رأي

الانتخابات اللبنانية: من “لحظة الكهرباء” مروراً بـ”الدائرة الشيطانية”.. حتى “صافرة النهاية!”

كتبت “القدس العربي”:

لمن ستصوت في الانتخابات”، سئل مواطن في نكتة انتشرت في لبنان في هذه الأثناء. “لمن سيضمن لنا التغيير والخروج من الأزمة”، أجاب. “هذا جيد. هذا يعد به الجميع”، أجاب من سأل. ثم لخص المسؤول: “إذاً، عندها لمن سيدفع لي أكثر، أكثر مما دفع لي في الانتخابات السابقة”. الانتخابات البرلمانية في لبنان التي ستجري الأحد، نتج عنها الكثير من النكات وأفلام الفيديو التي يظهر فيها المرشحون وهم يعطون مغلفات سمينة لـ “نشطاء” ومخاتير وقبضايات يمكنهم تجنيد الأصوات.

قالت امرأة إنهم عرضوا عليها هاتفاً محمولاً ومساعدة مالية لعائلتها إذا صوتت لصالح المرشح الذي سيبلغونها بالتصويت له. وفي أحياء في بيروت يتجول ممثلو الأحزاب مزودين بقوائم أسماء من “تجب مساعدتهم”. قنوات تلفزيونية تأخذ رسوماً عن كل مقابلة مع مرشح، رغم أن هذه المقابلات جزء من عملها الصحافي، ولا قيود على نفقات المرشحين في الحملات الانتخابية.

الشعور الذي يظهر في تقارير وسائل الإعلام، أن هذه الانتخابات ربما لن تحل مشكلات لبنان، لكنها ستفيد على الأقل من سيحصل على المقابل المالي مقابل مشاركته في هذه العملية الديمقراطية.

منذ أشهر كثيرة ولبنان ينتظر الانتخابات التي كان يجب أن تجرى في آذار، لكن تم تأجيلها إلى 15 أيار بسبب تصميم الرئيس ميشيل عون (89 سنة) على ذلك، الذي يتوقع أن ينهي ولايته في تشرين الأول المقبل. وحسب حسابات عون حينها، كلما تأجل موعد الانتخابات، ستجد القوائم والأحزاب صعوبة في التوصل إلى تفاهمات، والبرلمان الذي سينتخب الرئيس سيجد نفسه في معركة مواجهات وخلافات لن تمكنه من انتخاب رئيس جديد متفق عليه، ولن يكون هناك مناص من تمديد فترة ولايته. جزء من تنبؤات عون كما يبدو سيتحقق على الأقل. الـ 718 مرشحاً الذين تجمعوا في 103 قوائم يتنافسون في هذه الانتخابات، من بينهم 284 مرشحاً هم أعضاء حركات معارضة أو مستقلون.

على الورق، هذه معطيات قد تضمن فضاء تأثير كبير لممثلي المعارضة والقوى التي تعارض استمرار ولاية عون، الذي يمتلك صلاحية تعيين رئيس الحكومة. ولكن قانون الانتخابات المعقد الذي تم وضعه في العام 2017، والذي تم تنفيذه للمرة الأولى في الانتخابات في 2018، أثبت أن النوايا الحسنة التي ولدت هذا القانون لم تحدث الانعطاف السياسي المطلوب لإنقاذ لبنان من نفسه.

في العام 2019، بعد الاندلاع غير المسبوق لحركة الاحتجاج ضد الحكومة على خلفية الوضع الاقتصادي والبطالة ومظاهر الفساد، استقال رئيس الحكومة سعد الحريري، ومرت أشهر كثيرة إلى أن تم تعيين بديل مؤقت عنه، ثم حدث ذلك الانفجار الضخم في ميناء بيروت في آب 2020 الذي خلف أكثر من 200 قتيل ومئات الآلاف بدون مأوى. مرت سنة منذ الانفجار حتى تم تعيين الملياردير نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة في أيلول 2021، وهو سيواصل أداء دوره كرئيس حكومة انتقالية بدون صلاحيات إلى حين انتهاء الانتخابات والاتفاق على تعيين رئيس حكومة جديد.

قبل أن تصل الانتخابات إلى نهايتها، يجب يأمل لبنان في أن يكون هناك ما يكفي من الكهرباء التي ستغذي مراكز التصويت ومراكز فرز الأصوات والحواسيب وشواحن الهواتف المحمولة. في الشهر الماضي، حذر وزير الداخلية من أن نقص الكهرباء قد يمس بسلامة الانتخابات، لكنه وعد بأن وزارته ستفعل كل ما في استطاعتها لوضع عدد كاف من المولدات تحت تصرف لجنة الانتخابات. أي خلل في الكهرباء، بالذات في لحظة حاسمة مثل إغلاق صناديق الاقتراع أو فرز الأصوات، قد يؤدي إلى إلغاء الانتخابات في عدد من الصناديق، ودعاوى بإتلاف بطاقات أو إضافة بطاقات تصويت، وهذا سيؤدي إلى تحديد موعد جديد للانتخابات في هذه المراكز، وبذلك تطول كل العملية.

لكن حتى إذا مر كل شيء بسلام، وسطعت كل المصابيح، فإن الموافقة النهائية على النتائج ستحتاج إلى المزيد من الوقت لمناقشة مزاعم دفع الرشوة وسوء الفرز وتهديد الناخبين، والأهم من ذلك معرفة من فاز في جميع الدوائر. فتوزيع المقاعد لا يعتمد فقط على شعبية المرشحين، لكن على انتمائهم الطائفي أيضاً. في كل واحدة من الدوائر الانتخابية يتحدد عدد المقاعد في البرلمان المخصصة له، والعدد المخصص لكل طائفة من الطوائف الكبيرة، السنية والشيعة والدروز والمسيحيين. على سبيل المثال، إذا تم تخصيص ثلاثة مقاعد للمسيحيين في دائرة انتخابية معينة، فإن الفائزين المسيحيين الثلاثة الأوائل سيحتلون هذه المقاعد. المشكلة هي أنه وحسب القانون يجب على جميع المرشحين التنافس في قوائم. وهكذا، إذا كانت هناك قائمتان مسيحيتان تتنافسان في الدائرة نفسها، وجمع المرشحون الثلاثة في واحدة منهما أغلبية الأصوات، فإن القائمة الثانية لن تحصل حتى على مقعد واحد. أليس هذا معقداً؟ هذا لا شيء مقارنة مع طريقة حساب الأصوات الفائضة التي ستتراكم.

في كل الأحوال، وفي كل نتيجة يتم الحصول عليها، لا تستطيع أي طائفة أن تمتلك وحدها الأغلبية في البرلمان. حسب الدستور في لبنان، فإن المسيحيين والمسلمين يتقاسمون الـ 128 مقعداً مناصفة. من بين الـ 64 مقعداً التي للمسلمين، 27 مقعداً للسنة و27 للشيعة و8 للدروز و2 للعلويين؛ ومن بين الـ 64 مقعداً للمسيحيين، 34 للمارونيين والـ 30 المتبقية تقسم على الطوائف المسيحية الأخرى. هذا التقسيم الذي تم تحديده في اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في 1989 استهدف منع وضع تستطيع فيه طائفة واحدة السيطرة على البرلمان أو تشكيل ائتلاف يستند إلى أبناء الديانة نفسها.

هذا التقسيم يلزم كل طائفة ببناء ائتلاف مع منتخبي طائفة أخرى من أجل تشكيل حكومة، وبهذا كما يبدو يتحقق المبدأ الذي يحاول تذويب القاعدة الطائفية التي بنيت عليها سياسة لبنان. ولكن هذه القيود السياسية لم تزعج النخبة السياسية والاقتصادية في تأسيس ائتلافات طائفية مدمرة وفاسدة، التي وزعت فيما بينها الميزانيات والشركات الحكومية ومصادر التمويل والوظائف الرفيعة حسب معايير طائفية دون صلة بمؤهلات أصحاب هذه الوظائف. وثمة تقدير يقول بأنه بعد الانتخابات الحالية ورغم التعديلات الموجودة في قانون الانتخابات، فـ”المقاربة” لن تتغير. الأحزاب والنخب القديمة ستستمر في إدارة الدولة، سيأتي من بينها أيضاً رئيس الحكومة الذي -حسب الدستور- يجب أن يكون من السنة. ولكن من شأن الطائفة السنية في هذه المرة أن تحدث أزمة وتفرغ الانتخابات من شرعيتها العامة.

في آذار الماضي، أعلن سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق والذي يترأس كتلة “المستقبل” والذي يعتبر الممثل السياسي الأهم بالنسبة للطائفة السنية، بأنه لا ينوي الترشح في الانتخابات، ثم طلب من مؤيديه وأعضاء حركته مقاطعة الانتخابات. هذا الإعلان هز المنظومة السياسية في لبنان، لأنه من الواضح أنه بدون مشاركة مهمة للسنة وبدون زعيم سني بديل متفق عليه، فإن تمثيلها في البرلمان سيُحول إلى أشخاص هامشيين في الطائفة، الذين سيملأون في الواقع الـ 27 مقعداً، لكنهم سيكونون بدون صوت أو قوة حقيقية.

الأكثر أهمية من ذلك هو أنه سيكون من السهل على الرئيس عون تعيين ممثل سني كما يريد رئيساً للحكومة، الذي سيكون بالطبع مقبولاً على “حزب الله” ولن يضع أمامه تحديات مثلما حاول الحريري فعل ذلك بدون نجاح. في الفترة التي سبقت الانتخابات، حاول شريك الحريري، رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، تشجيع السنة على الذهاب إلى صناديق الاقتراع. ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة تدل على أن 30 في المئة فقط من أصحاب حق الاقتراع السنة ينوون المشاركة في الانتخابات.

   عملية تستغرق أشهراً

التحدي الأول الذي سيكون أمام البرلمان الجديد هو انتخاب رئيس جديد أو الاتفاق على تمديد ولاية عون، وفي الحالتين ستبقى مسألة تعيين رئيس الحكومة على حالها. من يتوقع انتهاء العملية في بضعة أسابيع فهو واهم. التجربة في لبنان تعلم أن اللعبة السياسية قد تستمر أشهراً كثيرة قبل أن يتم سماع صافرة النهاية.

الوقت السياسي يقف بشكل معاكس مع الوقت الاقتصادي الذي يمر فيه لبنان. الأزمة الاقتصادية التي تغرق فيها الدولة منذ أربع سنوات، تجبرها على تسريع الخطى من أجل إقناع المجتمع الدولي بفتح صنبور المساعدات وإنقاذها من الإفلاس. القرض الأخير الذي حصلت عليه الدولة كمساعدة في فترة أزمة كورونا تبذر، ولم يبق للبنك المركزي أي عملة أجنبية لشراء الوقود لتوليد الطاقة وتدفئة المنازل، والواردات عالقة بسبب قيود إخراج الدولارات، والليرة اللبنانية وصلت إلى الحضيض، ونسبة البطالة وصلت إلى أكثر من 50 في المئة في بعض المحافظات، والطبقة الوسطى آخذة في الانقراض.

في المقابل، الدول المانحة مستعدة في الواقع لتحرير الـ 12 مليار دولار تقريباً التي وعدت بتحويلها للبنان قبل نحو أربع سنوات، وسيوافق صندوق النقد الدولي على المساعدة من خلال قرض بمبلغ 3 مليارات دولار، لكنها جميعاً تربط المساعدة بتشكيل حكومة متفق عليها ومستقرة ولها صلاحيات، تستطيع البدء في تطبيق إصلاحات اقتصادية وقانونية عميقة. ولكن ثمة دائرة شيطانية كامنة هنا، وأي تنفيذ لإصلاحها سيجبر النخب الحاكمة والطائفية والاقتصادية على التنازل عن شرائح سميكة من ميزانياتها. إذا قررت الحكومة العمل خلافاً لمصالح هذه النخب، فلن تتمكن من العمل، وإذا تراجعت أمامها فلن تستطيع تنفيذ الإصلاحات والحصول على المساعدات.

رغم ذلك، فهذه ليست معادلة محفورة في الصخر. وثمة اعتبارات دولية، مثل الرغبة في تجنب انهيار مطلق للدولة، والسعي إلى كبح قوة “حزب الله” أو طموحات السعودية والإمارات وفرنسا وأمريكا في الحفاظ على مراكز نفوذها في لبنان، حتى في ظروف فوضى، وكلها قد تفيد الحكومة الجديدة حتى لو لم تف بكل شروط الحصول على المساعدات وتوفر لها الوسادة اللينة التي ستضمن لها البقاء على قيد الحياة. ولكن هذه الدول تعرف أيضاً أن أي مساعدة كهذه ستواصل تغذية الفساد والحفاظ على البنية المتداعية للدولة دون وجود أي فرصة للإصلاح.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 13/5/2022

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى