أبرزرأي

التصعيد الغربي سيد الموقف… من أوكرانيا إلى إيران مروراً بالعراق ولبنان

كتب رياض قهوجي لصحيفة “النهار”

شهدت الأيام الأخيرة مجموعة من التطورات تؤشر إلى وجود نية تصعيد على محاور عدة وفي ملفات مختلفة قد تبدو في ظاهرها منفصلة تماماً، إلا أن بعض القواسم المشتركة في ما بينها قد تحمل تفسيرات عدة من ناحية التوقيت.

في ملف حرب أوكرانيا، يبدو أن قادة حلف شمال الأطلسي قرروا التصعيد عبر مدّ أوكرانيا بأسلحة نوعية ذات طابع هجومي لمنع أي تفوق لروسيا ولتعزيز قدرات القوات الأوكرانية من أجل طرد القوات الروسية من الأراضي التي احتلتها. فبحجة وجود تحضيرات روسية لهجوم في الربيع تداعت القيادات الغربية لتزويد أوكرانيا بدبابات قتال رئيسية غربية الصنع يتوقع الخبراء أن تمنح الجيش الأوكرني تفوقاً نوعياً في ساحات القتال. وبعد أخذ ورد وضغوط، قررت كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأميركا وبولندا والنروج والسويد وفنلندا تزويد أوكرانيا بدبابات من طراز “ليوبارد-2″ الألمانية، و”تشالنجر-2″ البريطانية، و”أبرامز” الأميركية و”آ إم اكس-10″ الفرنسية، اضافة الى مجموعة من الدبابات الروسية الصنع طراز “تي-72”.

يتوقع أن تتسلم أوكرانيا ما بين 80 و120 دبابة من هذه الطرازات المختلفة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على أن تتسلم المزيد خلال السنة 2023. الهدف هو تجهيز القوات الأوكرنية بما لا يقل عن فوجين من الدبابات إضافة الى عشرات المدرعات والعربات القتالية التي ستمنحها القدرة على شن هجمات كبيرة وتحرير مساحات واسعة. كما ستتسلم أوكرانيا منظومات دفاع حديثة مضادة للطائرات والصواريخ البالستية والجوالة الأمر الذي سيساعدها في التصدي بفعالية للهجمات الصاروخية الروسية ضد البنية التحتية والمنشآت الاستراتيجية. فنوعية الأسلحة المقدمة من “الناتو” تهدف أيضاً لافشال استراتيجية فلاديمير بوتين بالقصف الاستراتيجي لاستنزاف قدرات الصمود والدفاع الأوكرانية. ويقدم الغرب مساعدات بالمليارات لأوكرانيا لإعادة إعمار البنية التحتية وتمكين الحكومة من توفير كل الخدمات من التعليم والطبابة وغيرها للشعب. فأوكرانيا باتت أشبه بساحة المواجهة بالوكالة لحلف “ناتو” ضد روسيا التي يتم استنزافها اقتصادياً وعسكرياً بشكل كبير يومياً.

وتزامن التصعيد الغربي ضد روسيا مع تصعيد أوروبي – أميركي ضد إيران بعد قرار الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى بفرض عقوبات على “الحرس الثوري” الإيراني وقيادات وكيانات إيرانية. السبب المعلن للعقوبات هو الإجراءات القمعية للنظام الإيراني ضد المتظاهرين، إنما السبب الحقيقي هو التعاون العسكري بين إيران وروسيا والذي قدمت من خلاله طهران أعداداً كبيرة من المسيّرات الهجومية إلى روسيا مقابل تسلمها تكنولوجيا عسكرية متقدمة من موسكو. فدخول إيران ساحة الحرب في أوروبا لن يكون من دون عواقب وخيمة قد تفوق تقديرات القيادات الإيرانية.

وعندما يكون هناك تصعيد ضد إيران، فإن ذلك سيشمل كل الساحات التي تنشط فيها طهران مع حلفائها من قوى الممانعة. فليس مصادفة أن تعود التظاهرات الى الساحة العراقية التي تشهد انهياراً لعملتها مع استمرار المشاكل الاقتصادية. الساحة العراقية كانت شهدت توافقاً بين القوى المدعومة من إيران وتلك المدعومة من الغرب أدت الى وقف الاحتجاجات الشعبية وتشكيل الحكومة الحالية. عودتها اليوم مؤشر إلى أن مفاعيل هذا التفاهم قد انتهت وأن الساحة ستشهد تصعيداً انطلاقاً من الأزمة المالية – الاقتصادية، والتي قد تتسع لتشمل موضوع القانون الجديد للانتخابات وتحديد موعد الانتخابات التشريعية المبكرة.

أما الساحة اللبنانية حيث “حزب الله”، حليف إيران الأهم والأقوى في المنطقة، فقد شهدت انهياراً غير مسبوق للعملة المحلية والتي تدفع بسرعة إلى تضخم أسعار لا مثيل له. أسعار الدواء والغذاء والبنزين تتغير بين الصباح والمساء من دون تحرك من السلطات الحاكمة التي من الواضح أنها عاجزة عن فعل أي شيء. وشهد ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت صحوة مفاجئة للمحقق العدلي طارق البيطار الذي قدم مطالعة قانونية سمح لنفسه بموجبها بتحريك التحقيقات بعد توقف لثلاثة عشر شهراً. وقد كان رد فعل القوى المتضررة من التحقيقات كما كان متوقعاً لمن يكون قد أوحى للبيطار بالتحرك في هذا التوقيت. الخطوات المضادة التي يقودها المدعي العام غسان عويدات لحماية الجهات التي كان ادعى عليها البيطار ستؤدي الى انقسام في الجسم القضائي وإلى تصعيد كبير في الشارع سيغذيه الانهيار المالي والاقتصادي.

هناك احتمال كبير في أن تؤدي الاجراءات المضادة للسلطة اللبنانية الى قرار غربي بتدويل ملف تحقيقات انفجار المرفأ بهدف الضغط على مفاصل السلطة الحاكمة عبر بوابة العقوبات الدولية. أما إمكان انتشار الفوضى في لبنان، فهي قائمة بخاصة مع مؤشرات لانهيار أكبر في الليرة اللبنانية. وتوقف المفاوضات بين العواصم الغربية وطهران وارتفاع مستوى التوتر سينعكسان على الملف الرئاسي إذ قد يقرر “حزب الله” وقف المساعي للوصول إلى تفاهم على رئيس توافقي والدفع قدماً نحو اختيار رئيس من الأحزاب الحليفة له من أجل الاستمرار بالاحتماء خلف قوى الشرعية اللبنانية في مواجهته للضغوط الخارجية التي تأخذ منحىً تصاعدياً. وإذا ما جمدت أو أخرت شركتا “توتال” و”إيني” جهود التنقيب عن الغاز، فإن هذا مؤشر إلى قرار أوروبي بتأجيل هذا الموضوع الى ما بعد تغيير ما أو هدف منشود في لبنان.

وفي سوريا فإن وضع إيران ليس جيداً. فهي لم تستطع حتى الآن جني ثمار دعمها النظام عبر مكاسب اقتصادية يحتكرها الجانب الروسي. كما أن محاولتها نشر قدرات عسكرية نوعية لتعزيز عامل الردع ضد إسرائيل قد باءت بالفشل نتيجة الضربات المتكررة للطائرات الإسرائيلية التي تتم تحت أنظار الروس وصواريخهم. وتقوم روسيا اليوم بالتفاوض على مستقبل سوريا مع تركيا بشكل مباشر ومن دون أي وجود لإيران، وكأن التحالف العسكري بين روسيا وإيران هو على القطعة وليس شاملاً.

آخر التطورات التي شهدتها الأيام الأخيرة كانت المناورات العسكرية الأضخم بين إسرائيل وأميركا والتي حاكت هجمات جوية على أهداف بعيدة المدى. أجمع المحللون على أن هدف هذه المناورات هو التدرب على شن غارات مشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية التي تشهد اليوم عمليات تخصيب لكميات من اليورانيوم تكفي لتصنيع ما لا يقل عن ثلاث قنابل نووية. يعتقد معظم المراقبين أن إيران تستطيع أن تخصب لمستوى 90 في المئة خلال أسبوع أو اثنين، وبعضهم يعتقد أنها قد قامت بذلك. فلا أحد يستطيع أن يؤكد أو ينفي ما يجري داخل هذه المنشآت النووية بعدما أغلقت إيران قبل بضعة أشهر كاميرات المراقبة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويقدّر المراقبون أن إيران تحتاج الى ثمانية عشر شهراً لتصنيع قنبلة نووية وتختبرها. وبناء عليه، فمن المرجح أن العد التنازلي لعمل عسكري إسرائيلي – أميركي ضد المنشآت النووية قد بدأ على أن يتم قبل نهاية السنة الجارية. وهذا قد يفسر إجراء هذه التدريبات المشتركة الحالية.

باختصار، ستشهد الساحة الأوكرانية قتالاً أعنف سيضغط بشكل كبير على روسيا، وستشهد الساحتان العراقية واللبنانية انهياراً مالياً أكبر وتضخماً سيؤديان الى تظاهرات واضطرابات داخلية تهدد الاستقرار فيهما، وستشهد إيران مزيداً من التظاهرات والعقوبات الغربية في حين تستعد إسرائيل وأميركا لعمل مشترك ضد المنشآت النووية. فإيران هي القاسم المشترك بين ملفات لدول في المنطقة تخضع لنفوذها والملف الأوكراني، وتزامن التصعيد على هذه الساحات كافة قد يكون أكثر من مصادفة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى