقت نفسه خيار يعتقد السعوديون أنه سيكون مفيد لاحتواء النفوذ الايراني في المنطقة، على أساس أن التقارب العربي مع الرئيس السوري بشار الأسد سيجعله قادراً على تنويع خياراته السياسية بدلاً من دفعه إلى البقاء في تحالف إستراتيجي إقليمي وحيد مع طهران، وخصوصاً بعدما أبدى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نيّته التقارب مع دمشق، وانخرطت الإمارات في مسار مصالحة مع السوريين منذ سنوات.

 وكانت فاجعة الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا قد فتحت صفحة من التضامن والتعاون مع دمشق. وجاءت الزيارة التي قام بها وزير خارجيّة دولة الإمارات العربيّة المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق. وأيضا زيارة وزير الخارجيّة الأردني أيمن الصفدي. ثم زيارة الوفد البرلماني العربي الذي أحدث نقلة نوعية إستناداً الى المواقف التي صدرت عن بعض الأعضاء، بعد الإجتماع مع الرئيس بشّار الأسد. كما كانت زيارة وزير الخارجيّة المصري سامح شكري بمثابة مهمة سياسية بدوافع إنسانية .

  لذلك سوريا أمام خيارين إما الدفع باتجاه حل سياسي وحتى الآن لا يبدو أن هناك توافقاً إقليمياً ودولياً يسير في هذا الاتجاه، وربما حان الوقت لعقد مؤتمر دولي يقر خطة حقيقية للحل في سوريا ويحرص على تنفيذها، وحتى يتم هذا المؤتمر لا يبقى سوى الحوار للتخفيف من آلام الشعب السوري واستعادة الدولة السورية، وخطوات أخرى كثيرة تساعد في فتح صفحة جديدة بعيداً عن الغالب والمغلوب. ما دون ذلك فإن الخطوات التي شهدناها في الأيام الماضية تبقى ناقصة ولن تكتمل أبداً.

نائلة حمزة عبد الصمد- رأي سياسي

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى