رأي

التجارة أقدم وأشرف مهنة على وجه الأرض فلا تُهينوا التجار

كتب محمد ياسر الصبان ل “رأي سياسي”: جائتني قبل يومين رسالة من دكتورة في العلوم الاجتماعية تتهم الشعب اللبناني بالفساد والتجار بالفجور، وكان في حيثيات الرسالة نمو حجم الاستيراد بنسبة 20% خلال سنة 2022 وأن التجار يستوردون بالدولار عل سعر المنصة ويبيعون على سعر السوق وأن البضائع المدعومة يتم تهريبها، والشعب اللبناني ضالع في الفساد المستشري.
وبما أنني أحترم العلم والمعلمين، وأرى أن صفة المعلم أطلقت على الأنبياء والفلاسفة والمصلحين، فقد كان من واجبي التفكير الدقيق بما جاء في الرسالة، خاصة وأنني كنت أتساءل عن جدوى علم الاقتصاد في غياب قياس المال ومكوناته ومصادر العناصر المكونة لهذه المادة الحيوية في الكون.
كما أتساءل عن جدوى علم السياسة بوجود ملوك ورؤساء وقياصرة يمتلكون الحصانة ويُنفقون ببذخ، ويحرسهم آلاف الجنود برواتب وتأمينات ضخمة دون أن يقدم هؤلاء الحرس وتشريفاتهم والرؤساء أي خدمة للشعوب، بل ان كل شعوب العالم التي تدفع بسخاء وبالقوة الجبرية للرؤساء والملوك وخدمهم ومرافقيهم وموظفي مراسيمهم لا تعرف ماذا يقدم هؤلاء القياصرة مقابل هذا التبجيل والتعظيم والحصانة.
وبينما لا يجرؤ أحد على مخالفة الشيوخ والملوك والرؤساء تحت طائلة السجن والنفي والقتل، يتطوع أكثر الناس وعن جهل واضح للأهمية، فيتهمون التاجر بالفساد حتى بات البعض يستخدم صفة “التاجر” في أدبياته، للدلالة على الإنسان الفاسد. هذا مع علم مسبق بأن الكثير من المصلحين والانبياء كانوا تجاراً ومنهم سيدنا “محمد” (ص) وبعض صحابته (رضي الله عنهم).
الواضح بأن الغزو الثقافي الصهيوني لعلم السياسة والاقتصاد بشقّيه الرأسمالي والاشتراكي قد أفسح المجال لولادة أنواع من التجارة الإحتكارية المتشاركة مع السلطات السياسية، لتحقيق أقصى أنواع الربح بأقل كلفة وبأسوأ منتج.
ولذلك بات الناس يخلطون بين التجارة وبين أمراء حروب وساسة يلبسون عباءة التاجر ليسرقوا المجتمعات. وبذلك تتم أذية المجتمعات بتدني المهتمين بالتجارة أو المستثمرين فيها بسبب سوء سمعة التاجر، وهذه مسألة غاية في الاهمية لان التجارة هي القلب النابض لأي نهضة اقتصادية حقيقية.
فالمزارع والصناعي والحرفي لا يعرف كيف يطور منتجاته دون نصائح التاجر. لأن التاجر يأخذ على عاتقه شراء السلعة بالمواصفات التي يراها مناسبة للمستهلك. وهو بذلك يخاطر برأسماله وبسمعته إذا لم يتمكن من حسن الإختيار، ومثال ذلك تاجر الاقمشة او الفساتين او المواد الغذائية أو أي نوع من التجارة، فالتاجر يأخذ على عاتقه إختيار مجموعة من الألبسة التي يراها مناسبة ويعرضها على أرف مؤسسته وفي واجهتها. والمخاطرة هنا تكمن في المنافسة الحرة بين التجار فمن يتمكن ذوقه وحكمته من شراء الأجمل والارخص يمكنه أن يبيع بضاعته ويجددها ويقلب رأسماله عدة مرات سنوياً… ومن لا تسعفه حنكته تبقى البضائع على الرفوف. وهذه مخاطرة مادية لا يمكن أن يخوضها أي موظف حكومي أو أي أستاذ في الاقتصاد. ولذلك فإنني عندما وصفت الجياد الأصيلة التي تحمل أعباء المجتمع بأنها لا يمكن رشوتها ولا يمكن ان تعلن الإضراب، فإني كنت أقصد مجموعة مهن من ضمنها التجارة.
وقد يود البعض القول بأن “بعض التجار يرفعون الأسعار ليربحوا أو أنهم يتهربون من الجمارك ليخفضوا الكلفة على انفسهم، او غير ذلك من الحجج الناتجة عن فساد الساسة والغزو الثقافي الصهيوني لمجتمعاتنا. لأن المقصود بالتجارة هو المنافسة الحرة العادلة وفتح الاسواق لكل من يرغب، لأن المنافسة العادلة الحرة هي التي تحقق للمستهلك أفضل شروط النوعية بأفضل الاسعار.
وأختم بأن كلمة “تاجر” تتألف من أربعة حروف هي:
1- ت= تقي.
2- ا= أمين.
3- ج= جريء
4- ر= رؤوف.
هذه هي التجارة، والتاجر هو العامود الفقري للنهوض الإقتصادي في المجتمعات. ويجب على كل من يسعى للإصلاح الاقتصادي في مجتمعه ان يعرف مكانة التجار ويحميهم من الفجار الذين أساؤوا للوطن ولسمعة التاجر.

المصدر: خاص رأي سياسي

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى